إن الدور التركي في العشر سنوات الأخيرة، دفع بها إلى عزلة إقليمية واسعة، جرّاء دورها غير المتوافق مع كثير من الدول العربية من أزمات دول الشرق الأوسط وبخاصة سوريا وليبيا، وحتى أزمة شرق المتوسط، وبدأت أنقرة العمل على تصحيح أخطاء تلك المدة بعد الاستقرار الليبي إلى حدٍّ ما، يلي ذلك الحديث حول تسوية سياسية في سوريا من البوابة العربية، وجنوح مصر مع شركائها لإنشاء منتدى خاص بالغاز بعيداً عن أنقرة، ليخرج المتابع بأسئلة عديدة منها:
ما هي ظروف التسوية الإقليمية وأسبابها التي من الممكن أن تتطابق بين تركيا والدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات؟
وما هي ارتدادات هذه التسويات على المنطقة خاصة في ما يتعلق بملف الإخوان المسلمين الذي يمثل أبرز ملف شائك؟
وهل ستكون هذه التسويات على حساب الإخوان، خاصة بعد أمر تركيا قيادات التنظيم وإعلامهم بعدم انتقاد مصر؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، أجرت جريدة الشروق التونسية حواراً خاصاً مع مركز خبراء “رياليست”، الدكتور عمرو الديب.
رغبات تركية
كل ما يدور الآن حول وجود تسويات بين تركيا ومصر، أو تركيا والإمارات والسعودية، لا يبعد عن كونه رغبات من جانب أنقرة، التي تحاول مد يد الصداقة مع الجميع في نفس الوقت.
لا يمكن إبعاد مسألة وجود تفاهمات مصرية – تركية، أو تفاهمات خليجية ما، بقيادة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عن السياق العام الذي تعمل عليه حالياً تركيا وزعيمها رجب طيب أردوغان.
هذا السياق العام الخاص بالسياسات التركية الحالية يأتي تحت عنوان “الصداقة مع الجميع” فنجد تقارب فرنسي – تركي، ويوناني – تركي، وخليجي – تركي، ومصري – تركي. وهذا العنوان أو ما يمكن أن نسميه “مبدأ” وراءه عوامل سياسية داخلية في تركيا أو عوامل خارجية ظهرت في الفترة الأخيرة.
العوامل الداخلية
تتمثل هذه العوامل في ضعف الاقتصاد التركي بشكل كبير، ووجود طبقة متوسطة كبيرة الحجم داخل تركيا معظمهما من المتعلمين، هذه الطبقة تمثل خطراً كبيراً على أي نظام سياسي في حالة وجود احتقانات سياسية أو ظروف اقتصادية صعبة. و كل الملفات الخارجية التركية تثقل كاهل صانعي السياسة التركية سواء اقتصادياً أو اجتماعياً. ومن المهم تخفيف حدة الصراعات التركية مع الخارج حتى لا تؤثر بشكل بالغ على الوضع الداخلي التركي.
العوامل الخارجية
- تتمثل هذه العوامل في ضعف الاقتصاد البريطاني وضعف السياسة الداخلية البريطانية في الشهور الأخيرة بسبب جائحة “كورونا”، و بسبب إمكانية خروج اسكتلندا من بريطانيا، حيث من المنتظر إجراء استفتاء على ذلك بنهاية العام الجاري، وكل ذلك أضعف المورد الحقيقي للقوة التركية، فأكبر داعم تاريخي للأتراك تمثل على الدوام في بريطانيا العظمى.
- العامل الخارجي الآخر، يتمثل في قدوم إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، والهدف الرئيس لهذه الإدارة أوروبياً هو توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيجعل واشنطن تقف في صف الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، لذلك رأينا اتصال بين أردوغان وماكرون، وليس اتصال بين بايدن وأردوغان.
- هناك عامل أكثر أهمية يتمثل في اتحاد كل أعداء تركيا الإقليميين ضد المصالح التركية، حيث نجد أن هناك مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الذي يستثني تركيا، وكذلك مشروع EuroAsia Interconnector الذي سيربط نظام الطاقة الإسرائيلي – اليوناني والقبرصي. وفي أواخر فبراير/ شباط الفائت من العام الجاري، زار وزير النفط المصري طارق الملا إسرائيل وفلسطين، وتم توقيع اتفاقية مع الفلسطينيين للتعاون في تطوير حقل غاز في قطاع غزة. في حين بدأ العمل مع إسرائيل لإبرام اتفاق يربط حقل ليفياثان، أكبر حقل غاز إسرائيلي، بمحطات الغاز الطبيعي المسال في مصر.
مشاريع طاقوية
ويذكر أنه في بداية عام 2019، أنشأت مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين منتدى غاز شرق المتوسط، ومقره القاهرة. ولم تتم دعوة تركيا وليبيا هناك. ورداً على ذلك، وقعوا مذكرة خاصة بهم بشأن ترسيم حدود المناطق البحرية، تاركين اليونان وقبرص في موقف ضعيف.
ويحظى منتدى شرق المتوسط أيضاً بدعم الممالك العربية في الخليج العربي، باستثناء قطر، القريبة من أنقرة. وأصبحت العلاقات واعدة بشكل خاص على خلفية تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، ظهرت خطط لمشاريع مشتركة. في منتصف فبراير/شباط، والتقى ممثلو الإمارات والسعودية والبحرين بوزراء خارجية اليونان وقبرص ومصر وفرنسا في أثينا. وأعربوا عن دعمهم لليونان في النزاع حول شرق البحر الأبيض المتوسط.
في ظل هذه الخلفية، تحاول تركيا بكل طريقة ممكنة تحسين العلاقات مع القاهرة، التي دُمرت عام 2013 بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، الذي كان مقرباً أيديولوجياً من الزعيم التركي.
تسويات مرحلية
إن أي تسويات بخصوص هذا الملف ستكون تكتيكية وليست استراتيجية، فالتقارب التركي مع أعدائه تكتيكي وليس استراتيجي. لذلك هذا التقارب سيكون مرتبط بوجود العوامل الداخلية والخارجية المذكورة أعلاه، وعند وجود أي فرصة ستستعيد تركيا سياستها الرامية لتنفيذ أحلام حزب أردوغان التوسعي، ولذلك أي استغناء تام عن جماعة الإخوان المسلمين لن تقدم عليه تركيا ولكن يمكن فعلاً تخفيف حدة نشاطهم لا أكثر ولا أقل.
المصدر: جريدة الشروق التونسية