وسط تعقيدات المشهد السوري، يبزغ أملاً مع كل تطور جديد يحدث في تلافيف الأزمة السورية، لعل أبرزها الإقتتال الدامي بين التنظيمات الإرهابية بعضها ببعض، وتعاون الأخرى منها مع قوات التحالف الدولي، رغم ولاءهم جميعاً لنظام أنقرة، في أن ينهون بعضهم لينتهي أو يقل وجودهم في البلاد.
هل فقدت أنقرة السيطرة على مرتزقتها؟
إحتشدت عناصر التنظيمات الإرهابية من هيئة تحرير الشام على مداخل البلدات والقرى وأطراف المدن، التي تتخذها حركة أحرار الشام مقاراً لها، بعد إنقلاب عناصر من المجلس العسكري لديها، على ما يسموه بالقيادة العامة للحركة، وذلك لإقتحام تلك المقار في أريحا وكفريا وبنش بريف إدلب، شمال غرب سوريا، أما الهيئة “القيادة” تنصلت من هذا الأمر واعتبرته إقتتال داخلي خارج عن إرادتها، لكن كل هذا لم يلق تدخلاً من القوات التركية، رغم أن تشتيتهم وتفرقهم لا يصب في صالحها أو صالح المرحلة المقبلة، وتأتي هذه التطورات، عقب خلافات كبيرة بدأت منذ أيام بين المجلس العسكري في أحرار الشام، ومجلس شورى الحركة، على خلفية تمديد ولاية القائد العام للحركة جابر علي باشا لعام آخر، بينما نشر مجلس الشورى التابع لأحرار الشام بياناً إتهم فيه الهيئة بمساندة من أسماهم “الإنقلابين” والقيام بحملة أمنية ضد مقراته في منطقة الفوعة.
هذه المشاحنات تأتي في سياق إطمئنان هؤلاء من عدم تدخل القوات التركية، التي يبدو أنها قامت بترتيب الأولويات، وبحسب المعلومات، طغت الأزمة الأرمينية – الأذرية على الملف السوري، والليبي إلى حدٍّ ما، في ضوء إتفاق جنيف، الذي أعطى مهلة 3 أشهر لإخراج المرتزقة والمقاتلين من الأراضي الليبية.
وفي سياقٍ متصل، لقي أكثر من 20 إرهابياً بينهم قياديين يتبعون لفصيل حراس الدين مصرعهم بغارة بطائرة مسيرة مذخرة بقنابل شديدة الإنفجار تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، بعد إعطاء تنظيم جبهة النصرة إحداثيات مكان تواجدهم، في ظل الصراع الدائر بينهما وسعي الفرع السوري لتنظيم القاعدة وبتخطيط ومؤازرة من النظام التركي لتصفية غرفة عمليات “فاثبتوا” وكل المنشقين عنها في إدلب والأرياف المجاورة لها، وتوعد فضيل حراس الدين بعد تفحم الجثث من رد الصاع صاعين، ما يعني أن مسلسل الإشتباكات مستمر، وتصفية الإرهابيين لبعضهم البعض مستمرة.
هل تملك قسد القدرة على مواجهة تركيا؟
تحاول قوات سوريا الديمقراطية – قسد المدعومة من القوات الأمريكية، فرض أمر واقع على الشرق السوري، وتحديداً في مناطق سيطرتها، من خلال مواصلة ممارساتها ضد السوريين، لكن آخر محاولاتها، أن قامت بالتسلل إلى مناطق سيطرة الفصائل الإرهابية الموالية للقوات التركية في الجزيرة السورية، حيث تنشط في تلك المنطقة بالقرب من ناحية غين عيسى بريف الرقة تحت سيطرة القوات التركية، كتائب السلطان مراد، الذين كشفوا عملية التسلل وقضوا على عدد كبير من عناصر قسد، وتدخل الجيش التركي على إثر ذلك وقصفهم بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون.
اللافت إنه وإن كان تصرف قسد فردياً فهي حتماً إنطلقت من شعورها بالخطر مؤخراً، لتقدم على مثل هكذا خطوة، وإن كانت مدفوعة من جانب الولايات المتحدة فهي حتماً تريد التخلص منها، لكن اللافت أكثر هو تحميل كل من روسيا والولايات المتحدة مسؤولية قصف التركي لها، في حين لم تقم بإدانة نفسها عما ترتكبه بحق السوريين، الذين يعتبرون الوجودين التركي والأمريكي إحتلالاً، فهي أداة إستعمارية تنفذ أجندة واشنطن من خلال الوعد بالإنفصال، فلقد كثرت أعدائها في المنطقة وستتلقى صفعات دائمة لعل إستهداف المجهولين لها كان أشدها.
