موسكو – (رياليست عربي): بعد أن اجتمع زعماء مجموعة (بريكس) في القمة رفيعة المستوى التي استضافتها مدينة (قازان) عاصمة جمهورية تتارستان، لتكون هذه القمة التاريخية، هي الأولى منذ التوسع الكبير الذي حصل في المنظمة الدولية خلال العام الماضي 2023 والتي توسعت فيها مجموعة (بريكس) لتصبح مكونة من الدول التالية: روسيا الإتحادية وجمهوية الصين الشعبية والهند البرازيل وجنوب أفريقيا، ولتنضم إليها أيضاً دول جمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وإثيوبيا، حيث اجتمع هؤلاء الأعضاء لثلاثة أيام في قازان، مع عدد من الدول الأخرى التي بعثت بممثليها للمشاركة ضمن ما عرف أيضاً بمجموعة (بريكس +)، وكذلك مجموعة (بريكس أوت أوف ريتش)، وهو الأمر الذي أتاح المشاركة لأكثر من 45 زعيم وقائد دولة ورئيس حكومة ووزير خارجية، وغيرهم من المسؤولين الذين حضروا القمة:
- عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحفي في ختام قمة (بريكس) بقازان رؤيته للعلاقة بين دول المجموعة وجدد التأكيد على مواقف روسيا الإتحادية الدولية تجاه القضايا الساخنة حيث أكد أن مجموعة “بريكس” ليست صيغة مغلقة، مؤكداً أنها مفتوحة لكل من يشاركها قيمها، ومضيفاً بأن أعضاؤها مستعدون للعمل على إيجاد حلول مشتركة دون إملاءات خارجية أو محاولات لفرض أي نهج ضيق على أي جهة، كما لفت بوتين النظر إلى أنه على مدى الرئاسة الروسية للمنظمة، شعرت موسكو بالدعم القوي من شركاء (بريكس) وهذا مهم خاصة أن هذا الأمر لا ينتهي بانتهاء القمة.
- وشدد الرئيس بوتين على أنه وخلال القمة، تمت الموافقة على إعلان قازان لمجموعة (بريكس) الذي يلخص المناقشات التي جرت، وكانت النتيجة، وثيقة مفاهيم شاملة ذات أجندة إيجابية، تتطلع إلى المستقبل الذي يتفق مع جميع تطلعات وطموحات دول (بريكس).
- وأضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين،أنه سيكون من المهم التأكيد على التزام جميع دول (بريكس) ببناء نظام عالمي أكثر ديمقراطية وشمولية، ليكون نظاماً متعدد الأقطاب على أساس القانون الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة.
- وفيما يتعلق بتطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتحولها إلى حرب (روسية- أوكرانية) بين روسيا الإتحادية من جهة وأوكرانيا ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلفها من جهةٍ ثانية:
- صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الجميع يريدون إنهاء الصراع في أوكرانيا بأسرع وقت ممكن، وبشكل سلمي، موضحاً أن تصرفات روسيا الإتحادية لم تكن هي التي أدت إلى ذلك التصعيد، بل إن الإنقلاب الذي وقع في العام 2014 هو الذي أدى لذلك، حيث لفت الرئيس بوتين النظر إلى أن العديد من دول (بريكس) تدعم مبادرات الصين الشعبية والبرازيل للتسوية السلمية للصراع الأوكراني،مشيراً إلى أن العديد من الدول الأعضاء في مجموعة (بريكس) تدعم هذه المبادرة أيضاً.
