منذ ظهور كتاب” ثروة الأمم” عام 1776 للاقتصادي الأسكتلندي الشهير “آدم سميث” والذي يعتبره علماء الاقتصاد أبو الاقتصاد، ومؤسس علم الاقتصاد السياسي، حيث تناول سميث في مؤلفه الشهير، أن الوصول إلى الثروة هو الغاية الأساسية للاقتصاد، حيث تناول بالشرح التوضيحي إلى عناصر الإنتاج الأربعة الأساسية (العمل، الأرض، رأس المال، أدوات الإنتاج) والعوائد الناتجة عنها (الأجور، الريع، الفائدة، الأرباح) والوقوف على المشكلة الاقتصادية الأساسية، في محاولة الإنسان الدائمة أن يشبع حاجاته المتعددة والمتزايدة واللانهائية من خلال موارده المحدودة والشحيحة والنادرة نسبياً، وهي المشكلة التي يسعى الإنسان على مر العصور والأزمنة والأماكن إلى محاولة حلها.
كما يعتبر الكثيرون أن آدم سميث من أحد أبرز رواد الليبرالية الاقتصادية، لتبنيه مفاهيم التخصص وتقسيم العمل والأسواق الحرة حرية التجارة وحرية انتقال عناصر الإنتاج.. مثل دعه يعمل .. دعه يمرlaissez faire .. Laissez passer ورفضه التام للقيود الحمائية والرسوم الجمركية التي تعوق حرية التجارة الدولية وانتقال عناصر الإنتاج بين الدول، وهو الذي قال إن الدولة أسوأ صانع وأسوأ تاجر، وهو المبدأ والمفهوم الذي تبناه كثير من رجال الاقتصاد والسياسة لزمن طويل، حتى ظهرت مشاكل الاقتصاد من ركود وكساد وتضخم.
والسؤال المطروح الآن، هل مفهوم ” أن الدولة أسوأ صانع وأسوأ تاجر! يصلح لعالم اليوم، وما نشهده من تطور حضاري، ومن تقدم تكنولوجي في مجال المعلومات والاتصالات، وعلوم الفضاء وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد، والتقدم الهائل في كافة العلوم الجيولوجية والفيزيائية والكيميائية، والأبحاث العلمية والبرمجيات التي ساهمت بشكل كبير وفعال في منح رجال الاقتصاد والسياسيين والمسؤولين وصانعي القرار قاعدة بيانات ومعلومات وبرامج التحليل والتنبؤ بالمخاطر، وتوقع المشاكل والأزمات مقدماً، التي تمنحهم الفرصة في اتخاذ القرار بالطريقة والكيفية والزمن والتكلفة المناسبة والمتاحة.
بالنظر الى الواقع الذى يعيشه العالم حالياً، يتضح أن كل الدول تمتلك من الثروات والإمكانيات المادية والبشرية والإنتاجية والتي تختلف من دولة إلى أخرى، وهو الشيء الطبيعي، فالدول مثل الأفراد، منهم الغني والفقير، الجاهل والمتعلم، القوي والضعيف، ومع اختلاف الإمكانيات والفروقات، يبقى الفرق الأهم دائماً هو حسن إدارة تلك الثروات والموارد والإمكانيات المتاحة والتي تمتلكها الدول حالياً أو يمكن امتلاكها والحصول عليها في المستقبل، بغض النظر عن النظام الاقتصادي أو السياسي الذي تتبعه الدول، فالإدارة هي العامل الفارق بين تقدم أو عدم تقدم الدول، والأمثلة كثيرة، منها (النمور الآسيوية ماليزيا، سنغافورة، إندونيسيا، فيتنام، هونغ كونغ) ودول أخرى مثل البرازيل وشيلي والأرجنتين، ورواندا الأفريقية، وهي دول كانت تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية كثيرة، ولكن بحسن تدبير وإدارة شؤون الدولة، حققت تلك الدول نتائج وتقدم كبير، مقارنة بما كانت تعانيه في السابق.
والمؤشرات الدالة على ذلك ما حققته تلك الدول من (الزيادة الكبيرة في الناتج القومي وزيادة الصادرات وسد الفجوة بين الاستيراد والتصدير، والاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية والاستراتيجية، وارتفاع الاحتياطي النقدي، وضبط الدين الداخلي، وارتفاع قيمة العملة الوطنية، وتحسن الخدمات العامة، والدخول في تحالفات اقتصادية قوية زادت من النشاط التجاري وجذب رؤوس الأموال والاستثمار والسياحة وتنوع مصادر الدخل، وتحقيق استقرار في الحياة السياسية والاجتماعية)، وتحقق ذلك برفع كفاءة النظام الإداري للدولة، حيث أصبحت الدولة تدير مواردها برشد وفاعلية وكفاءة، وزيادة قدرة الدولة على زيادة الإنتاج من خلال الإجابة على ماذا تنتج؟ كيف تنتج؟ متى تنتج؟ إلى من تنتج؟ والإجابة على هذه الأسئلة سوف تحدد بماذا وكيف ومتى ومع من نتاجر ونتعامل.
ويضاف إلى ذلك حسن إدارة الدولة لجناحي الاقتصاد العام والخاص، وكيف تحقق الدولة التوازن والكفاءة والفاعلية في الإدارة بين المجالات والقطاعات التي تمتلكها الدولة (القطاع العام، الحكومي) وممتلكات القطاع الخاص أو الأهلي، ماذا تفعل الدولة وكيف ومتى وأين والتكلفة والعائد والأثر؟ التعرف على تجارب وخبرات الدول الأخرى، واستخلاص النتائج والعبر والدروس، والاقتباس منها بما يتلاءم ويتوافق مع ظروف كل دولة، والبعد عن التقليد أو إتباع سياسات صادرة من جهات أو مؤسسات مالية خارجية لا تتوافق ولا تتناسب مع موارد وثروات البلاد والحكومات.
الأفضل أن (ارتدي جلباب يعجب به الغير، أفضل من ارتداء بذلة رسمية لا تتناسب معي ويسخر منها الآخرين، لمجرد التقليد والتباهي)، كل ذلك يساهم بدون شك في النتائج الناتجة عن كفاءة الدولة، والحكومة للعملية الإدارية لشؤون الدولة، ولننظر إلى الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، وكيفية البحث الدائم عن أفضل المديرين للاستعانة بهم ومنحهم رواتب وامتيازات تعادل بل في بعض الأحيان تفوق رؤساء جمهوريات وحكومات ومسؤولين كبار، وذلك لأن المدير المتميز ليس فقط هو طوق النجاة في الأزمات والصعوبات المالية والاقتصادية، بل هو القادر على وضع السياسات والرؤى والاستراتيجيات للمستقبل والأجيال القادمة.
لذا، على الدول والحكومات الاهتمام بالإدارة وكفاءتها والمديرين والبحث عنهم والاستعانة بهم، فكما تحتاج الدولة إلى علماء وأطباء ومهندسين وفنانين ومبدعين ورياضين وإعلاميين، وغيرهم الكثير، تبقى الحقيقة الأولى، أن الدول والأمم والحضارات عبر العصور تحققت وبقيت بوجود “مدير كفء ومبدع وعبقري”، ولنا في “يُوَسف الصديق خير مثال”.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.