القاهرة – (رياليست عربي): تحل الذكرى العشرين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، في ظل أحداث وظروف عالمية غير مستقرة، وغير واضحة المعالم لما هو قادم في المستقبل القريب.
شاهدت أحداث هذا اليوم الحزين على الجميع ، وخاصة الأمريكيين، فقد كان بمثابة فيلم رعب وخوف وهلع شديد التأثير على أعصاب أي إنسان يشاهد هذا الحدث مباشرةً عبر التلفاز، ويرى انهيار بُرجي التجارة العالمي بمدينة نيويورك، والنار تأكل المباني واللهب في السماء، وعلى الأرض الرماد والغبار يغطي الجميع، والجميع يسأل ماذا يحدث، وكيف هذا، وهل ما يحدث حقيقة، ومن وراء ذلك، ومن وكيف ولماذا وماذا؟ كل أدوات الأسئلة والاستفهام تُطرح دون إجابة، وهذا حال المشاهدين في جميع أنحاء العالم، فماذا عن المواطن الأمريكي، وسكّان نيويورك وحي مانهاتن وكبير مانهاتن الشهير، يقول شهود عيان لهذه الأحداث، بعد سؤالهم عن ذكريات ذلك اليوم.
وافق ثلاثة من سكان نيويورك على الحديث عن هذا اليوم الذي ميز حياتهم إلى الأبد. الانفجارات والنار والغبار في شوارع مدينتهم محفورة في ذاكرتهم. الصدمة العاطفية لشخص ما، بداية معركة أو الشعور بأنك شاهدت عن غير قصد لحظة تاريخية للآخرين، ها هي رواياتهم عن 11 سبتمبر 2001. إعلان 8:46 صباحاً كانت سماء نيويورك زرقاء صافية في صباح ذلك اليوم، يعبر بوب ويستون جسر بروكلين للذهاب إلى العمل في وسط المدينة، الحي التجاري في مانهاتن السفلى. فجأة، لاحظ هذه الطائرة، التي تطير على ارتفاع منخفض، بسرعة كبيرة ويبدو أنها ضخمة فوق المباني. “لم يكن الأمر منطقياً، نظرت إليه لبضع ثوانٍ في السماء واصطدم بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي. شعرت بقوة الانفجار في جسدي، كان ضخماً، مثل موجة. لن أنساه أبداً”.
“اعتقدت أنني شاهدت حادثاً مروعاً، ولكن عندما اصطدمت الطائرة الثانية بالبرج الآخر، صرخ الناس من حولي. كنت في نهاية الجسر وشعرت بحرارة الانفجار. رأيت كرة النار هذه تكبر وشعرت موجة من الحر، مثل فتح باب فرن المطبخ. بدأ الناس يركضون مدركين أننا في الواقع تعرضنا للهجوم”، مرتبكاً، في حالة صدمة، يواصل بوب طريقه إلى مكان عمله. في الشارع، ترقد قطعة من الطائرة وعندما ينهار البرج الأول، يواجه مداً بشرياً يحاول مغادرة مانهاتن بأي وسيلة ممكنة. في غضون ساعات قليلة، تم إجلاء 500 ألف شخص بواسطة جسر بروكلين، وقفز البعض في الماء لمحاولة السباحة عبر النهر الشرقي، بحسب “مارك لينيهان – AP”.
“كان الناس مغطين بالغبار، ومع أشخاص آخرين، أمسكنا جميع أنواع الحاويات لمحاولة تقديم مشروب لهم. كان هناك الآلاف والآلاف وشعرت بالعجز”، “نشأت في بروكلين وعندما كنت طفلاً شاهدت البرجين التوأمين قيد الإنشاء. عندما رأيت قمة البرج الثاني ينهار ببطء مثل مجموعة من الفطائر، لم أصدق ذلك”.
