قد يُعتبر مقتل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإيراني” إشارة تُدلل على أن عام 2020 سيكون عام الاضطرابات وعدم الاستقرار في سوريا و منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يسع أي من القوى الإقليمية والدولية التوقع فيما ستذهب إليه طهران من رد تخفف فيه من وطأة الضربة القوية التي تعرض لها مشروع إيران التوسعي في المنطقة.
مسارات كثيرة ذهبت إليها توقعات المتابعين، والتي تمحورت حول حتمية الرد الإيراني على الضربة الأميركية التي قتلت سليماني (مهندس النفوذ الإيراني الجديد في المنطقة)، ما يعني تدهور المنطقة برمتها وضرب جميع التوازنات التي خلقتها تطورات الأحداث منذ بداية الألفية الجديدة.
تأثيرات مقتل سليماني..
قبل التأكيد على حتمية رد طهران، يجدر التساؤل حول مدى قدرة النظام الإيراني تجاوز سياسة الضغط الأقصى التي بدأتها واشنطن ضده، ما يتيح لها فعلا الانتقال إلى مستوى أعلى من التصعيد، وهي التي عانت ما عانته جرّاء العقوبات المفروضة عليها من واشنطن، فكيف ستتمكن من فتح مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في مثل هذا الوقت. إن استهداف شخصية كبيرة في النظام الإيراني، مثل قاسم سليماني في العاصمة العراقية بغداد (فجر يوم الجمعة الفائت، 3 كانون الثاني)، سيكون من الصعب على طهران أن يستمر صمتها طويلاً، وهي التي تعرضت قواعد نفوذها في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً لضربات إسرائيلية متكررة دون أن تُقدِم على أي رد في معظم تلك الاستهدافات التي تساهم بتحجيم ذلك النفوذ في سوريا.
لكن ما هو الشكل الذي سترد من خلاله طهران، بخاصة وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حذّر النظام الإيراني من أي استهداف للولايات المتحدة على مواطنيها ومصالحها، مهدداً بتحديد 52 موقعا إيرانيا سيضربها الجيش الأمريكي مقابل أي تهور إيراني.
هذا التهور الذي اعتبره لن يحصل، ليس فقط بسبب الضغوط الأميركية التي كانت انهكت قدرات طهران، بل سعياً منها للحفاظ على المكتسبات التي حققتها خلال السنوات الماضية، ولعل تواجدها في سوريا يبقى محوراً مفصلياً من محاور سياستها التوسعية في المنطقة، وأي رد إيراني مباشر سيكون تحدياً لا طائل منه تجاه إدارة ترامب التي قد لن تتوانى عن توجيه ضربات أشد في العمق الإيراني.
هل يكون الرد الإيراني عبر سوريا؟
كل الخيارات إلا العسكرية المباشرة منها قد تذهب إليها طهران، وهي التي تجد نفسها مرغمة على الرد بعد فقدانها لـ “بطل إيران القومي”؛ الذي رسم له الحرس الثوري الإيراني منذ عام 1998 حدوداً كبيرة منحته لقب “الرجل الثاني في إيران بعد خامنئي”.
قد توحي كثرة الاستهدافات التي طالت خلال الفترة الماضية مواقع النفوذ الإيراني في شرق و جنوب سوريا، بأن الرد الإيراني بات مناسباً الآن ضد الولايات المتحدة وحلفائها؛ وعلى رأس قائمتهم تأتي إسرائيل التي تشترك في حدود الجولان المحتل مع سوريا، بحيث يتوجب أن ينطلق هذا الرد من سوريا تجاه المصالح الأميركية ونفوذها أو حلفائها، إلا أن هذا الخيار واقعياً لا يمكن له التحقق بسبب خصوصية الملف السوري ودور النفوذ الروسي فيه، وبالتوازي مع ذلك حساسية هذه الخصوصية في ظل تواجد الدور الروسي والأميركي في الوقت ذاته على الأرض السورية.
لقد شكلّ النفوذ الإيراني في سوريا، لدى الروس مشهداً مزعجاً لاستراتيجيتها في سوريا، وذلك مع تزايد الضغوط الإسرائيلية الرافضة لاستمرار تواجد إيران في سوريا، وقد يأتي غياب سليماني الذي خطط للحرب ضد مناوئي الأسد طيلة 8 سنوات، وهو الذي أصر على التمسك بالأرض السورية كقاعدة مهمة لديمومة نفوذ نظامه في المنطقة، قد يأتي متنفساً للدبلوماسية الروسية في التقليل من زخم التوسع الإيراني مؤخراً في جنوبي وشرقي سوريا، حيث قد يعيد “الحرس الثوري” ترتيب أوراقه ولكن بالتأكيد لن يتخلى بسهولة عن أي منها -على الأقل خلال الفترة المقبلة-.
