في أسبوع حزين مر على سوريا بعد أن غيّب الموت وزير الخارجية والمغتربين السوري، الراحل ليد المعلم، واصلت الدولة السورية مهامها المكلفة بها، على الصعيد السياسي والعسكري، وعيّنت الدكتور فيصل المقداد خلفاً للوزير المعلم، بينما تابع الجيش السوري مهامه وأطلق عملية عسكرية وصفت بالضخمة في بادية دير الزور شرق البلاد للقضاء على جيوب تنظيم داعش، بدعم ناري جوي روسي.
لماذا أطلق الجيش السوري العملية العسكرية شرقاً؟
يبدو أن هذه العملية تم التخطيط لها جيداً، من قبل القيادة العسكرية السورية والروسية، وتأتي رداً على مقتل الجنرال الروسي في تلك المنطقة في وقتٍ سابق، إضافة إلى عميد في الجيش السوري، فلقد وصفت هذه العملية بالضخمة إذ أن قوام الجنود ما قرابته 500 جندي، سيعملون على تمشيط بادية دير الزور، بتغطية جوية نارية روسية، إضافة إلى إستخدام أسلحة ثقيلة من بينها مدافع عيار 75 مم.
العملية بدأت من حقل التيم النفطي باتجاه البادية السورية، ومن بادية الميادين، على أن يلتقي الطرفان من القوات السورية في نقطة محددة بعمق البادية، ولإنجاح هذه المهمة، تم سحب رتلاً عسكرياً سورياً من مناطق سراقب ومعرة النعمان بريف ادلب الشرقي والجنوبي باتجاه طريق أثريا – خناصر شرقي حماة، للمشاركة بتمشيط المنطقة.
إلا أن السبب الحقيقي الذي يكمن خلف استعجال تمشيط المنطقة، منها سحب الذريعة من القوات الأجنبية الموجودة داخل البلاد بحجة محاربة داعش، إلى جانب التوسع التركي في الفترة الحالية شرقاً، وعودة الحديث عن المنطقة الآمنة، إضافة إلى ما تقوم به القوات التركية من إدخال تعزيزات عسكرية، عوامل كثيرة وخطيرة في آنٍ معاً، توجب التدخل السريع لوقف هذا المد، خاصة وأن الوقاحة التركية وصلت بها إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من منطقة عين عيسى بريف الرقة التي يتمركز فيها الجيش السوري، وجزء منها تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية – قسد.
يقابل ذلك، إطلاق الإعلام المضاد (المعادي) لسوريا أخبار سريعة تتحدث عن قصف مجهول بعشرات الغارات الجوية، يعتقد أنه لقوات التحالف الدولي، بالتزامن مع إطلاق العملية العسكرية السورية، بالقرب من مدينة البوكمال في ريف دير الزور، ليخرج مصدر رسمي وينفي هذه الإدعاءات، ويأتي تفسير ذلك، بالتزامن مع إطلاق أي عملية، للترويج بأخبار كاذبة لرفع معنويات التنظيمات الإرهابية المسلحة وبالطبع تنظيم داعش مدعوم من جانب بعض الدول الإقليمية والدولية.
ما دلالات التشديد الإقتصادي الخانق على سوريا؟
بدأت البلاد تعاني بشكل شديد يفوق التصور من مفاعيل قانون قيصر الأمريكي، ووسط الموجة الثانية من جائحة “كورونا” التي يقابلها نقص شديد من المواد الأساسية الطبية، وغلاء أسعار الدواء، وفقدان الكثير من الأصناف، فضلاً عن قطاع الطاقة، حيث ترزح البلاد تحت سواد دامس، في تقنين هو الأسوأ منذ بداية الحرب على سوريا وإلى اليوم، الحقيقة لا خطط حكومية تجابه هذه الأوضاع، وإرتفاع كبير للدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية، دون مؤشرات للإنفراج والبلاد لا تزال في بداية فصل الشتاء.
وبينما تعاني سوريا نقصاً كبيراً في المحروقات، تعمل قسد الإنفصالية والقوات الأمريكية على سرقة النفط السوري وإخراجه نحو العراق، فلقد نقلت مؤخراً ما قرابته 120 صهريجاً عبر المعابر غير الشرعية كمعبر الوليد إلى الداخل العراقي، إلى جانب فرض تنظيم قسد حظر التجوال كامل على مناطق سيطرتها، بحجة وباء “كورونا” فيما الحقيقة أنها تحاول شل المنطقة إقتصادياً والتي تعاني الأمرين بسببهم.
هذا الوضع لا يحتمل، وقد يكون الأسوأ على الشعب السوري، وبحسب معلوماتٍ متواترة، أن الوضع الإقتصادي سيسوء أكثر من ذلك، فلقد قال الرئيس السوري بشار الأسد، أن من أسباب هذا الوضع عدا العقوبات الأمريكية، إحتجاز مصرف لبنان المركزي على ودائع السوريين والتي تقدر بمليارات الدولارات، والتي كانت سبباً شريكاً في الأزمة الإقتصادية على البلاد، وليس بعيداً، أن يكون ذلك بضغط أمريكي، للضغط على سوريا.
هل ينجح المشروع السوري – العراقي؟
وقع ممثلون عن العراق وسوريا في دمشق اتفاقية للتعاون في مجال الاتصالات البرية بين البلدين. وناقش الطرفان خلال الاجتماع إنشاء سكة حديدية تربط إيران والعراق وسوريا، وتتعلق الاتفاقية الموقعة بالتعاون في مجال إنشاء الخطوط الحديدية، وتبادل الأبحاث والدراسات وتدريب الكوادر الفنية وتبادل الزيارات العلمية والمؤتمرات ونقل التقنية السككية ومدى الأمان والشروط والمعايير الدولية.
هذا الأمر من الناحية النظرية جيد جداً، لكن من الناحية العملية، يدفع بنا للتنبه لذكر سبب إضافي من إطلاق العملية العسكرية السورية لتطهير بادية دير الزور، من خلايا تنظيم داعش، لتأمين الطرق البرية حتى الحدود العراقية، وبالتالي، هذا المشروع الحيوي إن تحقق سيعود بالإنفراج الإقتصادي على البلدين، لكن كون إيران طرفاً فيه، ولا يراد لسوريا الخروج من أزمتها، يبقى إتفاق مبدأي، لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذه على الأرض، ولو كلفها إشعال حربٍ في الشرق السوري، ما يضع فرضية الإنسحاب الأمريكي، فرضية مستحيلة التحقيق.
أخيراً، إن الأوضاع السورية، مهما كانت شديدة لكن الحق سينتصر في النهاية، وإلى أن يأتي هذا اليوم، على الجميع تحمل مسؤولياته لمجابهة الوقائع وعدم التذرع بأسباب لا منطقية، فعلى الصعيد السياسي، الأمور تسير وفق المخطط المرسوم، مثل اجتماع لجنة مناقشة الدستور في جنيف بـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وبدأت عودة بعض اللاجئين من لبنان ما بعد إطلاق روسيا لمبادرتها في دعم هذا الملف.
أما عسكرياً، هناك ملفات يتم الإعداد لها، وما عملية شرق البلاد إلى المرحلة الأولى، خاصة وأن الخبراء أجمعوا على أن نهاية هذا العام هي للتسويات لا للمعارك، وهذا ما سيتم إكتشافه في القادم من الأيام.
فريق عمل “رياليست”.