موسكو – (رياليست عربي): بعد أن توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكلمة خلال انطلاق أعمال منتدى (اختراع المستقبل) الدولية التي انطلقت بموسكو أمس الإثنين 4 نوفمبر 2024، حيث أكد فيها على ضرورة تحديد أهداف المستقبل لمجابهة التحديات التي تواجه روسيا الإتحادية اليوم، وكذلك تحديات المستقبل القريب و البعيد أيضاً:
- أكد الرئيس بوتين أنه على الرغم من التحديات التي تواجه روسيا الإتحادية اليوم إلى أن الشعب الروسي يجب أن يحدد جملةً من الأهداف التي تسبق زمانها، كما يجب تحديد مجالات جديدة لتحقيق الإنجازات، والسعي لرؤية ما وراء أفق الغد، وهو الأمر الذي سيساعد الروس لتحديد مستقبلهم بأنفسهم دون أي تدخلات خارجية.
- وخاطب الرئيس بوتين الضيوف المشاركين من عشرات دول العالم، من الذين اجتمعوا في موسكو لحضور مؤتمر التحديات العالمية، فجاء في خطابه الذي نشر على موقع الكرملين الرسمي ما يلي:
(إن أصحاب الخبرات المهنية المختلفة من مختلف الأجيال، وفي مختلف المجالات العلمية، قد اجتمعوا اليوم لتحقيق مناقشة جادة وشاملة بشأن الخطط الإستراتيجية طويلة الأمد وكذلك حول تصور المستقبل، ولذلك يجب أن نحدد مستقبلنا بأنفسنا بناء على رؤية سيادية وطنية، وبناءً على بحث إبداعي مستند على إلتزام قوي بالمثل والقيم الأخلاقية والوطنية التي لا تقبل الجدل).
- وأشار الرئيس بوتين إلى أنه مع مثل هذا المنظور، لأن الأحلام الأكثر جرأة يمكن لها أن تتحقق مستقبلاً، وهو الأمر الذي أثبته الشعب الروسي عبر التاريخ، مضيفاً بأن العلماء الروس سابقاً تمكنوا من إنشاء قوة عظيمة، وفتحوا الطريق نحو النجوم للبشرية، وضمنوا قيادة البلاد في الإستخدام السلمي للطاقة الذرية، وحققوا اكتشافات علمية وجغرافية ضخمة عادت بالخير والنفع على البشرية جمعاء.
- أما معالي وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والذي شاركه هو الآخر في الجلسة الإفتتاحية لهذا المنتدى الرائع، ومن ثمَّ ألقى كلمة خلال مشاركته في ندوة الخيال العلمي الدولية (خلق المستقبل)، فقد أكد أن الغرب يؤذي نفسه بسياساته المعادية لروسيا الإتحادية، لأن تلك السياسيات الغربية المعادية، لا تضرُّ بنظام العولمة الخاص به فقط، بل وبجهاتٍ أخرى على الساحة الدولية أيضاً.
- وأشار الوزير لافروف إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية، وبالذات بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا عام 2022، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أكثر من 21000 عقوبة في مختلف المجالات، وشدد على أن الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية هي أول من عانى من تلك الممارسات الإستعمارية الغربية، موضحاً بأن الجانب السلبي من الصراع الغربي ضد من تمت تسميتهم بـــــــ(غير المرغوب فيهم بالنسبة للغرب) كان بالنسبة للغرب نفسه كمن يقطع الغصن الذي يجلس عليه، وهو ما يدمر النظام العالمي لأن الدول الغربية تسعى لاحتكار العمل الذي انتشر في كافة أنحاء العالم منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، مما انعكس سلباً على جميع دول العالم، مثل قيام واشنطن وأقمارها الصناعية مثلاً، باحتكار الهيمنة العالمية، حيث سعت للحفاظ على هيمنتها، وفضلت (نسيان) المبادئ الأساسية مثل المنافسة العادلة، وعدم المساس بالملكية والحقوق القانونية.
- وشدد الوزير لافروف على أن العالم متعدد الأقطاب أصبح ليس فقط موضوعاً لجلسة الحدث اليوم، بل موضوع نقاشات في الأوساط العلمية والسياسة بين الخبراء سواء في روسيا الإتحادية أو في الخارج، حيث أكد لافروف أنه كان من الصعب في أوائل التسعينيات مثلاً، وكما كان يبدو للكثيرين، تقبل مسألة وصول التوازن الدولي إلى نهايته، وتقبل واقع الأحادية القطبية المتمثلة بالعقلية الأمريكية العالمية التي سادت حينها، وهو الأمر الذي جعل الكثير من دول العالم تقع مع شؤونها تحت مراقبة واشنطن.