- ولفت الرئيس بوتين النظر إلى حقيقة مفادها أن تصرفات روسيا الإتحادية، لم تكن هي التي أدت إلى التصعيد في أوكرانيا، بل إن الإنقلاب الذي وقع في العام 2014، بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، هي التي أدت في المقام الأول إلى ذلك التصعيد، حيث أعلنت واشنطن علناً عن حجم الأموال التي أنفقتها الإدارة الأميركية آنذاك للتحضير لذلك الإنقلاب وتنظيمه في أوكرانيا، مضيفاً بأن خطوات التصعيد الإضافية قد بدأت بتسليح نظام كييف بشكل فعال، وصولاً إلى المشاركة المباشرة لأفراد عسكريين من جيوش دول حلف الناتو في ذلك الصراع، والذين يطلقون المسيرات البحرية في حوض البحر الأسود، والجانب الروسي يعرف جيداً من يتواجد هناك، ومن هي الدول الأوروبية في حلف الناتو، من تلك التي تشارك في القتال إلى جانب أوكرانيا، وتعرف حتى كيف يقومون بهذا العمل.
- وأكد الرئيس بوتين أن الجيش الروسي يعمل بثقة، وهو يتقدم في كافة المجالات والقطاعات حالياً، رغم مواصلة دول الغرب تسليحها لنظام كييف، وكذلك رغم المشاركة المباشرة لمختلف العسكريين من جيوش دول حلف (الناتو) في الصراع. كما لفت الرئيس بوتين النظر إلى أن الجيش الروسي قد بدأ في القضاء على المجموعة الأوكرانية التي اخترقت حدود الدولة الروسية في مقاطعة (كورسك)، وأن جزء من وحدات الجيش الأوكراني التي غزت منطقة (كورسك) باتت محاصرة ومطوقة، وهي عبارة عن نحو ألفي شخص، وأن هناك محاولات تجري لتحرير هذه المجموعة من الخارج، ولكن بدون أي نجاح حتى الآن، لأن وحدات الجيش الروسي قد بدأت بالفعل بالقضاء على هذه المجموعة، مشدداً على أن الجيش الأوكراني ليس بمقدوره استخدام الصواريخ الغربية بدون مشاركة ضباط حلف شمال الأطلسي.
- وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسباب فشل الجيش الأوكراني في استخدام الصواريخ الغربية، مشيراً بأنه لا يمكن للعسكريين الأوكرانيين القيام بذلك بدون عمليات استطلاع الفضاء الخارجي، وتحديد الأهداف والبرمجيات غربية الصنع، معتبراً في الوقت نفسه أن هجوم أوكرانيا على كورسك كان تدخلاً لكييف في الإنتخابات الأمريكية. وأكد الرئيس بوتين أن كييف حاولت من خلال ذلك الهجوم على كورسك أن تظهر للولايات المتحدة الأمريكية أن استثمارها في أوكرانيا لم يذهب سدى، مضيفاً بأنه حتى الإستفزاز الأوكراني في مقاطعة كورسك كان مرتبطاً بمحاولات التدخل في الوضع السياسي الداخلي والعملية الإنتخابية للولايات المتحدة الأمريكية.
- وتابع الرئيس فلاديمير بوتين تصريحاته بشأن العمليات القتالية فأكد أن القوات الروسية تعمل بنشاط على محور (كورسك)،مؤكداً بأن آخر المعلومات الواردة إلى المخابرات العسكرية الروسية تشير إلى أن قوات نظام كييف، خسرت على محور كورسك خلال الساعات الــــــــــ24 الماضية، 270 قتيلاً، لتصبح خسائر أوكرانيا خلال الشهر الماضي في كورسك 26 ألف شخص، وهو أمر مثير للإهتمام.
- وأكد الرئيس بوتين أنه من الجانب الروسي فإن بلاده منفتحة على أي خيارات للسلام بشأن أوكرانيا، على أساس الحقائق على الأرض، لافتاً النظر إلى أن روسيا الإتحادية، لم ترفض، ولا ترفض، حتى الآن التواصل مع الدول الغربية، لكن روسيا الإتحادية وفي الوقت نفسه لا تفرض نفسها، فضلاً عن أنه لا يوجد جدوى من تهديد روسيا الإتحادية، لأن هذا سيزيد فقط من عزمها على تحقيق النصر، ومشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا الإتحادية تعتزم بناء علاقات مع الدول التي تحترم سيادتها واستقلالها، ومشدداً في نفس الوقت أيضاً على أن روسيا الإتحادية تدرك الوضع المحيط بها، ولذلك فهي لا تريد نقل جميع مشاكلها إلى داخل المنظمات التي تنتمي إليها، مثل منظمة (بريكس).