لا يمكن التنبؤ في المستقبل القريب، بأن يؤدي مقتل سليماني إلى تقلص النفوذ الإيراني بشكل كبير في سوريا، فالنظام الإيراني أراد إرسال رسالة مباشرة للولايات المتحدة بأن كوادر حرسه الثوري كلها بكفاءة واحدة وحاضرة دوماً للمحافظة على نهجه التوسعي، عبر تعيين إسماعيل قآني خلفاً لسليماني، ما يعني بشكل أو بآخر بأن إيران تقول أن نهجه مستمر بأي حال من الأحوال، ولكن هذا القول الذي تريد طهران أن ترسله ما هو إلا تحدٍ ضمن إطار رد الفعل، و لن تكون قادرة على المضي به وسط الضغوط المنتظرة.
يبقى النفوذ الإيراني حجر عثرة لتوافق إقليمي ودولي حول الملف السوري، إلا أن النفوذ الروسي قد ساهم في إبعاد التوتر والتصعيد المباشر على الأراضي السورية من خلال عدم استهداف سليماني خلال تواجده في دمشق -وإن كان بشكل غير مباشر-، فبحسب التقارير الإعلامية فإن سليماني كان قد وصل إلى بغداد ليلة الاستهداف قادماً إليها من دمشق، فالولايات المتحدة قد أولت اهتماماً بحساسية وضع التوازنات على الأرض السورية مع روسيا، ما كان سيؤدي إلى الإخلال بها فيما لو تم الاستهداف على الأرض السورية، وكان سينتقل التصعيد إلى مستوى أعلى بوجود الروس كطرف رئيسي في الملف السوري.
مصدر الصورة: القدس العربي
كيف وأين يكون الرد الإيراني؟
يبرز الرد الإيراني على الصعيد السياسي من خلال المواقف الإعلامية التي أعلنت عنها طهران عبر التلفزيون الرسمي الإيراني، من خلال رصد مكافأة قدرها 80 مليون دولار لمن “يأتي برأس الرئيس الأميركي دونالد ترامب”، وهو استعراض إيراني معهود، حيث أشار التلفزيون الإيراني في إحدى برامجه المبثوثة يوم الأحد (5 كانون الثاني)، إلى أن “دعوة قتل ترامب مفتوحة لجميع الأشخاص في العالم الذين يريدون الحصول على المكافأة المالية المقدمة من الشعب الإيراني”.
بينما تجلى الموقف الأكثر تصعيداً على المستوى السياسي؛ فيما أشار له متحدث حكومي إيراني بأن حكومة بلاده ستبدأ في تنفيذ الخطوة الخامسة في الحد من التزاماتها النووية، بمعنى أن عمليات تخصيب اليورانيوم ستكون غير محدودة، موضحاً أنهم لن يلتزموا بأية قيود تضمنّها الاتفاق النووي الموقع مع الغرب عام 2015 على عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني أنه لن تكون هناك قيود على قدرتها على التخصيب.
و أما عن التصعيد العسكري -غير المباشر- فإن كل من فلسطين و أفغانستان سيرصد فيهما رادار “الحرس الثوري” الإيراني أهداف رده على الولايات المتحدة. فأما عن فلسطين فإن تصريحات القائد السابق للحرس الثوري، محسن رضائي، قد تكون الأكثر صدقية بين تصريحات مسؤولي النظام الإيراني، حيث اعتبر أن رد طهران على مقتل سليماني، سيشمل حيفا ومراكز عسكرية إسرائيلية، فالكيفية التي سيكون من خلالها الرد ستترك لمصلحة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة (الجهاد الإسلامي وحماس)، وهما اللتان قامتا بتعزية طهران بمقتل سليماني، حيث يكون الرد فرصة مناسبة بالتحديد لـ “حركة الجهاد الإسلامي” التي استهدفت إسرائيل قياديين لها في غزة ودمشق منتصف شهر تشرين الثاني الماضي.
ومن زاوية أخرى، قد يكون الرد العسكري عبر أفغانستان -محتملاً- من خلال خبرة قآني (خليفة سليماني) في المشهد الأفغاني وهو الذي كان قائداً لفرع “فيلق القدس” في أفغانستان وباكستان وله علاقات كثيرة مع العناصر الأفغانية المتواجدة في إيران، والتي قد يكون لها تأثيراً حاضراً في مسألة الترتيب لأن يكون الرد في أفغانستان وضرب المصالح الأميركية هناك.
مالك الحافظ- باحث و محلل سياسي، خاص لوكالة أنباء “رياليست”