- وأكد الوزير لافروف أنه خلال هذه الفترة تمَّ تطوير مفهوم التعددية القطبية، الذي كان مبتكراً في ذلك الوقت، لكن قلة من الشركاء الأجانب كانوا مستعدين للإنضمام إليه، ومع ذلك، ومنذ عام 1997، شاركت جمهورية الصين الشعبية تلك الأفكار، وأبرمت مع روسيا الإتحادية إعلاناً مشتركاً، ومنذ ذلك الحين بدأ توازن القوى العالمية يشهد تغيرات ثورية، وهذا يعود إلى الإتجاهات الموضوعية في تطور الإقتصاد العالمي حيث تعززت مواقف دول الجنوب العالمي والشرق العالمي، والأغلبية العالمية، لأن الكثير منهم، لم يكن على استعداد لقبول المسار الأمريكي للوضع السياسي والإقتصادي، حيث كان حال تلك الدول كحال روسيا الإتحادية، ولذلك دعت هذه الدول بشكل متزايد إلى ديمقراطية العلاقات الدولية لعالم متعدد الأقطاب، وبدأت تقاوم بشكل متزايد ضدَّ كافة التدخلات الخارجية في سياساتها.
- وضمن كلمته التي ألقاها أيضاً: أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن حصة دول (بريكس) في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تعادل القوة الشرائية التي ستقدر بنسبة 37% بحلول نهاية 2024، وهو ما يتجاوز مؤشر مجموعة السبع الذي بلغ 30% نهاية العام الماضي 2023، مشيراً إلى أن النمو الإقتصادي للتكتل سيمكن المزيد من الدول غير الغربية من تعزيز سيادتها وتطبيق السياسات التي تخدم مصالحها الوطنية سواءً في السياسة الخارجية أو الداخلية لبلدانها، ولهذا السبب استضافت قمة (بريكس) في قازان عاصمة تتارستان وفوداً سياسية من 36 دولة، حيث تلقت تلك الوفود أكثر من 30 طلباً للإنضمام من أجل إقامة علاقات خاصةمع مجموعة (بريكس) المتنامية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تأثير الثقافة الروسية كأساس للدبلوماسية الناعمة لفتح جسور التعاون مع بقية دول العالم، مثل الخبيرة النمساوية العالمية (كارين كنايسل)، والتي شغلت منصب وزيرة خارجية النمسا سابقاً، وشاركت يوم أمس في الجلسة الإفتتاحية لهذا المنتدى الرائع، وألقت كلمة لها هي الأخرى في ندوة الخيال العلمي الدولية (خلق المستقبل)، حيث أوضحت فيها الخبيرة النمساوية أن العالم يجب أن يكون مكاناً آمناً ومسالماً لمعالجة تحديات المستقبل، ولذلك فقد انتقلت هي شخصياً من بلدها النمسا في أوروبا لتسكن في قرية روسية تقع بالقرب من مدينة (ريازان) الروسية، مشيرةً إلى أن الحياة في روسيا الإتحادية هي أكثر أماناً وحرية من العديد من الدول الأوروبية.
- وضمن مشاركتها السياسية وتوقعاتها المستقبلية الدولية داخل المنتدى، كضيفة شرف في المناقشات، قدمت وزيرة الخارجية النمساوية السابقة توقعاتها السياسية حسب وجهة نظرها بشأن الإنتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعربت عن اعتقادها بأن منصب زعيمة البلاد ستتولاه حالياً (كامالا هاريس) من الحزب الديمقراطي الأمريكي، مشيرةً إلى أنه على الرغم من كل ما ينشر من تحليلات وتوقعات في الإعلام الغربي، إلى أنه سيكون أمراً صعب التصور بأن تقوم واشنطن بغض النظر عن أي إدارة أمريكية (ديمقراطية أو جمهورية)، بإحداث تغيير جذري ضمن سياساتها الخارجية لأن الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها الحاكمة ستبقى ماضية في تطبيق سياساتها الحالية.
- وأضافت الخبيرة النمساوية العالمية (كارين كنايسل)، أن هناك العديد من الأشخاص الذين يرغبون بالإنتقال لروسيا الإتحادية لأنهم يعتبرون روسيا الإتحادية أكثر أمناً وتوازناً من العديد من الدول الأوروبية، حيث أشارت الخبيرة النمساوية أنها تقصد بأكثر توازناً، أي أكثر عقلانية فيما يتعلق بعلاقات الرجال مع النساء في ظل ما يحدث حالياً في العديد من الدول الأوروبية.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.