تطورات كثيرة، حدثت في سوريا مؤخراً، لعل أبرزها قصف القوات الأمريكية بشكل مباشر حاجزاً للجيش السوري في مدينة القامشلي، شرق سوريا، وقطع القوات التركية مياه الشرب عن أكثر من مليون مواطن سوري لأكثر من 20 يوماً في مدينة الحسكة في الشرق السوري.
زيارات ورسائل
لم تخلو زيارة كبير مساعدي الخارجية الإيرانية علي أصغر خاجي إلى دمشق، ولقائه ووفده المرافق له الرئيس السوري بشار الأسد، والمسؤولين السوريين، من رسائل حملت في مضمونها أن إيران متمسكة بإستمرار دعم سوريا على كافة الأصعدة، زيارة حملت رسائل إلى إسرائيل وتركيا، خاصة بعد إتفاق الإمارات الأخير مع الجانب الإسرائيلي، والضغط على أنقرة لتحمل مسؤولياتها تجاه إتفاقياتها، وكأنه التحذير الأخير بعد مواقف النظام التركي مؤخراً.
زيارة لا تخلو من إعادة نشاط الدور الإيراني في المنطقة بعد زيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف مؤخراً إلى دمشق وبيروت، وعرض مساعدة إيران للبنان في مأساته التي وقعت مؤخراً.
على المقلب الآخر، بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في إتصال هاتفي بحثا فيه الملفين السوري والليبي، واتفقا على تكثيف جهود محاربة الإرهاب في سوريا، الأمر الذي يناقض ما ذكره الإعلام الروسي عن خلافات ما بين موسكو وأنقرة، خاصة وأن الإتصال كان من الجانب الروسي، فهل تغلبت تركيا على روسيا في الملف السوري بعد الليبي؟
سياسة التتريك
تواصل القوات التركية بأمر من حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بفرض سياسة التتريك في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، من خلال فرض التعامل بالليرة التركية وشراء البضائع التركية، وتغيير أسماء المناطق والشوارع بأسماءٍ تركية، في واقع يشبه بشكل واضح ما كان يقوم به العثمانيين إيان إحتلالهم الوطن العربي لمدة 4 قرون، فاليوم أنقرة تحيي هذا النهج من خلال إتباع نفس السياسة الرامية إلى تتريك المنطقة، فلقد صادق مجلس التعليم العالي في تركيا على توسيع فرع جامعة غازي عنتاب التركية وفتح فرع في المناطق المحتلة من قبل القوات التركية في الشمال السوري، والأقسام الجديدة تشمل تعليم الرياضيات والعلوم واللغة التركية والعلوم الاجتماعية والسياسية والإدارة العامة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فلقد فرضت تركيا على تعليم اللغة التركية في مناهج المدارس في كل المراحل الأساسية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إلا أن الأخطر من كل ذلك، هو ما كشفته وسائل إعلام تركية معارضة، عن طباعة خرائط في الداخل التركي، وضعت المناطق السورية على أنها أراضٍ تابعة لتركيا.
والأمر الآخر، هو إرتكاب القوات التركية لجرائم حرب مستمرة وخطيرة عبر تعطيش الشعب السوري وحرمانه من مياه الشرب، فيما المجتمع الدولي يراقب ويشاهد دون أي تدخل يجبر تركيا على وقف ممارساتها هذه، إلا أن الضغط الحكومي السوري بمساعدة المنظمات الأهلية وأخرى دولية تم إرسال صهاريج مياه للمدينة وفتح آبار لمد المواطنين بالماء، ونتيجة لذلك أوصلت تركيا المياه بنسبة 50% عبر محطة علوك، وهذا الأمر يرقى رسمياً لإدراجه كجريمة حرب عن سابق إصرار وتصميم.
