موسكو – (رياليست عربي): منذ بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا في فبراير 2022، برزت الطائرة التركية بدون طيار “Bayraktar TB-2” كأحد أبرز رموز النزاع، حيث أصبحت راية ثقافية وشعبية في أوكرانيا، وبينما كانت فعاليتها واضحة في الأسابيع الأولى من الحرب، فإن الأهمية الحقيقية للطائرة تتجاوز المعارك لتتعلق باستخدامها كأداة للترويج لسياسة تركيا الخارجية وتعزيز نفوذها.
منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002، تبنت تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان استراتيجية طموحة تهدف إلى إحياء إرث الإمبراطورية العثمانية.
وقد أعادت هذه الاستراتيجية، التي صاغها أحمد داود أوغلو، تشكيل تركيا كقوة مستقلة تسعى لتوحيد الشعوب الإسلامية ضمن مجتمع واحد.
وعلى مدار عقد من الزمن، دعمت الدولة التركية هذا النهج عبر تعزيز التعاون العسكري والتجاري والثقافي مع الدول الأخرى، ما أكسبها نفوذاً متزايداً.
لكن هذا التوجه اصطدم بتحديات كبيرة مع اندلاع الربيع العربي في 2011، حيث زعزعت الثورات مناطق النفوذ التركي وأظهرت حدود سياسة “صفر مشاكل مع الجيران”.
ومنذ ذلك الحين، تبنت تركيا نهجاً أكثر قوة يعتمد على التدخل العسكري والاقتصادي المباشر، فقد شكّل التدخل التركي في الحرب الأهلية الليبية عام 2019 نقطة تحول في استراتيجيتها، حيث استخدمت الطائرات بدون طيار TB-2 لتقديم ميزة استراتيجية على الأرض دون الحاجة لإرسال قوات برية.
هذا النهج لم يكن فقط وسيلة لتحقيق التفوق العسكري، بل أتاح لتركيا تنفيذ هجوم إعلامي واسع النطاق لتعزيز سمعتها كقوة إقليمية ذات تأثير عالمي.
كما كررت تركيا هذا النموذج في نزاعات أخرى، مثل حرب ناغورنو قره باغ في 2020 والصراع في أوكرانيا، حيث ساهمت الطائرات بدون طيار في تحقيق نتائج عملياتية جيدة، مما عزز من قدرتها على الترويج لأسلحتها في الأسواق الدولية.
ومنذ 2019، باعت تركيا الطائرات بدون طيار إلى أكثر من عشرين دولة، وفقاً للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، وهو ما يُظهر نجاحها في تحويل هذه التقنية إلى مصدر أساسي لنفوذها.
وتستند صناعة الطائرات التركية بدون طيار، وخاصة Bayraktar TB-2، إلى نموذج اقتصادي يعتمد على شراء المكونات المتقدمة من دول أخرى، مما يقلل من تكاليف البحث والتطوير.
هذا النهج مكّن تركيا من تقديم طائرات فعالة بأسعار أقل من السوق، ما جذب اهتمام الدول النامية التي تفتقر إلى قوات جوية متقدمة.
وإلى جانب المبيعات، تبنت تركيا استراتيجية متكاملة لتعزيز نفوذها الثقافي والدبلوماسي، حيث غالباً ما يتبع بيع الطائرات افتتاح سفارات، وبناء مساجد، ومراكز ثقافية، ما يعزز من وجودها في الدول المشترية.
ومع ذلك، يظل نجاح تركيا مقيداً بتحديات تتعلق بالسيادة الصناعية. ففي أكتوبر 2020، علقت كندا تصدير المحركات التي تستخدمها الطائرات TB-2 عقب مشاركة تركيا في نزاع ناغورنو قره باغ، مما أثر بشكل كبير على الإنتاج.
وعلى الرغم من إيجاد موردين بديلين، يظل تحقيق الاستقلالية الكاملة في صناعة الأسلحة المتقدمة مهمة صعبة، خاصة أن أي دولة لم تتمكن من الاستغناء تماماً عن الواردات في إنتاج أنظمة عسكرية متطورة.
هذا الاعتماد المستمر على المكونات المستوردة يبرز حدود طموحات تركيا في تحقيق الهيمنة الإقليمية الكاملة.
ورغم النجاح الملحوظ في بيع الطائرات بدون طيار وترسيخ النفوذ في مناطق مثل أفريقيا وآسيا الوسطى، يظل مستقبل صناعة الدفاع التركية رهيناً بقدرتها على تجاوز هذه العقبات، وهو أمر قد يحد من إمكانياتها في تنفيذ رؤيتها التوسعية على المدى البعيد.