موسكو – (رياليست عربي): افتتحت قمة “بريكس” السادسة عشرة أعمالها أمس الثلاثاء بتاريخ 22 أكتوبر 2024، وذلك في مدينة قازان، حيث حضر هذا الحدث الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ورئيس جمهورية الصين الشعبية (شي جين بينغ) ورئيس وزراء الهند (ناريندرا مودي)، ورئيس جنوب إفريقيا (سيريل راموفوزا)، والرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، والرئيس الإيراني (مسعود بزشكيان)، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ (محمد بن زايد آل نهيان)، ورئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد)، فيما ترأس وفد البرازيل وزير خارجيتها (مارورو لويس إيكر فييرا) وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية التي ترأس وفدها وزير الخارجية السعودي (فيصل بن فرحان آل سعود) للمشاركة في قمة (بريكس) في قازان.
- وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الكلمة الإفتتاحية لقمة (بريكس) السادسة عشر في مدينة قازان، عن البدء بتغييرات جذرية نحو تحقيق العالم المتعدد الأقطاب، مؤكداً بأن دول (بريكس) ستظهر في الواقع السياسي الحالي مسؤوليتها عن تغيير الوضع الإقليمي والدولي في العالم.
- وأضاف الرئيس بوتين أن روسيا الإتحادية، وبوصفها رئيسة المجموعة للعام الجاري 2024، فإنها ستسعى لتعزيز سلطة مجموعة دول (بريكس) في العالم للتركيز على حل المشكلات الإقليمية والدولية، مؤكداً بأن الدول المشاركة في القمة ستظهر مسؤوليتها جدياً عن التغيرات الحاصلة في الوضع العالمي، لا بالأقوال، وإنما بالأفعال، لأن جميع قادة الدول المجتمعون اليوم في (قازان) سيدافعون عن مبادئ المساواة وحسن الجوار والإحترام المتبادل، لأنهم يلتزمون بالمثل العليا للصداقة والتفاهم بين دول العالم، وذلك من أجل تحقيق الرخاء والرفاهية، ولذلك ستظهر هذه الدول مسؤوليتها عن مستقبل العالم برمته، وستسهم بشكل كبير في حل المشكلات الإقليمية والدولية الملحة، وعلى كافة الأصعدة.
- وبشأن توسع مجموعة دول (بريكس): أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن تجاهل الغرب للإهتمام غير المسبوق حالياً بمنظمة (بريكس)، والذي تقوم به جميع دول جنوب وشرق العالم لتحقيق الشراكة والتواصل مع (بريكس) سيكون خطأ كبيراً من قبل الغربيين، خاصةً بعد أن أعربت بالفعل أكثر من 30 دولة عن هذه الرغبة بشكل أو بآخر، وهو أمر ضروري للغاية بعد الأخذ بعين الإعتبار لفعالية المجموعة وقدرتها في الحفاظ على توازنها، مشيراً إلى تعزيز سلطة ونفوذ (بريكس) على المسرح العالمي، ومؤكداً بأن دول المجموعة تتطور بشكل ديناميكي، وتعزز سلطتها ونفوذها في الشؤون العالمية.
- واقترح الرئيس بوتين النظر في الجوانب الأكثر صلة بالأجندة العالمية، وتبادل وجهات النظر حول قضية التعاون بين دول (بريكس) على الساحة الدولية، بما في ذلك لحل النزاعات الإقليمية الحادة، خاصةً وأن القمة بدأت بمناقشة تنفيذ قرارين مهمين للقمة السابقة التي عقدت في جوهانسبرغ وهما: تعميق التعاون المالي في إطار (بريكس)، ومواصلة توسيع الرابطة بضم أعضاء جدد لمنظمة (بريكس).
- وحدد الرئيس بوتين ثلاث مجالات رئيسية للتعاون بين دول مجموعة (بريكس) في قمة (قازان) وهي: أولاً- السياسة والأمن، وثانياً – الإقتصاد والشؤون المالية، وثالثاً – الإتصالات الثقافية والإنسانية. حيث أشار إلى الجهود المبذولة لضمان الإندماج السلس والكامل للدول المشاركة الجديدة في عمل الرابطة، مشيراً إلى أن اقتصادات دول (بريكس) مستقرة بفضل السياسات المتوازنة، على الرغم من أن التوتر الجيوسياسي في العالم يتزايد، وأن العقوبات أحادية الجانب آخذة في التوسع.
- وأوضح الرئيس بوتين أن حصة دول مجموعة (بريكس) في الإقتصاد العالمي تعادل القوة الشرائية لحصة دول مجموعة السبع، بحسب المؤشرات الإقتصادية، وموضحاً بأن النمو الإقتصادي لدول (بريكس) بين عامي 2024 و 2025 سيتراوح بين 3.8% مقابل 3.2% في دول العالم المتقدمة، ومشيراً في الوقت نفسه وبكل ثقةٍ، أن حصة دول (بريكس) في الإقتصاد العالمي بنهاية العام 2024 ستمثل 36.7 % أي ما يفوق حصة مجموعة الدول السبع G7 والتي بلغ اقتصادها نحو 30 % فقط.