تصاعد الخلافات
علقت روسيا دورياتها مع الجانب التركي على الطرق الدولية بعد تعرضهم لهجمات متفرقة من قبل التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا، بعدما صرحت موسكو بأن هناك تماهي ما بين الإرهابيين والنظام التركي، ولن يعود تسيير تلك الدوريات حتى تضمن أنقرة أمان الطرق الدولية، فلقد عبرت روسيا عن إستيائها من خلال إبلاغ تركيا في أكثر من مناسبة، دون أن تحاول الأخيرة رأب الصدع في هذا الخصوص، خاصة بعد تغاضي النظام التركي عن إنتشار جبهة النصرة في الشريط الأمني على طرفي الطريق في سهلي الغاب والروج ومحيط جسر الشغور بعد أن حلت في نقاط تنظيم حراس الدين الإرهابي برعاية تركية.
فلقد أشارت روسيا إلى أن تركيا غير جادة فيما يتعلق بتنفيذ إتفاق موسكو في فتح طريق “إم -4” من غير تأمين حماية الطريق، وهذا يعني أن تركيا لا يهمها إستهداف الدوريات الروسية، بل من الممكن أن يكون لها يد في ذلك، لتطبق سيطرتها على الشمال السوري من خلال إخراج الروسي من المعادلة، فتلكؤ تركيا في تنفيذ تعهداتها أثار حفيظة روسيا، ليكون المتبقي هو معرفة صياغة الوضع مجدداً بعد إستهدافين لروسيا من الفصائل المنضوية تحت إمرة القوات التركية.
لا للإحتلال الأجنبي
تصدى حاجز للجيش السوري في مدينة القامشلي بالشرق السوري لقافلة أمريكية، ومنعوها بالقوة وبإطلاق النار عليها من إكمال طريقها، ما شكل رسالة قوية من قبل سوريا وهي أن مواجهة القوات الأمريكية خيار محسوم لا بد منه عاجلاً أم آجلاً.
إلا أن القوات الأمريكية وبعد أقل من 30 دقيقة، إعتبرت هذا الأمر بالنسبة لها تطوراً خطيراً، وعلى إثره إستهدف طيرانها الحاجز بقصف مباشر عليه، الأمر الذي أسفر عن مقتل جندي سوري وإصابة إثنين آخرين، اللافت في الموضوع أن هذا الأمر لم يكن بوارد الأمريكي، فلقد جاء إستهداف الجنود السوريين وتحت مرمى النار بشكل متعمد، ولم يكن الأول من نوعه، فلقد أجبر سابقاً أحد الضباط السوريين عربة أمريكية على العودة، ومن خلال مقاطع الفيديو المسربة لهذه الحادثة كان واضحا مدى ضعف الجيش الأمريكي على الأرض وفي المواجهة المباشرة، إنما البطولة الشهير بها فهي دوماً عبر القصف الجوي وفرض العقوبات من قبل حكومة بلاده.
من هنا، إن الوضع الأمريكي ما بعد قصفه حاجزاً للجيش السوري، سيكون الشرارة التي ستثبت المقاومة الشعبية في الشرق السوري، وهذا ما أكده ملتقى القبائل والعشائر السورية قبل أيام وتحت كنف ورعاية من الدولة السورية، فلقد أشارت الوقائع الجديدة على أن هناك تراخٍ في الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية – قسد، وكأن الدور الوظيفي لها قد إنتهى، الأمر الذي يضع القوات الأمريكية عند واقع جديد وحياة عناصرها على المحك، فيما عودة إيران ونشاطها على الصعيد الديبلوماسي يؤكد أن هناك إستراتيجية جديدة لم تفهم أبعادها بعد، لكن المؤكد أن البداية قد تمت.
أما روسيا وتركيا، لا يزال الهدوء الروسي مستمر في التغاضي عن الممارسات التركية، فهل لا أوراق تملكها موسكو للرد على أنقرة؟ أم تتحين الوقت والمكان المناسبين؟ أجوبة هذين السؤالين ستتبين في تطورات الملف السوري المقبلة.
فريق عمل “رياليست”.