- إلى ذلك، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، (دونالد ترامب) وسعيه لحل الصراع في أوكرانيا بأنها (تصريحات ومساعي صادقة)، مشيراً في الوقت نفسه إلى عدم وجود أي تواصل بين ترامب والقيادة الروسية، ومؤكداً بأن الكرملين الروسي يرحب بهذا النوع من التصريحات الأمريكية الداعية لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وأضاف الرئيس بوتين مجيباً على سؤال بشأن وجود أي إتصالاتٍ بينه وبين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فأجاب قائلاً:
(في إحدى المرات تمَّ اتهامنا، وكذلك تمَّ اتهام دونالد ترامب نفسه، بارتباطه بطريقة أو بأخرى بقيادة روسيا الإتحادية في الكرملين، وبعد ذلك، ونتيجة لتحقيق قامت به الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، توصل الجميع إلى أن هذا كان محض هراء.
- وفيما يتعلق بالعلاقات الحالية لروسيا الإتحادية مع دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها العلاقة مع المملكة العربية السعودية، و خاصةً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود: صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن العلاقة مع قيادة المملكة العربية السعودية ممتازة للغاية، معرباً عن أمله في تطوير التعاون بين البلدين، مضيفاً بأن الكرملين الروسي على اتصال جيد جداً مع ولي العهد السعودي، الصديق الشخصي (الأمير محمد بن سلمان)، مشيراً إلى أن روسيا الإتحادية لديها علاقات رائعة مع خادم الحرمين الشريفين، حيث شاركت المملكة العربية السعودية في العمل المشترك لدول مجموعة (بريكس)، معرباً عن أمله بأن توسع السعودية نشاطها ضمن (بريكس) في المستقبل.
- وأوضح الرئيس بوتين أن العلاقات (الروسية السعودية) قد شهدت تقارباً ملحوظاً سياسياً وإقتصادياً وإنسانياً وثقافياً، خاصةً خلال السنوات الأخيرة، حيث تجسدت في تنسيق التعاون في إطار (أوبك+)، وكذلك بزيادة حجم تبادل التجاري لحوالي 70% من حجم التجارة الخارجية بين البلدين، والذي بات يأتي من تصدير المنتجات الزراعية الروسية إلى المملكة العربية السعودية، مشيراً بأنه وعلى الرغم من العقوبات الغربية المفروضة حالياً على روسيا الإتحادية، فقد ازداد حجم التبادل التجاري والإستثماري بين البلدين خلال عام 2022 بنسبة 46% مقارنة بالأعوام الذي سبقته.
- أما فيما يتعلق بتطورات الوضع الأمني والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، فقد أكد فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو لا ترغب في تفاقم الصراع في منطقة الشرق الأوسط.
- وأضاف الرئيس بوتين، أنه وبغض النظر عما يقوله أي طرف من الأطراف، فإن روسيا الإتحادية لا تريد تفاقم الصراع في منطقة الشرق الأوسط، لأنه من الناحية الإستراتيجية لن تكسب موسكو شيئاً من هذا، بل ستواجه مشاكل إضافية فقط هي بغنى عنها، مؤكداً بأن روسيا الإتحادية ستعمل مع جميع المشاركين بعملية التسوية في منطقة الشرق الأوسط، وأن موسكو لن تسمح بتصعيد الصراع هناك، ولذلك فقد تبادل المشاركون في قمة (بريكس) وجهات النظر حول القضايا الدولية الرئيسية مع التركيز على الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط، وتمت مناقشة الوضع بين المشاركين في (بريكس)، وكذلك مع دول جنوب وشرق العالم لصالح التنمية المستدامة، خاصةً وأن جميع الإجتماعات والفعاليات قد عقدت بدون إستثناء، كما عقدت بطريقة تقليدية بالنسبة لدول (بريكس) وبطريقة عملية ومنفتحة.
