بعدما تواترت بيانات صحفية رسمية حول لقاء رئيس المجلس السيادي الإنتقالي، الفريق اول عبدالفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/ شباط “2020”، أثير الكثير من اللغط حول هذا اللقاء، وتناقلت الوسائط الإعلامية الردود المؤيدة والرافضة له على حدًّ سواء، حيث بررت الأطراف المرحبة باللقاء لموقفها من خلال إعطائها بعض نماذج الدول المطبعة مع إسرائيل، على سبيل المثال تركيا ومصر والأردن.
ومن المعروف أن اول دولة إسلامية إعترفت بدولة إسرائيل هي تركيا، حيث كانت خطوة الإعتراف بمثابة إحدى اللبنات الأساسية التي قامت عليها دعائم علاقات إستراتيجية متينة بين أنقرة وتل أبيب، في وقت كانت الأخيرة تعاني من عزلة إقليمية خانقة فضلاً عن تهديد طوق عربي معادي متربص بها يجهز لها العتاد والجيوش للإنقضاض عليها وإزالتها من الوجود حسب تصريحات القادة العرب آنذاك.
وفي ظل هذا الوضع المقلق وضعت دولة إسرائيل، إستراتيجية محكمة لمجابهة الخطر العربي الوجودي، حيث أطلقت عليها إسم “إستراتيجية شد الأطراف” وذلك من أجل إشغال الدول العربية بشؤونها الداخلية وإثارة النعرات الإثنية والعرقية فيها، ولعبت كل من تركيا وإثيوبيا وإيران “الشاة” الدور الأبرز فيها، ما منح هذه الدول أهمية قصوى في السياسية الإقليمية لإسرائيل.
وبدورها إستثمرت تركيا الحاجة الإسرائيلية من خلال جلب رؤوس الأموال الإسرائيلية والإستفادة من التعاون العسكري والتقني بغية تطوير إمكانياتها الإقتصادية والعسكرية، فضلاً عن رغبتها في الإستفادة من العلاقات التي تتمتع بها تل أبيب مع الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بغية الإندماج مع التحالفات والتشكيلات الغربية وهذه رغبة قديمة جديدة مسيطرة على العقل الجمعي “الكمالي” التركي.
التصدع الكبير وصعود الإسلاميين
على الرغم من التطور المطرد الذي شهدته العلاقات التركية – الإسرائيلية إلا أنها إصطدمت بعوائق عديدة وإختلاف في الرؤى والأولويات، حيث تعتبر نشوء الإسلام السياسي وتوسعه في المشهد السياسي التركي عائقاً أمام توطيد العلاقات بين البلدين لا سيما حالة الشك وعدم اليقين الإسرائيلية تجاه ما يعرف سياسياً بالإسلام السياسي. ومنذ ستينيات القرن الماضي تزايد نفوذ التيار الإسلامي بصورة مطردة، إذ تمدد أفقياً حتى وصل ثقله الإنتخابي إلى 25% من أصوات الناخبين الأتراك، وعمودياً حتى تسلم بعض الساسة المحسوبين عليه أعلى مناصب الدولة التركية، وفي ذات الوقت، طور هذا التيار خطاباً سياسياً مجابهاً للدولة العبرية، واضعاُ مشرعيتها (مشروعيتها) على المحك، ما جعل أمر إنتقاد إسرائيل مادة مستهلكة من طرف كل الأحزاب السياسية في السباق الإنتخابي.
ومع جلوس الرئيس رجب طيب أردوغان على كرسي رئاسة الوزراء في تركيا في بدايات الألفية الحالية تطورت العلاقات الثنائية بين البلدين بصورة مطردة، إلا أنها تعرضت لهزات أوصلتها إلى حد القطيعة حيث تعتبر هجوم قوة الكوماندوز التابعة للجيش الإسرائيلي على سفينة مرمرة في 31 مايو/ أيار عام 2010 أقوى هذه الهزات، بالإضافة إلى المواقف التركية المعارضة للإحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأرضي العربية.
السودان ومغامرة التطبيع
من الواضح أن الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية اليائسة في السودان حملت بعض الأوساط السياسية السودانية إلى تبني أفكار التطبيع مع إسرائيل، معتبرة ذلك أنه المخرج السهل للسودان من عنق الزجاجة في ظل عزلة دولية يعاني منها السودان، وذلك بسبب سلوكيات طفيلية تبناها نظام الإنقاذ البائد ضد دولة إسرائيل، فضلاً عن الهرولة العربية الخليجية تجاه تل أبيب، التي هي بمثابة محفز للقيادة الانتقالية في السودان.
من المؤكد أيضاً أن إسرائيل تتمتع بعلاقات جيدة مع القوى الغربية، وهناك الكثير من الأبحاث والدراسات الإستراتيجية التي تعتبرها دولة وظيفية تنفذ الأجندة التطويعية لهذه القوى لتأزيم أوضاع شعوب المنطقة، وفي ظل الإحباط المتحكم بقادة وشعوب المنطقة تعتبر القيادات السياسية التواصل مع إسرائيل قد يخدم مصالح الشعوب ويُرضي القوى العظمى عنها، وبالتالي يبدو أن القيادة السودانية إرتأت في فرصة تطبيع العلاقات أنها ربما تساهم في تجاوز العديد من الأزمات السودانية في تصور يوضح قصر النظر الذي تعاني منه النخب السودانية.
وما يؤكد هذا القصور هو عدم التمعن والإتعاظ من حال الدول المطبعة مع إسرائيل والتي تأتي في مقدمة صفها مصر والأردن، إذ تعاني هذه الدول من أزمات إقتصادية وسياسية وامنية وإجتماعية منذ فجر حركة قطار التطبيع، وهذا التطبيع لم يسهم في تخفيف وطأة الأزمات في هذه البلدان، بل على العكس في أحيان كثيرة ضاعفت تل أبيب من الأزمات وأسهمت في إشعالها.
أخيراً، يبدو أن القيادة الحالية في السودان تتمتع بواقعية كبيرة حيال العديد من الملفات الخارجية، وفي ظل هذا الوضع تحاول القيادة السودانية الإنتقالية تحقيق إختراقات في علاقاتها الخارجية عبر البوابة الإسرائيلية، متناسية دور إسرائيل السلبي في تأزيم أوضاع السودان الداخلية والخارجية.
خاص وكالة “رياليست” – إبراهيم ناصر – باحث في الشؤون الأفريقية.