وتقول ليلا نوردستروم، (17 عاماً) إنها في تمام 10 صباحاً، طلب مسؤولو مدرستها من جميع الطلاب مغادرة المبنى على بعد ثلاث كتل من مبنى مركز التجارة العالمي و “الركض شمالاً”، جاء الأمر بعد وقت قصير من انهيار البرج الأول الذي شاهدته الفتاة وزملاؤها للتو من نوافذ مدرسة “Stuyvesant” الثانوية، “انفتحت الأبواب ونفدنا. لم يكن هناك من يخبرنا إلى أين نذهب، كنا نعلم أنه يتعين علينا الخروج من مانهاتن”، بعد انهيار أبراج مركز التجارة العالمي، يغزو الرماد والغبار مانهاتن، “هذا عندما سقط البرج الثاني ولم نتمكن من رؤية أي شيء، كان كل شيء غباراً. مع صديقة، مشينا إلى منزلها في كوينز، معتقدين أنه ليس لدينا الحق في العودة إلى مانهاتن”، “كان مثل فيلم، لم يكن يبدو حقيقياً. ما هي الاستراتيجية الصحيحة للهروب: إنه الشيء الوحيد الذي يمكنني التفكير فيه، كان عمري 17 عاماً فقط”.
يقول السيد لوران أفريت، ويعمل في السفارة الفرنسية كانت الساعة 4 مساءً ، بالقرب من “Central Park” بعد عدة ساعات من المشي في مدينة مهجورة فجأة، يعبر جسر بروكلين ويكتشف مدى الكارثة، “في وقت مبكر من بعد الظهر، بدا أن الهجوم قد انتهى، وقررنا مع أحد الزملاء الذهاب إلى وسط المدينة لمعرفة ما كان يحدث. من شارع 42، لم يكن هناك المزيد من السيارات. بدأنا المشي في وسط الطرق وبدأنا في رؤية السحابة السوداء الكبيرة والمعتمة تغطي سماء المدينة”، لقد خلفت هجمات 11 سبتمبر 2753 قتيلاً” في وسط المدينة، كان هناك غبار في كل مكان، وصفارات الإنذار، والناس يركضون وقررت العودة إلى المنزل في بروكلين. بمجرد أن وصلت إلى جسر بروكلين، رأيت في هذه السماء الزرقاء المذهلة،” السحابة الضخمة تتحرك نحو حدائق كارول، حيث كنت أعيش”، “كان الأمر غريباً حقاً، كان هناك ضوء، المزيد من السيارات، كان صامتاً. أصيب الناس الذين مررت بهم بالصدمة. كان بعضهم يصرخ، والبعض الآخر يبكون، ويمد يده إلى السماء، حيث سقط الرماد”.
بعد عشرين عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم يقم سكان نيويورك الثلاثة بطي الصفحة حقاً، يعيش بوب ويستون الآن في كوينز وشمال نيويورك، أخبرنا بوب، وهو في التاسعة والخمسين من عمره، أن صورة الطائرة الأولى التي اصطدمت بالبرج الشمالي لا تزال “تحترق في دماغه”. كمرشد سياحي، يروي أحياناً قصته للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و13 عاماً الذين يأتون لزيارة نيويورك. “إنه أمر مزعج ومؤلم ولا يزال مؤلماً”. وعندما تأتي الذكرى السنوية للهجوم كل عام، “أنا لا أشاهد التلفاز، أنا أحمي نفسي، وأمنع نفسي من التفكير في هذا اليوم،” كما يقول.
ليلا نوردستروم، في مؤتمر صحفي في يونيو 2020، بعد جلسة استماع في مجلس النواب مخصصة لتعويض ضحايا 11 سبتمبر، تقول ليلى، إن أحداث 11 سبتمبر لم تتركها أبداً وبالتأكيد لم تنته عندما تمكنت من اللجوء إلى صديقتها. بعد شهر، أعيد افتتاح مدرستها الثانوية، وتعرضت هي وزملاؤها لأشهر للأبخرة السامة التي طردت من أنقاض مركز التجارة العالمي المحترق، ثم أصيب العديد من رفاقها بالمرض، وفي عام 2006، أنشأت منظمة “Stay Health” للتعرف على العديد من الأمراض المرتبطة بهجوم 11 سبتمبر وبتنظيف الموقع.
في عمود نشرته الواشنطن بوست ، قالت إنها “أمضت معظم حياتها البالغة “تكافح” للمطالبة بشفاء الأشخاص الذين أصيبوا بهذه الأمراض”، خلال عشرين عاماً، تم تقديم 67000 مطالبة تعويض ويتعلق ما يقرب من نصف الحالات بحالات السرطان. “منحتني الحكومة الفيدرالية وضع ناجٍ من 11 سبتمبر. لكن العديد من رفاقي لم يحالفهم الحظ، فقد مات بعضهم قبل سن 35”.