- ولهذا السبب، أشار الرئيس بوتين إلى أن تخفيض حدة المواجهة في منطقة الشرق الأوسط أمر ممكن للغاية، لا سيما في الوضع اللبناني الراهن، مؤكداً، أن الجانب الروسي على ثقة تامة، بأنه لا يوجد أحد في الشرق الأوسط حالياً، يرغب بنشوب حرب كبيرة في منطقة الشرق الأوسط ودولها المختلفة.
- كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن معظم الذين قتلوا خلال الحرب في قطاع غزة من بين أكثر من 40 ألفاً هم من النساء والأطفال، مشيراً إلى روسيا الإتحادية من جانبها، ما زالت تعتقد بأنه لا يمكن حلحلة هذا الصراع المتأزم، إلا بعد إزالة أسبابه الرئيسية لوجوده، والمتمثلة بعدم وجود دولة فلسطين الكاملة، ولذلك السبب فإنه ومن أجل حل هذا الصراع بشكل نهائي ووقف دائرة العنف، سيكون الجميع بحاجة إلى تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت سابقاً في هذا السياق.
- وفيما يتعلق أيضاً بعلاقات روسيا الإتحادية الدولية، وعلاقاتها مع دول أوروبا وأفريقيا وآسيا: تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه مع رئيس مقاطعة صربسكا (ميلوراد دوديك)، في مدينة (قازان)، فأكد بأن محاولات إلقاء اللوم على روسيا الإتحادية لزعزعة استقرار الوضع في أي مكان من هذا العالم هو محض هراء، حيث كان تصريح الرئيس بوتين هذا رداً على تصريحات السفارة الأمريكية التي تفيد بأنه من المفترض أن تكون هناك معسكرات في صربسكا (مقاطعة صرب البوسنة) والتي ستنظم جنباً إلى جنب مع القوات الروسية للقيام بعملية عسكرية كبيرة لزعزعة الإستقرار في جمهورية مولدوفا. ولذلك، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن كل هذه المحاولات الأمريكية فقط لتشويه صورة روسيا الإتحادية، وجعلها تقف وراء الإضطرابات في بعض العواصم والدول الغربية.
- أما فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الإستراتيجية مع كوريا الشمالية، ووضع الإتفاقيات المبرمة معها: صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن موسكو لم تشك أبداً في جدية سلطات كوريا الديمقراطية حيال الإتفاقيات المبرمة مع روسيا الإتحادية. مضيفاً بأنه قد تمَّ التصديق على إتفاقية الشراكة الإستراتيجية التي تحتوي على المادة رقم (4)، والتي قدمت سابقاً إلى مجلس النواب الروسي (دوما)، حيث تهدف هذه الإتفاقية بأن تحل مكان (معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين البلدين) الموقعة في 9 فبراير عام 2000، حيث ستكون مدة المعاهدة الجديدة غير محدودة وستدخل حيز التنفيذ فور التصديق عليها. ولذلك أكد الرئيس بوتين في سياق توضيحه أن المادة الرابعة من هذه المعاهدة الهامة بين روسيا الإتحادية وكوريا الشمالية، تنصُّ على أنه إذا تعرض أحد الطرفين لهجوم من قبل أي جهة خارجية، ووجد نفسه في حالة حرب معلنة، عندها سيقوم الطرف الآخر على الفور بتقديم المساعدة العسكرية والأمنية اللازمة، وتقديم غيرها من المساعدات بجميع الوسائل المتاحة.
- كما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الغرب يحاول الإستمرار في استخدام أدوات الإستعمار الجديد في إفريقيا ودولها، حيث يقوم حالياً بفرض التقنيات الصناعية الجديدة على دول القارة، والتي لا تستيطع شراء تلك التقنيات، وليس بمقدورها شراؤها أصلاً، بسبب الوضع الإقتصادي بتلك الدول.
- · وأضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الدول الغربية ما زالت حتى الآن، تفرض على مختلف البلدان الإفريقية وبعض البلدان الأخرى النامية أدوات وتقنيات حديثة، ربما تكون فعالة من الناحية البيئية، لكنهم لا يستطيعون الحصول عليها، بسبب عدم وجود الأموال الكافية لديهم، ولو كانت الدول الغربية جادة في عروضها، لأعطت الأموال اللازمة للدول الأفريقية، ولكن الإستعمار الغربي الجديد لا يريد ذلك لأنه يحاول أن يجبر تلك الدول مرةً أخرى، للإعتماد على التكنولوجيات والقروض الغربية، لكي تقوم دول القارة الأفريقية بالحصول على هذه القروض الغربية، وبشروط فظيعة وسيئة للغاية.
- ولهذا السبب أثنى الرئيس فلاديمير بوتين على مشاركة العديد من وفود دول القارة الإفريقية في قمة (بريكس) الأخيرة في مدينة (قازان)، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه عقد العديد من اللقاءات الثانوية مع عدد من الزعماء الذين شاركوا في تلك القمة، وأكد على أن روسيا الإتحادية تربطها علاقات وثيقة مع دول الإتحاد الإفريقي، كما أعرب عن تقديره العالي لهذه المنظمة في المجالات السياسية والإقتصادية، وكذلك في مجال ضمان الأمن في القارة السمراء التي ترتبط أكثر دولها بعلاقات ممتازة للغاية حالياً مع منظمة (بريكس) بشكل عام، ومع روسيا الإتحادية أيضاً بشكل خاص.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف علاقات روسيا الإتحادية مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة دول مجموعة (بريكس) مثل الخبيرة العالمية
(أنجيلا ستنت)، وهي مستشارة أولى لمركز الدراسات الأوراسية والروسية ولدول أوروبا الشرقية، بصفتها الأستاذة الفخرية في الخدمة الخارجية لجامعة (جورج تاون)، أن قمة قازان تحمل أهمية رمزية وعملية كبيرة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فمع استمرار الحرب في أوكرانيا واستمرار الغرب في فرض العقوبات على روسيا الإتحادية وتجاهلها، فإن القمة أثبتت أن روسيا الإتحادية هي بعيدة كل البعد عن العزلة الدولية، لأن لديها شركاء دوليون وإقليميون مهمون، مثل جمهورية الصين الشعبية وجمهورية الهند، وغيرهما من القوى الناشئة الكبرى، وهم ملتزمون بالبقاء على الحياد في الحرب بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا، ولا يريدون أي تدخل من جانبهم في هذا الصراع.
- وتضيف الخبيرة (أنجيلا ستنت)، أن الرئيس فلاديمير بوتين يرى من جانبه أن دول مجموعة (بريكس) تشكل عنصراً أساسياً في مساعيه الرامية إلى خلق نظام عالمي جديد، حيث بات من الواضح للجميع، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تستطيع إملاء القواعد السياسية والإقتصادية للنظام الدولي.
- ولهذا السبب، وكما تضيف الخبيرة العالمية (أنجيلا ستنت)، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نجح في تقديم مجموعة (بريكس) الموسعة كبديل لمجموعات أخرى كمجموعة الدول السبع، وهو جزء من تصميمه على خلق عالم متعدد الأقطاب، يتم فيه احترام مصالح روسيا الإتحادية واحترام نفوذها، خاصةً وأنه منذ تأسيس مجموعة (بريكس) التزمت روسيا الإتحادية بجعلها منظمة أكثر تماسكاً وتأثيراً على الرغم من تنوع أعضائها، ورغم الإنجازات المتواضعة التي حققتها مؤسساتها حتى الآن، والدليل على ذلك أنها صمدت ونمت، ولكن وبالرغم من ذلك، سيكون من غير الواضح ما إذا كانت روسيا الإتحادية ستحقق أحد أهدافها الرئيسية في مجموعة (بريكس)، وهو إنشاء نظام مالي دولي بديل يحل محل النظام الحالي الذي يهيمن عليه الغرب. ومع ذلك، فقد أدرك الرئيس بوتين بعد قمة (قازان) الأخيرة أن روسيا الإتحادية ستستفيد من رغبة ما يسمى بمجموعة بلدان (الأغلبية العالمية) في تأكيد مصالحها بشكل مستقل عن مصالح الغرب، حيث باتت مجموعة (بريكس) برئاسة روسيا الإتحادية، وسيلة مهمة لهذه البلدان لتحقيق هذا الهدف.