ورغم أن روسيا كانت قد تبنت مؤخراً إجتماعاً ضم المعارض المقيم في موسكو قدري جميل، ورئيس مجلس تنظيم مسد الكردي، إلهام أحمد متفقين على وحدة وسيادة الدولة السورية والعمل ضمن مظلة الجيش السوري، عادت وإنقلبت إلهام أحمد وصرحت بأن روسيا فشلت بصفتها ضامن المفاوضات بين مسد والحكومة السورية، وإتهمت موسكو واشنطن بإزكاء مشروع الإنفصال عبر تغذية النزعات الإنفصالية لدى الأكراد الذين تسيطر عليهم ويتبعون لها.
هل تنشر روسيا قوات برية في الشمال السوري؟
تسعى موسكو وأنقرة إلى نفوذ لتهيئة الظروف المواتية لجولة جديدة من المفاوضات حول مصير محافظة إدلب، مع استمرار الجمود هناك حيث لم تسفر المفاوضات الروسية التركية بشأن إدلب في 16 أيلول/ سبتمبر 2020 عن تسوية، هذا النفوذ بالنسبة إلى روسيا يأتي في سياقين، الأول إما يكون عبر إطلاق معركة إدلب ومشاركتها الجيش السوري العملية بثقل عسكري واسع، والثاني يكون عبر نشرها لقوات برية موازية للقوات التركية التي عمدت في الفترة الأخيرة إلى زيادة نفوذها في المنطقة، ورغم الإتصالات بين الجانبين، لكن الخلاف الروسي – التركي برز إلى واجهة الأخبار بعد الصراع الأرميني – الأذري، ما يعني أن روسيا قد تيقنت من خطورة المشروع التركي في المنطقة، وتحتاج إلى أوراق قوة لمقايضة التركي في عددٍ من الملفات، حتى في ليبيا هناك معلومات تتحدث عن عملية روسية محددة لإطلاق سراح مواطنيها الروس في سجن معيتيقة التابع لحكومة الوفاق، والذي لو أرادت أنقرة تسليمهم لتم ذلك، لكنها تريد إيهام المجتمع الدولي بتورط روسي ما بطريقة غير شرعية، لإستكمال مخططها.
وتشير التحركات الأخيرة للجيش السوري والقوات الروسية إلى أن هنا تجهيزات ما لهجوم مرتقب على جسر الشغور بريف ادلب، وهي منطقة مهمة للدفاع عن قاعدة حميميم الروسية، بعد الهجمات الأخيرة للفصائل الإرهابية ومحاولات الإطباق على الطرق الدولية، فنشر القوات البرية الروسية عامل مساعد لسوريا، لكنه عامل ضغط على أنقرة، رغم أن روسيا تميل أكثر لمسألة الحل السياسي أكثر من ترجيح الغلبة لكفة العمل العسكري كما حدث أواخر العام 2019، في معركة إدلب الأخيرة.
من هنا، إن الأوضاع في سوريا تتسم بالتقلبات، فتارة تسخن الجبهات، وتارة أخرى تهدأ، لكن الصراع إنتقل لأن يكون صراعاً دولياً ملعبه المسرح السوري، وبالتحليل العسكري يعتبر شديداً لكنه غير ظاهراً بالقوة التي كانت عليها في فتراتٍ سابقة، إلا أن تركيا وروسيا رغم الخلاف الكبير في الشمال السوري، لكن ملف الأكراد قد يوحدهم خاصة بعد عودة حديث الإنفصال مجدداً، فإن كانت تركيا تتسم بذكاءٍ موازٍ لتنفيذها الأجندات الأمريكية، على الأخيرة أن تبرهن أن تحالفها لن يكون دون كبح ولجم الفصائل الكردية، فالمخطط حول الشرق خطير، إن كانت الغلبة لتركيا أو لقسد، كلاهما مشاريع تحتاج مواجهة ودهاء سياسي وعسكري.
فريق عمل “رياليست”.