لا تزال الأزمة السورية تراوح مكانها، وسط تقدم ميداني طفيف على الأرض، بينما تصطدم الحلول السياسية بحائط رغبات الدول المنخرطة في سوريا، خاصة تركيا.
ماذا نتج عن جولة المباحثات العسكرية الروسية – التركية حول سوريا؟
عكس هذا اللقاء طموح تركيا الجامح في المناورات السياسية المغلفة بالطابع العسكري، وسط فشل جديد تترجم في المحادثات الأخيرة في أنقرة مع الوفد الروسي، حيث طالب الأخير بإنسحاب القوات التركية من نقاط المراقبة غير الشرعية خاصة تلك الواقعة على مقربة من مناطق سيطرة الجيش السوري، بما فيه ذلك الأسلحة والمعدات الثقيلة، الأمر الذي رفضه المسؤولين الأتراك، لا بل أرادوا أن تسلمهم روسيا منطقتي “تل رفعت ومنبج” في ريف حلب الشرقي، الأمر الذي رفضته روسيا أيضاً، ما يعني أن المحادثات التي تركزت حول مدينة إدلب لم تحقق أية نتائج تُذكر، حتى مع مطالبة موسكو من أنقرة تقليص عدد قواتها في إدلب، لنخرج بنتيجة، أن تركيا تأبى الحلول السليمة وبالتالي مسألة حسم وضع إدلب لن يتحقق إلا بقرار عسكري، كانت قد جربته تركيا في آخر معركة ضخمة لها، فهي وكل قواتها لم تستطع الصمود، وفعلت ما فعلت لإبرام هدنة عادلة أواخر العام 2019.
كيف ردت روسيا على تركيا؟
على الرغم من يقين روسيا أن لا أمل تفاوضي مع تركيا، دون ذكر ذلك بصورة علنية، لكنها أبت إلا أن ترسل رسائل تحذيرية لأنقرة، رغم تعنت الأخيرة، فلقد واصلت القوات الجوية الروسية، قصف مقار جبهة النصرة بالتزامن مع الجولة في أنقرة، محققة إصابات مباشرة في ريف إدلب، اللافت في الغارات الجوية الروسية أنها أصابت أهدافها بدقة من خلال رصد ومتابعة طائرات الإستطلاع التركية، وهذا الأمر يضع تركيا أمام خيارات صعبة، فما إن تُطلق العملية العسكرية لن تفيدها الأرض وسط إمتلاك سوريا وروسيا للسماء والذي سيضمن خسارة تركيا ومرتزقتها حتماً، وهذا معروف لدى المسؤولين العسكريين الأتراك.
إذاً، إن هدف الرسائل التحذيرية الروسية، رسائل يراد منها إرغام أنقرة على تليين موقفها الرافض لسحب نقاط المراقبة التركية غير الشرعية الواقعة بمحاذاة طريق عام حلب حماة، وتلك المنتشرة في جبل الزاوية جنوب ادلب وفي منطقة سهل الغاب الشمالي الغربي، التي ينتشر فيها نحو 13 ألف جندي تركي مع سلاحهم الثقيل وآلياتهم ومعداتهم العسكرية.
هل من تعاون خفي بين قسد والقوات التركية؟
يقول الخبر، “أصدر المجلس التنفيذي لما يسمى الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية – قسد الموالية للقوات الأميركية، القرار رقم 114 القاضي بفتح معبر عود الدادات في مدينة منبج بريف حلب الشرقي والذي يصل مناطق سيطرة التنظيم بمناطق سيطرة القوات التركية والميليشيات التابعة له”، ورغم نفي الجيش الوطني السوري المعارض الموالي لتركيا، لكن هذا الأمر يشي بأنه لا يمكن لإصدار قرار رسمي متعلق بهيكلية تنظيم قسد لولا هناك قبول من الطرف الآخر، فقد يكون أن الميليشيات الموالية للجيش التركي لا علم لها بهذا الأمر، لأنه قد تم مباشرةً بين قسد والأتراك، دون الرجوع إليهم، ما يبين أن دورهم وظيفي لا علاقة له بأي قرار متخذ أو مستقل لهم.
وإذا ما تم أخذ الأمر من ناحية أخرى، إن الوجود التركي في سوريا جاء تحت ذريعة حماية الأمن القومي التركي من الخطر الكردي الذي اعتبرته أنقرة أحد أذرع “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابياً داخل تركيا، وعلى الرغم من ذلك، لم تشهد المناطق التي يتواجد فيها الأكراد العسكريين أي حوادث صدامية مع القوات التركية، ولا حتى جريح واحد، حتى الميليشيات الموالية لتركيا في عفرين ورأس العين وباقي المناطق، الخاضعة تحت سيطرة القوات التركية، كل الحوادث كانت بدافع السرقة للسكان المدنيين، ما يعني إنتفاء هذه الذريعة وأن التعاون بينهما ضمني بوساطة ورعاية أمريكية أصبحت واضحة للعيان حالياً.
هل بدأت تركيا وقسد تقطفان ثمار أفعالهما؟
كثرت في الآونة الأخيرة الإستهدافات المجهولة ضد القوات التركية وتنظيم قسد، والتي تعدت مرحلة زرع عبوات ناسفة أو مجابهات فردية، بل وصل الأمر إلى إستخدام أسلحة نوعية في تلك الهجمات، من خلال قصف مباشر على القوات التركية وقسد، في مناطق متفرقة من المواقع والمناطق الواقعة تحت سيطرتهما، فلقد أقرت قوات مقاومة جديدة تشكلت في عفرين المحتلة من قبل الجيش التركي وأعلنت مسؤوليتها عن قصف مواقع عسكرية تركية شرق حلب، الأمر الذي ينذر بتشكل أعداء أكثر من اللازم ضد تركيا والأكراد المنضوين تحت المظلة الأمريكية، بينما تعرضت قسد لإنتكاسات عدة بدأت منذ تشكل المقاومة السورية المؤلفة من العشائر والقبائل السورية، ما يعني أن الوضع تطور إلى منحنيات ومنعطفات جديدة من الأزمة السورية، وليس أفضل من هبة شعبية مسلحة تستطيع إستعادة زمام المبادرة وتطهير أراضيها من المحتلين، رغم أن المسألة لا تزال في بداياتها، لكنها نقطة إيجابية وسط سلبيات الأزمة السورية بشكلٍ عام.
أخيراً، يبقى الوضع الاقتصادي السوري من أخطر الأزمات التي تعصف بالداخل السوري وسط إصرار أمريكي بالتشديد على كل أشكال وأنواع التوريدات إلى سوريا، لزيادة الضغط الاقتصادي، وكما قلنا سابقاً، إن الإنفراج الاقتصادي مرتبط بشكل رئيس بالميدان وتطوره لصالح الدولة السورية، فما من مفاوضات قادمة ستكون مربحة لسوريا إلا وهي التي تملك المساحات الأكثر من الجغرافيا السورية، ودعمها لكل حركات مقاومة المحتل والوجود الأجنبي على أراضيها، لإختصار الزمن والبدء عملياً بإعادة الإعمار الحقيقية، بمساعدة الحلفاء خاصة من الناحية العسكرية.
فريق عمل “رياليست”.