- فيما ترى خبيرة غربية أخرى، هي الخبيرة العالمية (تارا فارما)، وهي أحد المسؤولين عن برنامج السياسة الخارجية في معهد (بروكنجز)، المركز الرائد للدراسات السياسية والإستراتيجية ذات الصلة بالكشف عن التحديات الرئيسية التي تواجه السلام والأمن الدوليين، أنه وبعد توسع مجموعة (بريكس) خلال العام الماضي 2023 في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، باتت مجموعة (بريكس) تهدف لتعميق تعاونها. حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن مشاركة 24 دولة في قمة قازان 2024 بما في ذلك دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وإثيوبيا ومصر، أي الدول الأربع التي انضمت رسمياً إلى مجموعة بريكس بداية هذا العام، حيث باتت بريكس بشكلها الموسع الحالي تمثل 45% من سكان العالم و28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالمقارنة مع مجموعة الدول السبع التي تمثل 10% من سكان العالم و26% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي فقط.
- وتضيف الخبيرة العالمية (تارا فارما) أن بعض الدول مثل تركيا على سبيل المثال، قد أبدت اهتمامها بالإنضمام إلى المجموعة قبل بضعة أسابيع، لتكون أول دولة عضو في حلف شمال الأطلسي تفعل ذلك، حيث يجسد مثال تركيا المأزق الحالي الذي تعيشه القوى الغربية في ظل قلقها بشأن إستدامة النظام العالمي الحالي، لأن الواقع يؤكد حالياً بأن التقارب بين الصين الشعبية وروسيا الإتحادية وجمهورية إيران وكوريا الشمالية، سيكون له عواقب وخيمة على هذا النظام العالمي القديم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك على الصراعين الدائرين حالياً، في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط.
- وتضيف الخبيرة العالمية (تارا فارما) أن استعداد العديد من الدول للذهاب إلى روسيا الإتحادية، والتي كانت تعتبر دولة منبوذة منذ وقت ليس ببعيد لانتهاكها القانون الدولي بسبب حربها الحالية في أوكرانيا، يؤكد على توجه جديد يتبعه عدد متزايد من الدول في العالم، وهو أن روسيا الإتحادية لا تريد أن تضطر إلى الإختيار بين الشركاء، حيث يجسد موقف الهند هذا الرأي تماماً، فهي لم تتخل عن علاقتها المتوطدة مع روسيا الإتحادية، ولكن نيودلهي أشارت في الوقت نفسه إلى استعدادها لإنهاء الحرب بين الجانبين (الروسي والأوكراني)، وهو ما يعني أن العديد من دول العالم ستختار لنفسها التنسيقات المصغرة وستنظر في مضاعفة خياراتها، ولهذا السبب عقدت في قازان لقاءات ضمن نظام (بريكس +) وكذلك ضمن نظام (أوت أوف ريتش)، وهو ما يعني أن هناك خيارات ضمن (بريكس) تناسب جميع التوجهات، على الرغم من وجود بعض الخلافات وعدم التجانس أحياناً بين تلك الدول وأهدافها وطموحاتها.
