تطورات كثيرة عصفت بالساحة السورية هذا الأسبوع، وبدأت تأثيرات “قانون قيصر” تظهر جلياً في الواقع المعيشي على المستويين الاجتماعي والإقتصادي، مع عدوانَين إسرائيليين، إضافة إلى تطورات ميدانية في الشرق والشمال السوريين.
ماذا تريد قسد تحديداً؟
لا يخفى على أحد تماهي العلاقة بين قوات سوريا الديمقراطية – قسد وبين الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن الفترة الأخيرة لهذا التعاون أو التحالف شابه بعض الفتور، ليلاحظ المتابع أن قسد تتصرف منفردة في كثير من الأمور، بما يتعلق بمناطق سيطرتها في الشرق السوري، ومع إزدياد إستهدافات مقاتلين وقياديين من التنظيم، بدأت قسد إتباع مبدأ القوة والقسوة مع المدنيين، عبر سوقهم للتجنيد الإجباري والإعتقال التعسفي، والأخطر هو السيطرة على المدارس في المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتهديد الكادر التعليمي بالإعتقال والقتل إن فكروا الإلتحاق هذا العام، وبالتالي منع أكثر من 9400 طالب وطالبة من مراحل دراسية مختلفة من تلقي العلم في مدارسهم، فيما من أراد التسجيل، سيكون المنهاج بحسب ما قرره التنظيم ومن الطبيعي أن تكون “اللغة الكردية” جزءاً منه، وهذه بحد ذاتها جريمة لا تقل خطورة عن قتل النفس البشرية لكن بطريقة مختلفة.
وبموازاة ذلك، تواصل القوات الأمريكية الزج بقوافل من العتاد العسكري إلى الشرق السوري وتحديداً إلى قاعدتها في ريف الحسكة، في منطقة الشدادي، خاصة بعد الحادثة الأخيرة بين قواتها والقوات الروسية والتي كانت نتيجتها إصابة عدداً من الجنود الأمريكيين، إلا أن هذا الأمر يعتبر عامل قوة لقوات سوريا الديمقراطية التي تتوقع أنه وفي أية مواجهة محتملة مع أي طرف ستكون القوات الأمريكية مدافعة عنها، فيما أن الواقع يقول إن قسد قد تقع في شر أعمالها وكل ما تحلم به لن يتحقق، خاصة في ضوء تحالفات كردية – عربية جديدة تمت برعاية روسية إعتبرت أن القتال سيكون تحت مظلة الجيش السوري وأكدت على سيادة ووحدة الأراضي السورية، الأمر الذي ينسف أي فكرة إنفصال كردية مستقبلية، على الرغم من أن التحالف الكردي – العربي قد يكون أمراً عادياً، لكنه رسالة روسية توضح أن لا إمكانية لأي شكل من أشكال التقسيم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن القوات الروسية مرابطة في قاعدة جوية لها في مطار القامشلي، أي ستكون على تماس مباشر في أي تطور مستقبلي في تلك المنطقة.
لماذا إنتظرت دمشق وموسكو حتى الآن؟
إن الإتفاقية التي وقعتها شركة نفط أمريكية مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد لإستخراج وبيع النفط السوري، بالقانون الدولي، شراكة غير قانونية وغير شرعية، لأن تلك المنقطة وبصرف النظر عمن يسيطر عليها في أراضٍ مسيطر عليها بالقوة، وكل أرض مسيطر عليها بالقوة لا يحق إستملاكها، وقوات قسد هي جزء من سكان المنطقة ومن حيث التعداد السكاني تبلغ نسبة العرب والأقليات الأخرى من آشوريين وسريان النسبة الأكبر، فلا يمكن لقسد أن تسيطر على ما هو من حق الشعب السوري أولاً وسكان تلك المناطق ثانياً.