صرح لوران أوفريت في 8 سبتمبر 2021، البالغ من العمر 52 عاماً، والذي يعيش في نيويورك منذ عام 1998، أنه يشعر بحزن شديد لأنه شهد في 11 سبتمبر/ أيلول، اندثار الأجواء الخاصة لـ “المدينة العالمية”، التي تجاوزتها القومية الامريكية” وأنه أصبح أمريكي في ذلك اليوم”، يشرح الفرنسي. في اليوم التالي، في الحي الذي أعيش فيه، كانت هناك أعلام أمريكية في كل مكان، بينما رأيتها فقط في 4 يوليو، بمناسبة عيد الاستقلال، فهمت أن أمريكا تريد الانتقام. لقد تغير كل شيء تغيراً عميقاً، وبالنسبة لي، فإن هذا اليوم هو ذكرى أنني شاهدت لحظة حاسمة في التاريخ”، الطرف الجنوبي من مانهاتن في 15 سبتمبر 2001. أنقاض مركز التجارة العالمي ما زالت تدخن، والولايات المتحدة تعلن “الحرب على الإرهاب”.
اليوم.. ماذا بعد؟
بعد مرور السنوات العشرون، وتلك الأحداث الدامية، وتأثيرها النفسي والصحي على المعاصرين لها في موقع الأحداث، أو من ساعدها عبر وسائل الاعلام والاتصال المختلفة، وكذلك تأثيرها على الأوضاع والعلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية، ومتابعها من قرارات أمريكية ودولية “بالحرب علي الاٍرهاب” وغزو أفغانستان، وفرض عقوبات وحصار على دول عدة تحت بند دول راعية وحاضنة للإرهاب، وظهور مصطلح الإسلام فوبيا، وانتشاره في أمريكا وأوروبا، فقد تبنت أمريكا ومعها حلفائها سياسية الانتقام، ورد الاعتبار والكرامة، فقامت بغزو أفغانستان، وتدخل حرب تكلفت مئات المليارات من الدولارات والأسلحة والقتلى والضحايا، ثم تعلن بشكل مفاجئ انسحابها منتصف شهر أغسطس/ آب الماضي ، وهو الأمر الذي حدث في العراق، وغزو القوات الأمريكية له بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل (وهوما ثبت عدم صحته)، و”محاربة ومكافحة الاٍرهاب “.
إن انشغال الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية بالانتقام من أحداث سبتمبر ألحق الضرر بأمريكا وكثير من الدول التي حذت حذوها، فزادت الصراعات والقلاقل والنزاعات المسلحة، والعنصرية، واضطهاد الأقليات، وشهدت السنوات الماضية موجات هجرة ونزوح لم يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية، إن مفهوم وعقيدة الانتقام تنم عن ثقافة العنف والغطرسة الأمريكية، وإن استخدام القوة المفرطة، يؤدي إلى مزيد من العنف والكراهية.
التعليق
رغم مأساة ومرارة أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ في التاريخ الإنساني الحديث، وبقائها عالقة في ذاكرة الآلاف ممن شاهدها سواء على ارض الواقع، أو عن بُعد، يجب أن يكون ذلك الحدث درس لنا جميعاً، بأن العنف يؤدي إلى العنف، وأن إحكام العقل والحكمة هو طريق النجاة من مخاطر كثيرة، وأن سياسة استخدام القوة والانتقام دون رادع أو حساب يهدد الأمن والسلم العالميين، ونؤكد على أن أشكال استخدام القوة المتعددة، سواء بالتدخل العسكري المباشر، أو عن طريق وسطاء ووكلاء، فرض العقوبات والحصار على الدول والمؤسسات والأفراد لسنوات طويلة، تحت نظر ومباركة المنظمات الدولية، وخاصة بعد إفراج جهات التحقيق الأمريكية عن مستندات وملفات التحقيق في أحداث ١١ سبتمبر، وهو ملف وموضوع هام يطرح أمام فقهاء القانون الدولي في جميع أنحاء العالم للوقوف على حقيقة تلك التحقيقات، والتي اتخذتها إدارة بوش ذريعة لغزو أفغانستان بحجة “محاربة الاٍرهاب”.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.