جددت الدول الضامنة لعملية أستانا تأكيد التزامها القوي بسيادة ووحدة وسلامة أراضي سوريا، ومقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على ضرورة احترام هذه المبادئ عالمياً والالتزام بها، إضافة إلى استمرار التعاون حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا، طبقاً لوكالات أنباء.
جاء ذلك، في البيان الختامي اليوم للقاء الخامس عشر لصيغة أستانا الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية يومي الـ 16 والـ 17 من فبراير/ شباط الجاري “2021”.
تأكيدات.. لكن ماذا عن التطبيق؟
في كل مرة تجتمع الدول الضامنة “روسيا وتركيا وإيران” لعملية أستانا، ويجددون ذات البنود في كل مرة، وهي وحدة وسيادة الدولة السورية، والقضاء على الإرهاب، وحلحلة الوضع الإنساني، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية، وشجب الحصار الجائر على سوريا، لكن أياً من ذلك لم يتغير، لا بل أعلنت واشطن أنها ستضغط أكثر على دمشق في إطار التشديد من خلال “قانون قيصر”، وزادت عدد قواعدها العسكرية في مناطق حيوية وحساسة والتي تشكل الأمن القومي لسوريا خاصة حقول النفط في الشرق السوري، وأما أحد الدول الضامنة لهذا المسار، أي تركيا، تقوم بشق الطرق وفتح الجامعات ومد الكهرباء التركية إلى مناطق سيطرتها وشبكات الهاتف المحمول، وتقول إنها مع وحدة وسيادة واستقلال الأراضي السورية!
التطبيق العملي لهذا المسار يتحقق بحالة واحدة لا ثاني لها، وهو أن تنسحب القوات الأمريكية والتركية من الأراضي السورية، وهذا لن يحدث، لكنه ممكن الحدوث إن انسحبت القوات الإيرانية، لأن واشنطن تعتبر أن وجودها في سوريا كي لا تتفرد إيران وروسيا بالمنطقة ويتوسع نفوذهما على حساب واشنطن، لكن أياً من الأمرين بعيد المنال في الوقت الحالي، وبالتالي، انتهى الاجتماع مع تحديد موعد الاجتماع المقبل في منتصف العام، في مدينة نور سلطان الكازاخية، ليتحول هذا المسار إلى جولات مستمرة، الجميع يعلم متى بدأت لكن متى تنتهي، فهذا رهن للتطورات السياسية المتعلقة بالملف السوري.
الهدف الرئيس
هناك بند في البيان الختامي، وهو (الوقوف ضد الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها والتي تشكل تهديداً لأمن الدول المجاورة)، وبالنظر إلى هذا البند الذي يفسر قبول تركيا بجميع البنود الأخرى، لأنها تحسست الخطر القادم والذي لن تكون بمنأى عنه، وهو مشروع قيام الدولة الكردية، فبالأمس تم اجتماع لمجلس دير الزور العسكري – قسد مع مسؤولين من التحالف الدولي، حول آخر المستجدات في الشرق السوري، ومناقشة قضايا أمنية أخرى في المنطقة، جاء ذلك بعد حادثة الهجمات على مطار أربيل الذي أخذ صدىً كبيراً، فهذا الاجتماع له دلالاته لأنه تم في توقيت حساس، فضلاً عن أن القوات الأمريكية بسطت نفواً جديداً لها في منطقة المثلث الحدودي السوري – العراقي – التركي في عين ديوار – المالكية، وبالتالي هذه الأمور كلها مقدمات لمشروع الانفصال، وبصرف النظر أنه مشروع مستحيل، لكن مجرد الخوض فيه يجعل منه سيناريو مستقبلي، إن لم ينجح الآن، فقد ينجح مستقبلاً طبقاً لضرورات المرحلة في حينه.
هذا الأمر كافياً لأن تقدم أنقرة تنازلات كثيرة في الملف السوري، لوأد هذا المشروع، لأن أكراد سوريا بدأوا يرفعون سقف وجودهم في المنطقة، وهذا الذي تخشاه تركيا، فعندما يستيقظ المارد لن يكون بمقدور إيران أو تركيا مواجهته، خاصة إن انتفضت بلديهما مع كردستان العراق، وبطبيعة الحال أكراد سوريا لأن المنطقة تحت سيطرتهم، وبالتالي ليس مستبعداً لي ذراع أنقرة وطهران في هذا الاتجاه، وهنا على تركيا التفكير ملياً وأن تعيد حساباتها جيداً إذا كانت حريصة على عدم مد شرارة الفوضى إلى داخل بلدها.
خلف الكواليس
لا شك بأنه على هامش الاجتماع في سوتشي تم التركيز على مسألة مشروع الانفصال، وهنا يكمن الدور الروسي الرامي إلى سحب الشريك التركي مجدداً إلى صفه، فإن اتسمت السياسة التركية بالذكاء، عليها أن تقدم تنازلات في الشمال السوري إن أرادت مساعدة موسكو لها، وليس هناك أبرع من الدبلوماسية الروسية في قدرتها على تقريب وجهات النظر التركية – السورية، فعلى الرغم من العداوة الحاصلة بين دمشق وأنقرة، لكن في هذه النقطة عدوهما مشترك، فعندما تقطع تركيا المياه عن مليون مواطن سوري في الحسكة، عليها أن تعلم جيداً أن الوجود الكردي ضعيف جداً مقارنة بالعرب السوريين، وبالتالي، من هذه النقطة يجب ان تبدأ روسيا بالضغط على تركيا لإيجاد مخارج حقيقية وإلا سيكون الدور قادم على الدولة التركية، وهذا الأمر ليس تحليلاً بقدر ما هو رؤية ملموسة من الوقائع الحاصلة على الأرض شرق الفرات والتي بدأت تأخذ اتجاهاً خطيراً في ضوء الممارسات الأخيرة لتنظيم قوات سوريا الديمقراطية – قسد في الشرق السوري.
أخيراً، إن مسار أستانا التفاوضي جولة أخرى من جولات كثيرة، ليس الأول ولن يكون الأخير، التعويل اليوم على أن تثمر الشراكة الحقيقية للدول الضامنة بنتائج ملموسة على أرض الواقع، لأن الوضع السوري أصبح قاتماً جداً، ولا يحتمل الوضع أن تمتد هذه الأزمة اكثر من ذلك، لأنه في كل يوم يمضي، تقل فرص الحل السياسي لأن الجميع متمسك برأيه، فإن أرادت الدول الضامنة إنجاح هذا المسار يجب الضغط على تركيا أكثر من ذلك ووضع المصالح والتحالفات جانباً، لأن هذا الوضع إن لم يتحسن، سيبقى هكذا حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في أبريل/ نيسان المقبل، فماذا سيحدث في هذه المدة القليلة؟ الجواب سيتكشف في حينه.
فريق عمل “رياليست”.