رياليست: لا يبنى الكثير على سياسة فرنسا سوى أنها محاولة لإعادة تموضعها على خط الملفات الساخنة بعدما فقدت بريقها في عهد ساركوزي وهولاند ليكون ماكرون بطل المرحلة ولكن هذه المرة لن تستمر البطولة بالقدر الذي هو يريده لبلاده في ضوء إشتعال المنطقة من كل النواحي.
مصدر الصورة: رويترز
عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه لسيادة العراق وقال: “إن تنظيم الدولة الإسلامية، والتدخلات الخارجية يأتيان على رأس التحديات التي تواجهها بغداد، مضيفاً أن فرنسا تدعم أيضاً جهود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من أجل توفيق أوضاع جميع القوى المسلحة، معلنا من بغداد دوام إلتزامه لأن المعركة ضد داعش مستمرة لكن ذلك يجب أن يكون في سياق إتفاقية وبروتوكول يحترم سيادة العراق، وذلك طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
ما سبب الإنفتاح الفرنسي على الدول العربية
لا شك أن فرنسا أسوةً بباقي الدول الأوروبية أضرت جائحة “كورونا” بإقتصادها، وهي التي كانت وما زالت تعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية التي على إثرها خرجت مظاهرات منددة وإنبثقت عنها حركة “السترات الصفراء”، خاصة بعد صعود لليمين المتطرف على حساب القوى السياسية الأخرى، الأمر الذي دفع بالشعب للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، ما يعني وقوع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في عين العاصفة، فبالرغم من خطورة الجائحة العالمية على كل العالم، إلا أنها كانت ذات نفع على بعض الدول التي أرادت الهروب من مشاكلها وتأجيلها تحت ذريعة الوباء، ليتصدر هو المشهد ويصبح كل ما بعده ثانوي، وبالتالي لابد من نصرٍ خارجي كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لطمأنة الداخل، فجاء تفجير مرفأ بيروت “المنقذ” لماكرون وفريقه، وبدأت الزيارات لعودة فرنسا إلى دورها القديم في منطقة الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، ليأتي بعدها العراق المثقل بالمشاكل لكنه مثقل أيضاً بالثروات وهذا يشي بضرورة بناء التحالفات معه.
إن فرنسا، على الرغم من موطئ القدم لها في أفريقيا، لكنها لا تعتبر من الرابحين في الملف الليبي، ورغم إنخراط قواتها مع قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا، ودعمها للأكراد، إلا أنها لم تحقق شيء يذكر لا على صعيد سياستها الخارجية ولم يثمر تدخلها في تحسين السياسة الداخلية، وبالتالي، إن إختيارها للبنان والعراق، يعتبر ورقة رابحة لها في حال لم تتدخل الولايات المتحدة وتمنعها من التدخل أكثر مما هو ظاهر، وإلى الآن المؤشرات تقول إنه لا تنافس دولي معها على هذين البلدين.
ماذا يمكن أن تقدم بغداد لباريس؟
من المعروف أن العراق يعيش أسوأ مراحله كدولة لم تحقق الاستقرار الداخلي، ولم تبنِ تحالفات متينة لها على الصعيد الخارجي رغم إنخراط قوتين دولية وإقليمية في الداخل العراقي، لكن ذلك لم يهيء للعراق أية فوائد سوى تصعيد بالمشاكل، أما دخول فرنسا على الملف العراقي ومن المعروف دعمها للأكراد، ما يعني ذلك أن باريس تريد أ ترسل لأنقرة رسائل عديدة خاصة بسبب ليبيا وبسبب مسألة التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط، وبعد معلومات عن دخول تركي إلى طرابلس – لبنان، حيث تعتبر فرنسا لبنان جزءاً لها ولا يزال الدستور اللبناني المعمول به فرنسي المنشأ، فضلاً عن أن ماكرون والكاظمي بحثا الوضع الاقتصادي وتركز الحديث على مجالات الطاقة.
إذاً، فرنسا اليوم تعود إلى ترأس الملفات الخارجية، إلا أن هذه العودة غير موثوق بها، وكل ما يمكن أن يمر من لبنان أو العراق سيكون عبر واشنطن، فلا يستطيع الكاظمي الإستقلالية بقراره، ولا لبنان له من القدرة على أخذ مبادرات دون شروط ولا يمكن له أن يقوى في حين أن كل القوى الخارجية تريده ضعيفاً.
فذكر داعش يعني أن هذه الشماعة سيستمر الحديث عنها حتى يُعاد ترتيب المنطقة وفقاً لأهواء الولايات المتحدة وحلفائها.
من هنا، لا يبنى الكثير على سياسة فرنسا سوى أنها محاولة لإعادة تموضعها على خط الملفات الساخنة بعدما فقدت بريقها في عهد ساركوزي وهولاند ليكون ماكرون بطل المرحلة ولكن هذه المرة لن تستمر البطولة بالقدر الذي هو يريده لبلاده في ضوء إشتعال المنطقة من كل النواحي.
فريق عمل “رياليست”.