استقبلت العاصمة السورية هذا الأسبوع عشرات الوفود العربية والأجنبية في بادرة دولية هي الأولى منذ العام 2014، الذي استقبلت فيه وفود من كل أنحاء العالم في مؤتمر حمل عنوان “مكافحة الإرهاب”، ليكون العام “2020”، عام عودة اللاجئين السوريين، ومحاولة إغلاق هذا الملف بمبادرة روسية.
هل حقق مؤتمر دمشق لعودة اللاجئين أهدافه؟
في الشكل العام، يعتبر مؤتمر دمشق، إنتصاراُ سياسياً وإنجازاً أن تستقبل الحكومة السورية وفوداً دبلوماسية حملت شكل “تمثيلٍ وزاريّ”، لـ 27 دولة لبّت الدعوة، من أصل 107 دول، بعضها إعتذر، والبعض الآخر لم يلبِّ أو يعتذر.
المؤتمر في نتائجه، أكد على عودة اللاجئين عودة آمنة، تتضمن إشراكهم بعملية إعمار سوريا، مستقبلاً، (نظراً لحاجتها للأيدي العاملة)، وهذا من حيث الشكل أيضاً، نجاح كبير، لكن تعرضت الدولة المدعوة لضغط أمريكي، حيث طالبت واشنطن حلفائها بالإمتناع عن الحضور والمقاطعة، وهذا أمر طبيعي، فلم تعق الحرب الإنتخابية الأمريكية، إدارتها في متابعة الملفات الحيوية المتعلقة بدول الشرق الأوسط، وبالتالي رغم حضور 27 وفداً، حقق المؤتمر غايته نظرياً، لدرجة أن طالبت لبنان عقد المؤتمر الثاني منه على أراضيها.
المؤتمر من حيث المضمون، لن يحقق المرجو منه، لأن الدول التي يتواجد فيها الزخم الأكبر من اللاجئين تتعرض لضغوطات غربية كبيرة، وتحديداً أمريكية، وبالتالي، إن وافقت لبنان والأردن على العودة الآمنة، سيصطدم هذا الأمر برفض واشنطن، أو على أقل تقدير “سلة العقوبات” الأمريكية جاهزة لتضغط بها عليهما، ما يعني أن الدولة السورية قد حاولت، لكن المبادرة الروسية تكون قد فشلت في إستعجالها بطي هذا الملف، وبالتالي، تأخير تنفيذ إعادة الإعمار والبدء بالمشاريع الحيوية التي تطرحها روسيا بكثرة مؤخراً، ما يعني أن هناك رغبة روسية مستعجلة لتنفيذ المشاريع المتوقفة بسبب التدخلات الأمريكية المعثرة لهذا الأمر.
كيف تلقت أنقرة عدم دعوتها للمؤتمر؟
على الرغم من أن الأراضي التركية تضم الكثير من اللاجئين السوريين، لكن روسيا صرحت وعبر خارجيتها برفض الحضور التركي لأنه شريك أساسي للجماعات الإرهابية المسلحة، وأن تركيا هي سبب مباشر في الحرب السورية، ومؤججة النيران فيها، فحضورها لا يمكن أن يتحقق ونظرة سوريا وشعبها لتركيا سلبية لأقصى الدرجات.
لكن لو كانت الدعوة سوريّة، من الطبيعي أن ترفض أنقرة الحضور، نظراً لإنقطاع العلاقات منذ سنوات، لكن التمنع الروسي، يعني أن الخلافات الروسية – التركية بلغت حدّاً غير مسبوق، بعد مواقف تركيا الأخيرة سواء في ادلب بالشمال السوري أو في الشرق السوري، وفي ناغورنو قرباغ بالطبع.
اللافت، أن من عادة تركيا إلقاء التصريحات بكثافة جراء أي موضوع، لكنها لم تعلق على هذا الأمر، بل إلتزمت الصمت الذي قابله خطوات عملية لها على الأرض وخاصة في مدينة الحسكة من الناحية العسكرية.
ماذا تفعل تركيا في الشرق السوري؟
في جديد التدخل التركي في الأزمة السورية، أن هناك ما يُحاك ضد سوريا، لجهة تغيير ديموغرافيتها، فلقد بدأت القوات التركية وبمساعدة من الفصائل الإرهابية المسلحة، بشق طرق في محافظة الحسكة، إضافة إلى إزالة الحواجز الإسمنتية، وهذا يعني أن هناك عتاداً عسكرياً ضخماً، تعمل قوات الجيش التركي على إدخاله لسوريا، لكن لماذا؟
يتوقع خبراء متابعين للحرب الإنتخابية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي من المتوقع تنصيبه رئيساً بعد البت بالدعوى المرفوعة من قبل ترامب، وإلى أن يحين ذلك، يتبقى من ولاية الأخير حوالي الشهرين، وإحتمالية إندلاع حرب كحصاد أخير قبل مغادرته قائمة حتى يثبت العكس، فما علاقة تركيا بهذا السيناريو؟
من المعروف أن تركيا حليفة الولايات المتحدة، ومن الطبيعي إن إندلعت حرب ضد إيران سواء كانت محدودة أم شاملة، بطريقة أو بأخرى ستكون الأراضي السورية طرفاً فيها وجزءاً منها، هذا الأمر يتطابق مع ما حذر منه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله في خطابه الأخير، حيث قال: “على الجميع التيقظ والحذر، خلال الشهرين القادمين”، وهذا يعني أن الأمور مفتوحة على كافة الإحتمالات، وسيناريو الحرب أحد أهم السيناريوهات المطروحة.
وبما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية – قسد الحليفة لواشنطن، فلقد إزدادت مؤخراً الإشتباكات بينها وبين الفصائل الإرهابية الموالية لتركيا في الشرق السوري، لتكون سياسة أنقرة، إخراج كل عوامل التعطيل لوجودها من مناطق سيطرتها، وكأنها لا نية لها في الخروج من الأراضي السورية على الإطلاق.
من هنا، إن الوضع الميداني السوري، ربطاً مع السياسي، غير مستقر، والمؤشرات الجديدة لا تبعث على الطمأنينة، ومع تصريح المبعوث الأمريكي المُقال، جيمس جيفري الأخير، الذي قال فيه: “إن الأعداد الحقيقية للقوات الأمريكية الموجودة في الشرق السوري، تفوق العدد المذكور رسمياً بعشرات الأضعاف”، وهذا يعني أن الأمور لا تبشر بخير، خاصة بعدما أنشأت قسد ذراعاً عسكرياً جديداً مخصصاً لحراسة النفط السوري، وبدعم من قوات التحالف الدولي، كل هذه الأمور مجتمعة، تجعل من عودة اللاجئين السوريين، امراً ثانوياً، لأن جعبة واشنطن لم تفرغ بعد، ولن تفرغ حتى موعد الإنتخابات الرئاسية في سوريا، العام المقبل “2021”، ليكون المشهد السوري هذا الأسبوع حاملاً معه سيناريوهات خطيرة، قد لا تكون الحرب من ضمنها، لكن المؤكد أن لا حل فيها أيضاً.
فريق عمل “رياليست”.