- وفيما يتعلق بعمليات تصدير الحبوب الذي تعرضت للكثير من المشاكل دولياً بسبب تداعيات الحرب (الروسية – الأوكرانية) الحالية: اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل بورصة الحبوب في دول (بريكس) إلى بورصة سلعية كاملة، كما اقترح الرئيس بوتين أيضاً إنشاء منصة استثمار جديدة لدول مجموعة (بريكس)، وذلك لدعم اقتصادات المجموعة ودول الجنوب والشرق العالميين، خاصةً وأن هذه القمة الهامة في قازان، ستولي اهتماماً خاصاً لقضايا توسيع التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية، وإنشاء فئة جديدة هي فئة (الدول الشريكة) ضمن رابطة دول مجموعة (بريكس).
- وقد أوضحت اللجنة التنظيمية لقمة قادة (بريكس) في قازان، أن هذه القمة الهامة ستركز على تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين، حيث ستعقد خلالها اجتماعات ضيقة وموسعة، وسيناقش القادة القضايا الراهنة على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، ونتائج العمل المشترك في إطار الشراكة الإستراتيجية لدول (بريكس) في مجالات السياسة والإقتصاد والمجالات الثقافية والإنسانية.
وسيتم خلال الإجتماع الموسع الإستماع إلى تقارير حول نتائج العمل في عام 2024 لآليات (بريكس) التقليدية، بما في ذلك لمجلس الأعمال وآلية التعاون بين البنوك وتحالف سيدات الأعمال في الرابطة.
- ومن المقرر اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024 أن تتحدث رئيسة بنك التنمية الجديد (ديلما روسيف) التي ستلخص أنشطة البنك وستحدد الخطط المستقبلية له، حيث سيتم تسجيل الإتفاقيات النهائية للقمة في إعلان (قازان)، والتي ستعكس وثيقة النهج الموحد للدول الأعضاء في مجموعة (بريكس) بشأن عدد من القضايا الدولية والإقليمية الملحة في مجال مواصلة تطوير (بريكس)، فيما سيكون من المنتظر يوم الغد 24 أكتوبر 2024، أن يعقد اجتماع في صيغة (بريكس+) و (Outreach) للتواصل مع ما يقرب من 40 من قادة الدول التي تمثل الجنوب العالمي ورؤساء المنظمات متعددة الأطراف، وذلك من أجل مناقشة القضايا الدولية الراهنة، مع التركيز على الوضع المتأزم في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن التفاعل بين دول مجموعة (بريكس)، ودول الجنوب العالمي لصالح التنمية المستدامة.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف علاقات روسيا الإتحادية مع المنظمات العالمية، وعلىى رأسها تحالف دول مجموعة (بريكس) التي تترأس قيادتها روسيا الإتحادية حالياً، مثل الخبير والسياسي الفرنسي المخضرم (فرانسوا أسيلينو) والذي يترأس حالياً حزب التجمع الشعبي الديمقراطي في فرنسا، بأن القيادة الأوروبية بشكل عام والقيادة الفرنسية بشكل خاص، عليهم أن يستفيقوا ويدركوا خاصةً في باريس، بأن فرنسا تغرق حالياً في الخراب السياسي خلافاً لروسيا الإتحادية التي بدأت تحلق لأن انعقاد قمة (بريكس) في قازان، وبهذا الزخم، وبحضور هذا العدد الهائل من القادة والزعماء العالميين يؤكد بأن السياسة الخارجية الروسية التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي يدير دفتها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قد بدأت تجني ثمارها، رغم كل العوائق التي تحاول الدول الغربية أن تفتعلها للتقليل من أهمية ومنجزات هذا الحدث الكبير، ولكن دون جدوى، فقد اجتمع قادة العالم في قازان، رغم الضغوط الغربية ضدهم.
- فيما رأى خبير فرنسي آخر، هو الخبير والسياسي (فلوريان فيليبو) زعيم حزب الوطنيين الفرنسيين الأحرار (أو حزب الباتريوت كما يعرف في باريس)، أن زعماء الإتحاد الأوروبي قد خسروا معركتهم أمام الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وذلك لأن العقوبات الأوروبية التي فرضت سابقاً ضد روسيا الإتحادية خلال العامين الماضيين ألحقت أضراراً جسيمة بالإقتصادات الأوروبية، ومنها الإقتصاد الفرنسي، بدلاً من تحقيق هدفها المقصود، والذي فرضت من أجله أصلاً، ألا وهو تركيع الإقتصاد الروسي الذي لم يركع أبداً، بل على العكس، فقد وقف الإقتصاد الروسي على رجليه بشكل أقوى، وتوسع وتمدد حتى أصبح له حلفاء في دول الشرق والجنوب العالميين، والدليل على هذا الأمر هو اجتماع قمة (بريكس) الحالية في قازان، التي باتت أكثر أهمية من انعقاد مجموعة السبع حتى، والتي تعقد حالياً بالتزامن مع انعقاد قمة (بريكس) في مدينة (قازان).