- أما الخبيرة الثالثة، وهي الخبيرة العالمية (فاليريا فيرشافتر) وهي أستاذة العلوم السياسية في قسم العلاقات الدولية لجامعة كاليفورنيا، وكذلك الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية والمستشارة في معظم قضايا دول أمريكا اللاتينية ضمن مجلس العلاقات الخارجية، فهي ترى أنه وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان، دافع الرئيس البرازيلي (لويس إيناسيو لولا دا سيلفا) عن مجموعة (بريكس) باعتبارها وسيلة لإصلاح المؤسسات المتعددة الأطراف، وباعتبارها كذلك وسيلة لإعادة تشكيل الحوكمة العالمية مع الحفاظ على علاقات مثمرة مع الدول الغربية. ولكن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية ضدَّ خصمها التجاري اللدود أي جمهورية الصين الشعبية، وبعد حرب روسيا الإتحادية في أوكرانيا، والصراع الحالي في منطقة الشرق الأوسط، وتوسع محموعة (بريكس) لتشمل دولاً أكثر عدوانية تجاه الدول الغربية، أصبح الحفاظ على هذا الموقف أكثر صعوبة.
- وتضيف الخبيرة العالمية (فاليريا فيرشافتر) أن الدول الغربية تدرك تماماً بأن الرئيس فلاديمير بوتين قد نجح في استقطاب دول أمريكا الجنوبية، والدليل على ذلك هو تصرفات الرئيس البرازيلي الذي بات يمارس ديناميكية سياسية معقدة لملاحقة المصالح الإستراتيجية للبرازيل، حيث افتخر لسنوات بسجله كمدافع عن الديمقراطية، وكان يتباهى في الوقت نفسه بعلاقاته الوثيقة مع الزعماء المعادين للغرب، مثل (نيكولاس مادورو) في فنزويلا. ومع ذلك، فقد نجحت البرازيل كدولة في تفادي تعقيدات مجموعة (بريكس)، وتجاوبت مع موسكو و بكين، لأن البرازيل تدرك جيداً بأنه وعندما تتولى روسيا الإتحادية قيادة بنك التنمية الجديد في العام المقبل لتعزيز الإستثمارات في البنية الأساسية، لن يستطيع الرئيس البرازيلي أن يقف ضدَّ روسيا الإتحادية خدمةً للدول الغربي، لذلك سيكون عليه الإختيار سياسياً بين واشنطن و موسكو، وهو الأمر الذي بدأت أغلب دول أمريكيا اللاتينية القيام بعد دعمها لموسكو.
- أما الخبير العالمي (أندرو ييو)، وهو خبير في مركز دراسات سياسات الدول الآسيوية، وكذلك هو أستاذ مساعد في قسم السياسة الخارجية للجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن العاصمة، فهو يؤكد أنه بعد إستضافة روسيا الإتحادية لأول قمة لمجموعة (بريكس+)، وبعد الترحيب بالأعضاء الجدد مثل مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، فقد أبدت جمهورية كوريا الشمالية اهتماماً كبيراً بمجموعة (بريكس)، فخلال الشهر الماضي، أعلنت وزيرة خارجية كوريا الشمالية (تشوي سون هوي) خلال اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة عن انضمامها إلى منتدى نساء (بريكس) في مدينة سانت بطرسبرغ، حيث جاءت زيارتها بعد حضور نائب وزير الرياضة الكوري الشمالي اجتماعاً لمجموعة (بريكس+) الذي عقد إلى جانب ألعاب (بريكس) خلال شهر يونيو 2024، كما أشادت وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية بتوسع مجموعة (بريكس) كوسيلة لتحدي الدولار كعملة عالمية.
- ويضيف الخبير العالمي (أندرو ييو)، أنه بالنسبة لكوريا الشمالية، قد يوفر الإنضمام إلى مجموعة (بريكس) فوائد دبلوماسية وإقتصادية مع تقارب (بيونج يانج) بشكل أوثق مع موسكو، حيث اعترف زعيم كوريا الشمالية (كيم جونج أون) مؤخراً بوجود (حرب باردة جديدة و تعدد الأقطاب العالمية) من جديد في العلاقات الإقتصادية الدولية، ولهذا السبب فقد بدأ زعيم كوريا الشمالية يتطلع إلى توسيع وتنويع الشراكات الإقتصادية داخل كتلة (بريكس) التي يعتبرها مناهضة للإمبريالية المتنامية.