وبحسب بيان للهيئتين التنسيقيتين السورية – الروسية لعودة المهجرين، اعتبرت دمشق وموسكو أن قيام واشنطن بإبرام صفقات واتفاقيات مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد تصرف غير قانوني وغير شرعي، وخرق لقواعد القانون الدولي، وانتهاك لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، أن أحد الأسباب الجدية لإثارة القلق اليوم هو الوضع الناشئ في شمال شرق سوريا بسبب الوجود غير القانوني للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها على أراضي الدولة السورية ذات السيادة، والذي يؤدي إلى إشعال بؤر التوتر في المنطقة.
يأتي هذا التصريح ببدء إتخاذ إجراءات أكثر صرامة من قبل الحكومة السورية وروسيا بعد التصعيدات الأخيرة في الشرق، فلم يقتصر الأمر على قوات الجيش السوري أو السكان المدنيين، بل طال الأمر القوات الروسية أيضاً، وهذه سابقة لم تحدث من العام 2015، لذلك توجب على البلدين البدء بالتخطيط المدروس لبدء إعتبار الشرق ملف ساخن يستوجب الحل سواء على الصعيد السياسي أو العسكري.
هل ستحقق الحكومة السورية الجديدة تطلعات الشعب؟
ترأس الرئيس بشار الأسد إجتماع الوزارة الجديدة بعد أدائها القسم الدستوري، موضحاً عدداً من النقاط التي يتوجب العمل بها للمرحلة الحالية والقادمة جراء الضغوطات التي تعاني منها البلاد، حيث أشار الرئيس الأسد بكل وضوح حول مسألة الفساد ووجوب معالجته والقضاء عليه، خاصة وأن سوريا دولة مؤسسات، مركزاً على أنه رغم محدودية الإمكانات في فترة الحرب والتي قطعاً تختلف عما قبل الحرب هي الدافع الرئيس للمضي قدماً بحلحلة كل العقبات أو على الأقل التخفيف من حدتها، كالتركيز على الصناعة والإعتماد على الذات، بدل الإعتماد على الغير في كل القطاعات.
وبالتالي الكل معني بالمساعدة لتخطي هذه الظروف القاهرة والتي للأسف أضرت بكل مفاصل الحياة في سوريا منها القطاع الصحي وقطاع الطاقة وحتى التعليم واليوم سوريا قوية بما لديها لكن هذا غير كافٍ إذا لم تتضافر الجهود للنهوض مجدداً بما هو متوفر ومتاح، فالحديث عاد بقوة حول مسألة “إعادة الإعمار”، وهذا أحد أسباب الجنون الأمريكي والتركي في المنطقة.
من هنا، إن الوضع السوري ليس جيداً وهذا أكيد، لكنه حتماً ليس تصاعدياً، بل فيه نقاط تثبيت لكل القوى الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية، فثبات مؤسسة الدفاع السورية عاملاً درأ من الخطر الكثير، المشهد عموماً يوحي بأن الأمريكي أو التركي لن يخرج بسهولة، وهذا من حيث الشكل صحيح، وما يثبت هذا الوضع هو إستمرار الإعتداءات الإسرائيلية بين الفينة والأخرى على مناطق مختلفة من سوريا، وكأن الأمور لا جدوى منها، إلا أن الواقع يقول إن الشعب السوري في كل المناطق الخارجية عن سيطرة الدولة السورية بدأت تحاول تغيير هذا الواقع ومسألة العشائر السورية خير دليل التي أجبرت قسد على الخروج من عدة مناطق وآخرها من بلدة الشحيل في ريف دير الزور، فالوقائع تتبدل وتتغير والأكيد كلها ستثب في النهاية في صالح الدولة السورية، فمن يملك يحكم، والعين اليوم على تطهير الطريق الدولي في الشمال السوري المعروف بـ “إم -4″، لعل هذا الأمر هو من ضمن أسباب زيارة الوفد التركي للعاصمة الروسية مؤخراً في 31 أغسطس/ آب.
التحليلات كثيرة، لكن الواقع متبدل ومتغير، والواقع مرتبط بجملة ملفات دولية وإقليمية قد يتصاعد وقد يهدأ، لكن بالمنظور العام لم يحقق أي طرف خارجي أية فائدة على كافة الأصعدة حتى الاقتصادية منها.
فريق عمل “رياليست”.