- فيما ترى الخبيرة العالمية التركية (أسلي أيدينتاشباش) من إسطنبول، أنه طوال سنوات، رفض رجال السياسة والقادة الغربيون إلى حد كبير تقبل منتديات (بريكس) باعتبارها مجرد مجموعة مؤتمرات صحفية، أكثر من كونها اجتماع لعدد من الدول التي يمكنها أن تغيير شيئاً في النظام العالمي، ولكن مجموعة (بريكس) في الحقيقة والواقع، تمكنت في نهاية المطاف من خلق بديل للهيمنة الغربية في النظام المالي العالمي، ولهذا السبب، لم يكن من الحكمة أن تتعامل الدول الغربية مع مجموعة (بريكس) بهذا الإستخفاف، على الأقل بسبب الرمزية السياسية المحيطة بالإجتماع الحالي في (قازان)، فمن كان ليتصور أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد عامين ونصف من الحرب المستمرة مع أوكرانيا ومن خلفها الدول الغربية، أن يتمكن من استضافة قمةٍ بهذه الأهمية ليحضرها العشرات من شركاء واشنطن، مثل تركيا حليفة الولايات المتحدة الأمريكية في (الناتو)، وكذلك مثل جمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجميعها دول إقليمية مؤثرة للغاية في السياسة الدولية.
- وأضافت الخبيرة التركية (أسلي أيدينتاشباش) أن حقيقة انعقاد مثل هذا الإجتماع تشير إلى تحول في السياسة العالمية، وإلى إستياء دولي كبير من الدور الأمريكي الحالي، وهذا ينبغي أن يثير قلق واشنطن، لأن مجموعة (بريكس) لا تمثل مجرد إشارة لتفتت النظام السياسي الدولي القديم، بل إنها تجسد الإستياء المتزايد بين القوى المتوسطة تجاه ذلك النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. خاصةً وأن روسيا الإتحادية وجمهورية الصين الشعبية قد نجحت في تسخير المشاعر المعادية للغرب على نحو أكثر فعالية، مستغلتين الإحباط إزاء المعايير الغربية المزدوجة نتيجة استخدام الدول الغربية للعقوبات الإقتصادية لعقود ضدَّ دولهم، وهو بالمجمل ما دفع (القوى العالمية المتوسطة من الدول) لتفكر بعملية مقايضة لاستبدال الهيمنة الأميركية بالهيمنة الصينية، وهذا يعني أن هذه الدول باتت منفتحة من حيث المبدأ للتحالف مع روسيا الإتحادية وجمهورية الصين الشعبية لأجل عالم أكثر أمناً واستقراراً وإستقلالية، بغض النظر عن ردة الفعل الغربية على هذا التحول الكبير.
- وتؤكد الخبيرة العالمية التركية (أسلي أيدينتاشباش) من أسطنبول، أنه وعلى صعيد التجارة العالمية، ستنشئ مجموعة (بريكس) نظاماً تجارياً خاصاً بها، أو مؤسسات خاصة بها، وهو ما يؤكد أن الإتجاهات الرئيسية تشير إلى نفوذها المتنامي، فعلى سبيل المثال، تمتلك الصين الآن بديلاً لنظام الدفع سويفت، وإن كان محدود الإستخدام، كما تعمل دول مثل تركيا والبرازيل على إعادة هيكلة احتياطياتها من الدولار لتحويله إلى ذهب، كما بدأت مخططات وعمليات مقايضة العملات المحلية بصفقات الطاقة تلقى رواجاً شائعاً لدى العديد من الدول، وكل هذا يشير إلى الرغبة في تحقيق أكبر قدر ممكن من عمليات الإستقلال المالي للدول المجتمعة اليوم في قمة (فازان)، للتخلص من الهيمنة المالية الغربية.
- وعليه تختم الخبيرة التركية (أسلي أيدينتاشباش) أنه لا ينبغي لواشنطن بأي شكل من الأشكال أن تتجاهل المنجزات والقرارات التي ستخرج بعد قمة مجموعة (بريكس) في قازان، لأن هذه القرارات قد تعرقل طموح الولايات المتحدة الأمريكية في التركيز على تنشيط عمل مجموعة العشرين وتقديم شراكات ذات مغزى للقوى المتوسطة الرئيسية من الدول مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والبرازيل وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، وغيرهم من الدول التي باتت مجموعة (بريكس) بالنسبة لهم دليلاً واضحاً على التمرد العالمي، بعد أن فشلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في التعامل معها كما تطمح، ولذلك قررت هذه الدول في نهاية المطاف أن تبحث لنفسها في قمة (قازان) عن أجندة سياسية وإقتصادية أكثر تماسكاً، كما هو الحال حالياً في مجموعة قمة (بريكس) المنعقدة.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.