- ويختم الخبير العالمي (أندرو ييو) تصريحه بأنه قد تكون لدى روسيا الإتحادية مصلحة في توسيع عضوية مجموعة (بريكس) لتشمل كوريا الشمالية، ولكنه سيتعين حينها على الرئيس فلاديمير بوتين أن يساعد كوريا الشمالية لأنها ستوفر لمجموعة (بريكس) التنوع الجغرافي وربما الجيوإستراتيجي للمجموعة على الرغم من أن انضمامها لن يقدم سوى القليل من الفوائد الإقتصادية، لكن برنامج أسلحتها النووية سيكون مرعباً للدول الغربية، وعلى رأسها دول الإتحاد الأوروبي ودول حلف الناتو.
- · فيما يختم هذه التصريحات، الخبير العالمي الأمريكي (جيفري فيلترمان)، وهو الخبير والمتخصص في مركز (ستروب تالبوت) للأمن والإستراتيجية والتكنولوجيا العالمية وقضايا الأمن السيبراني، فيتحدث معلقاً على قمة (بريكس) في قازان، بأنه هناك فرق كبير في الأهمية العالمية، بين قمة مجموعة (بريكس) التي عقدت في شهر يوليو عام 2015 في أوفا عاصمة جمهورية بشكيريا الروسية، وبين القمة الحالية التي عقدت في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان، حيث كان الوقت المتاح في قمة أوفا 2015 قليل جداً للإجتماعات الثنائية، والإجتماعات الجانبية، والمحادثات العفوية المألوفة لدى المشاركين، خلافاً للإجتماعات الكثيرة التي شهدتها قمة قازان 2024 بين قادة وزعماء الدول المشاركين.
- ويضيف الخبير الأمريكي (جيفري فيلترمان) المتخصص في مركز (ستروب تالبوت) للأمن والإستراتيجية أن القمم والإجتماعات التي عقدت خلال ثلاثة أيام في مدينتي موسكو و قازان، كانت شبيهة إلى حدٍّ ما بتلك الإجتماعات التي تشهدها منظمة الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والإتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين، ومجموعة الدول السبع، حيث دعا المضيفون الروس لقمة دول (بريكس) ممثلي منظمة شنغهاي للتعاون، ودعوا الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وقد كان جدول الأعمال مليئاً بالإجتماعات الرسمية، حيث لم يبتعد المسؤولون الرئيسيون عن مقاعدهم أبداً، وبدا الفرق واضحاً بين القمتين، أي عندما كانت عضوية (بريكس) تتألف حصرياً من الدول الخمس المؤسسة فقط، وبين القمة الرابعة لدول (بريكس) التي استضافتها روسيا الإتحادية في (قازان) بحضور دول جديدة هامة، مثل جمهورية مصر العربية وإيران وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، حيث نجح القادة الروس في جمع (المتناقضات) السياسية على طاولة واحدة، وهو الأمر الذي يؤكد بأن الكرملين الروسي استطاع أن يفعل هذا، كما حصل عندما جمع على الطاولة رئيس أذربيجان إلهام علييف مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشنيان، حيث أظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرةً أخرى، بأن موسكو تستطيع أن تجمع القادة الإقليميين، ليس فقط، ضمن دول منظمة شنغهاي للتعاون، أو بلدان رابطة الدول المستقلة التي تضم دول الإتحاد السوفييتي السابق، وإنما حصرياً تحت مظلة دول مجموعة (بريكس)، وهو ما يعني بأن منظمة (بريكس) ستكون مكاناً لجمع التوجهات السياسية المتناقضة، كما هو الحال في منظمة الأمم المتحدة.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.