قالت وزارة الخارجية في بيان إن الجزائر سوف تستضيف اليوم الخميس 23 ديسمبر/ كانون الثاني 2020 مؤتمراً لوزراء خارجية الدول المجاورة لليبيا من أجل بحث النزاع هناك، وبمشاركة وزراء خارجية مصر وتونس والسودان وتشاد ومالي والنيجر بعد نحو أسبوع من قمة برلين التي استهدفت دعم وقف لإطلاق النار، طبقاً لوكالة رويترز للأنباء.
أرادت الجزائر من نشاطها الدبلوماسي في الأسابيع التي تلت تنصيب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون هو أن ترجع بالجزائر إلى دورها الطبيعي بتنشيط سياستها الخارجية، بعد أن كانت غائبة عن الساحة السياسية بسبب الظروف التي مرت بها البلاد، لذا كان في خطاب الرئيس الموجه للأمة يوم تنصيبه وفي الشق الخاص بالسياسة الخارجية أكد الرئيس في خطابه على تفعيل سياسة الجزائر الخارجية وخاصة فيما يخص الملف الليبي وملف دول الساحل، حيث قال: “يجب ان يكون للجزائر صوت مسموع في أي حل في ليبيا أحب من أحب وكره من كره”، وترجم ذلك أن أول اجتماع رسمي الرئيس كان بدعوة المجلس الأعلى للأمن لدراسة الأوضاع الأمنية خاصة في الملفين المذكورين سابقاً، وأعطى تعليمات بتفعيل السياسة الخارجية وأخذ احتياطات إضافية فيما يخص أمن الحدود الشرقية والجنوبية.
وكان له كذلك أول استقبالاته للشخصيات الأجنبية كانت بسبب ملف ليبيا، أقصد زيارة رئيس حكومة الوفاق السيد فائز السراج ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والمصري سامح شكري، وأول زيارة له للخارج كانت لمؤتمر برلين الخاص بليبيا، حيث أكد على المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية الجزائرية التي لا تقبل التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول، وتسليح الأطراف المتحاربة في ليبيا وكذلك إرسال المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، إلى غيرها من المواقف، وصرح أن الجزائر مستعدة لجمع الإخوة اللبيبين على أرضها من اجل حوار جاد ينهي الأزمة.
ويأتي اجتماع وزراء الخارجية لدول الجوار لليبيا زائد مالي لأنها تأثرت بشكل مباشر بالأزمة الليبية أعتقد أن ذلك يكون تمهيدا إلى اجتماع جامع لكل الفرقاء اللبيبين على أرض الجزائر من أجل إيجاد حل دائم يرضي كل الأطراف المتصارعة في ليبيا وينهي الصراع المزمن الذي تعاني منه.
و كما هو معروف أن الأزمة في ليبيا جرى تدويلها بامتياز، فإذا كان الصراع في الداخل الليبي بين الليبيين حول السلطة وتقاسم الثروة إلا أن هناك صراع إقليمي وحرب بالوكالة بين أطراف إقليمية ومحاور أيديولوجية لها عداء تقليدي فيما بينها وهي تصفي حساباتها على أرض ليبيا باستعمال اللبيبين كأدوات لصراعاتهم، وكذلك هناك صراع دولي لتقاسم النفوذ وخيرات ليبيا خاصة منها النفط والغاز، ورأينا في مؤتمر برلين أن الأطراف الفاعلة في ليبيا كانت حاضرة في الاجتماع إلا الأطراف الليبية كانت الحاضرة الغائبة، وكأن المجتمع الدولي يقول لهم أن الأمر أصبح خارج إرادتكم فاستمعوا إلى إرادة المجتمع الدولي وطبقوا ما يقرر.
لذا أقول إن نجاح الجزائر مرتبط كذلك بالإرادة السياسية للمجتمع الدولي في إنهاء الصراع، إذا التزمت الأطراف الدولية بمخرجات مؤتمر برلين بعدم تسليح الأطراف وعدم إرسال المزيد من المرتزقة والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا، وكذلك عدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي، وتم تثبيت وقف إطلاق النار، فإن الجزائر باستطاعتها أن تقوم بدور فعال مع الأطراف المتصارعة في ليبيا لما تمتلكه من مصداقية في الطرح والمعاملة فهي لم تشارك في هدر الدم الليبي لا بتأييد الناتو لضرب ليبيا ولا تسلح أي طرف أو تغليب طرف على آخر، بل كانت تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف، لذا أظن أن لها صوت مسموع عند الجميع سواء على المستوى الرسمي في الشرق أو الغرب وكذلك على المستوى الشعبي وشيوخ القبائل.
الجزائر تقوم بهذا الدور من واجبها الأخوي نحو الشعب الليبي فليبيا دولة جارة تنتمي إلى المغرب العربي وتتقاسم مع الجزائر ليس الحدود فقط بل أن هناك تداخل في العائلات والأنساب وللشعبين تاريخ مشترك وتعاون على مر العصور، وكذلك إدراكاً منها أن أمن ليبيا من أمن الجزائر وكذلك بالنسبة لجميع دول الجوار، بل وحتى دول العالم أجمع فعدم استقرار ليبيا هو مساس بالأمن والسلم الدوليين.
الجزائر تعايشت مع الوضع في ليبيا وهشاشة الأمن فيها لمدة ثماني سنوات، لكن والحمد لله الجيش الجزائري استطاع أن يحمي الجدود الجزائرية ومنع أي تسلل للجماعات الإرهابية، لكن إطالة الأزمة تزيد أعباء إضافية على الجيش وعلى المجتمع ككل.
اعتقد أن مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا هو مكمل لنتائج مؤتمر برلين، ولا يمكن الحكم على نتائج مؤتمر برلين بالنجاح والفشل لأنه لم يخرج بقرارات عملية تطبق فوراً وإنما خرج بتعهدات رحلت كلها إلى مجلس الأمن لتصدر في شكل قرارات ملزمة من مجلس الأمن في منع تزويد الأطراف بالأسلحة وكذلك المقاتلين وكذلك في اجتماعات بين الأطراف الليبية تحت إشراف الأمم المتحدة من اجل تثبيت عملية وقف إطلاق النار والحوار حول المحاور الثلاثة العسكري الأمني والسياسي والاقتصادي، فدول الجوار هي المتضرر الأول من الصراع في ليبيا وتأثيراته السلبية عليها، اعتقد أن الاجتماع يأتي في إطار توحيد الرؤى وتنسيق المواقف والبحث عن السبل المثلى أن يكون الحل ليبي – ليبي في إطار الحل السلمي والسياسي والمصالحة الوطنية بعيداً عن الأعمال العسكرية التي لن تأتي بأي حل بل تعقد الأزمة وتزيد من التدمير للبنى التحتية ومعاناة الشعب الليبي.
خاص وكالة رياليست – د. أحمد كروش – خبير أمني جزائري – مراقب دولي سابق في بعثة الأمم المتحدة للسلام.