أعلنت وزارتا الدفاع في أرمينيا وأذربيجان أن المواجهات على الحدود الشمالية بين البلدين استؤنفت بعد يوم كامل من الهدوء، ما بدد آمال التهدئة في أزمة أثارت مخاوف من اندلاع حرب شاملة، وقد صدرت دعوات أميركية وأوروبية وروسية، إلى وقف فوري لإطلاق النار، بينما وقفت تركيا مع حليفتها أذربيجان، طبقاً لقناة “فرانس 24” الفرنسية.
وعلى الرغم من وساطة دولية بدأت قبل حوالي ثلاثين عاما لم يتمكن البلدان من التوصل إلى حل للنزاع حول ناغورني قره باغ الذي تهدد باكو باستمرار باستعادة السيطرة عليه بالقوة، وأي حرب بين البلدين يمكن ان تغرق كل منطقة القوقاز وتقحم روسيا، الحليفة العسكرية لأرمينيا، وتركيا الداعمة لباكو واللتين تتنافسان على النفوذ الجيو – سياسي في هذه المنطقة الاستراتيجية.
إن إشتعال الأزمة الأرمنية – الأذرية مجدداً ليس عبثياً، أو وليد صدفة، ومن الواضح والجلي أن الأيادي التركية حاضرة تماماً في تأجيج وإزكاء هذه النيران، خاصة لجهة دعمها العلني لحليفتها أذربيجان، ضد أرمينيا التي بينها وبين تركيا حقد تاريخي على خلفية مذابح العثمانيين للأرمن، وهذا أحد الأسباب لإشعال هذه الجبهة الهادئة نسبياً، رغم عدم التوصل لحل في مسألة ناغورني قره باغ، فتصريحات أنقرة لم تأتِ كما الدول الأخرى لضبط النفس، فلقد صرح أردوغان بالقول: “تهدف أرمينيا إلى إطالة أزمة إقليم ناغورني قره باغ”، ليستخدم هذا الأمر كذريعة لتدخل تركيا العلني مبدئياً في دعم الرئيس الأذري إلهام علييف ولاحقاً للتدخل التركي بشكل مباشر.
المؤشرات تشير إلى أن الأزمة بين دولتين متجاورتين، بينهما أزمة قديمة تتجدد بين وقت وآخر في الشكل العام، بينما التدخل التركي الفوري، يثير الريبة ويضع علامات إستفهام كثيرة، خاصة لجهة إحياء الإرث العثماني وإعادة امجاد هذه الإمبراطورية، وحقيقةً الرئيس أردوغان لا يخفي ولا ينكر هذه الحقيقة التي أصبحت سمة ظاهرة ومستمرة في معظم خطاباته، فتسليحه للقوات الأذرية لم يأتِ من فراغ، رغم أن روسيا أيضاً تبيع لأذربيجان السلاح بمليارات الدولارت، وكذلك لحليفتها أرمينيا، وليس خافياً على أحد دعم الرئيس علييف لحليفه أردوغان بآلاف المقاتلين الذين قاتلوا في معارك سوريا والعراق عقب التدخل التركي في سوريا.
بينما الحقيقة أن توسع تركيا خارجياً، يحاكي إلى حدٍّ ما إلهاء الرأي العام الداخلي التركي وسط التقلبات الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها، فأذربيجان دولة غنية بالثروات، وأردوغان لا يتحالف إلا مع الدول التي تعود عليه بالنفع، فلهذا الرئيس حسابات كبرى ورهانات لن يتخلى عنها، كما أن تهديده لأرمينيا هي رسائل إلى روسيا وإلى أوروبا معاً، فتصريحه بأن بلاده لن تتردد بالدفاع والتصدي عن حقوق أذربيجان، وهو يعرف تماماً أن بين روسيا وأرمينيا معاهدة دفاع مشترك وهناك آلاف الجنود الروس في أرمينيا، ما يعني حربه ستكون مع روسيا التي حتماً ستقف مع يريفان عملاً بالمعاهدة المبرمة بينهما، و إشتراكهما بعضوية منظمة الأمن الجماعي.
من هنا، إن الأزمة الأرمينية – الأذربيجانية محسومة النتيجة لصالح يريفان، و هذا أثبته الجيش الأرمني في حرب الأربعة أيام في أبريل 2016 و في المناوشات الأخيرة و ذلك بالرغم من الدعم العسكري التركي الهائل للجيش الأذربيجاني، مما جعل التصريحات التركية الأخيرة على لسان الرئيس التركي و لسان وزير الدفاع التركي حادة جداً، و هذا جعل الموقف التركي يبدو و كأنه المحرض على ازدياد وتيرة الصراع في هذه المنطقة.
فريق عمل “رياليست”.