القاهرة – (رياليست عربي): لا شك أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية هو حدث كان ينتظره العديد من مُنظّري قضايا الشرق الأوسط ونُظّارها، وكذلك العديد من الدول التي تجمعها علاقات سياسية واقتصادية مع الرياض وطهران. وهذا التوافق تم التوصل إليه بعد ٧ جولات من المفاوضات على مدار ٣ سنوات.
وعلى عكس ما كان معلنًا، أُبرم اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران في عاصمة بعيدة عن توقعات الكثير من المحللين السياسيين؛ وهي “بكين”، فعندما شرعت السعودية وإيران في التفاوض بشكل مكثف على حل خلافاتهما عدة مرات، لم يأت اسم الصين ولو لمرة واحدة كوسيط للتفاوض أو تقريب وجهات النظر، حيث كانت العراق وسلطنة عُمان عَرَّابيِّ هذه المفاوضات ومستضيفيّها.
وفي إطار وساطة الصين، اُقترح أيضًا عقد اجتماع إقليمي موسع بين إيران وممثلين عن دول خليجية أخرى، مما يمثل نقطة تحول كبيرة ومهمة في سياسة الشرق الأوسط.
وكانت السعودية وإيران والصين قد أعلنوا في بيان ثلاثي يوم الجمعة 10 مارس 2023 أنه وُقع اتفاق مشترك بين الرياض وطهران ينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح سفارتيهما في مدة لا تزيد عن شهرين. كما اتفق الجانبان على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفعيل الاتفاقية الأمنية الخاصة بمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات الموقعة بينهما عام 2001، وكذلك اتفاقية التعاون الشاملة في المجالات الاقتصادية والتقنية والعلمية والثقافية والرياضية الموقعة عام 1998.
وكانت بكين قد استضافت في الفترة من 6 إلى 10 مارس مباحثات بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة مستشار الأمن الوطني السعودي “مساعد بن محمد العيبان”، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “عليّ شمخاني”، وذلك استجابة لمبادرة الرئيس الصيني “شي جين بينج” الداعية إلى تحسين العلاقات بين الرياض وطهران.
إحلال السلام في اليمن، تهدئة التوترات السياسية في العراق ولبنان، عودة سوريا إلى محيطها الإقليمي والعربي، تهدئة التوتر العسكري ووقف سباق التسليح في منطقة الخليج، تغيير لهجة وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية التابعة لدول الخليج وكذلك الناطقة بالعربية التابعة لإيران، كانت من بين القضايا التي طُرحت في كواليس هذا الاتفاق، وأُثيرت أيضًا في وسائل الإعلام المحلية والعالمية بطرق متباينة عقب الإعلان عنه.
ومن المتوقع عقب استئناف العلاقات السعودية الإيرانية بشكل رسمي، أن تشهد موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط حِقبةً جديدةً تنخفض فيها حدة التوتر بين الخصمين الأبديين في المنطقة. إلا أن هذا الاتفاق لا يرادف نهاية التوتر بين السعودية وإيران، فهذا التوتر أو بالأحرى العداء ناجم عن مخاوف عديدة ولامتناهية داخل الأروقة السياسية في الرياض وطهران، فاستئناف العلاقات وتبادل البعثات الدبلوماسية لن يقضي بالضرورة على هذه المخاوف، لكنه سيقلل من حجمها فحسب، أي أن العلاقة بين الدولتين ستشهد بعض الهدوء النسبي، وهو ما سينعكس بدوره على الدول الحليفة لهما.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2023/03/الت.jpg)
التنافس السعودي الإيراني في منطقة الخليج
إن المملكة العربية السعودية وأغلب الدول الخليجية يعتبرون حلفاء إستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، حيث تجمعهم توجهات وأهداف ومصالح مشتركة، كما أن الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين كبيرة ومتشعبة وواسعة النطاق.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تنافس إيران مع جيرانها العرب في منطقة الخليج هي إحدى الأولويات الجيوسياسية المرتبطة مباشرة بالأيديولوجيات الثورية والمذهبية “للجمهورية الإسلامية”. كما أن النفوذ الإيراني المتمدد في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، والعلاقات السعودية الوطيدة مع أشقائها الخليجيين خاصة البحرين والإمارات هي قضايا لن تستطيع الرياض أو طهران تجاهلها بشكل أو بآخر سواء هدأ التوتر بينهما، أو تغيرت سياساتهما في المنطقة، أو تقاربت وجهات نظرهما إزاء القضايا محل الخلاف.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران قد قُطعت عام 2016 عقب إعدام رجل الدين الشيعي السعودي “نمر باقر النمر”، والهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. لكن التنافس بين البلدين من أجل أن تغدو إحداهما القوة المسيطرة وصاحبة اليد الطُّولى في المنطقة قد شرع منذ سنوات مضت، ومن المتوقع أن يستمر في السنوات المقبلة أيضاً
الصعود الصيني في منطقة الشرق الأوسط
من أبرز ملامح اتفاق السعودية وإيران على استئناف علاقاتهما هو صعود الصين بخُطى ثابتة نحو قمة الهرم الدولي، وتنافسها بوجه سافر مع الغرب عامةً وأمريكا خاصةً على صياغة سياسات المنطقة، مما جعل البعض يصف الصين بأنها الفائز الرئيس، بل الأكبر في هذا الاتفاق.
والحقيقة أن منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين الماضيين كانت دائمًا ساحة تنافس بين الغرب وروسيا. وفي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، أصبحت أمريكا واحدة من القوى الرئيسة في دول المنطقة، وصاحبة الورق المرشح دائمًا للفوز في نهاية اللعبة. لكن خلال الحرب السورية تمكنت روسيا من استعادة جزء من مكانتها السابقة في المنطقة قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.
أما الصين فلم تلعب مطلقًا دورًا رئيسًا في الشرق الأوسط باعتبارها طرفًا فاعلًا وحاسمًا، بل كانت ترفض التدخل في التنافسات الإقليمية وصراعاتها انطلاقًا من عقيدة “الصعود السلمي”. لكن منذ وصول الرئيس “شي جين بينج” إلى السلطة، أظهرت بكين بوسائل مختلفة أنها على استعداد كي تغير موقفها على الصعيد العالمي، وتتحول من الهيمنة الاقتصادية إلى الهيمنة السياسية. وقد بدا هذا الأمر واضحًا في مواقف الصين الداعمة لكل من إيران وسوريا وروسيا أو بالأحرى قوى المعسكر الشرقي في المحافل الدولية وأبرزها مجلس الأمن الدولي أمام قوى المعسكر الغربي بزعامة أمريكا، وكذلك حضور الصين المكثف في دول الخليج مؤخرًا.
الكرة في ملعب إيران
وبعيدًا عن الفوز الذي حققته الصين أمام منافستها الإقليمية أمريكا، استطاعت إيران باستئناف علاقاتها مع السعودية أن تخطو خطوةً مهمة في طريق كسر عزلتها الإقليمية، وهو أمر يثير حفيظة إسرائيل وترفضه جملةً وتفصيلًا. فإن توصلت إيران إلى اتفاقيات أخرى مع دول الخليج خلال الاجتماع الإقليمي المزمع عقده، سيكون ذلك بمثابة ضربة قاصمة للمخططات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتبعية المخططات الأمريكية.
كما سيخفف التوافق السعودي الإيراني من وطأة العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، مما سينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الإيراني مع بدء تعاون تجاري واستثماري مع السعودية، بموجب اتفاقية التعاون الشاملة المبرمة بين الطرفين.
وفي الوقت نفسه تنظر إيران إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة مهمة نحو استكمال ثالوث المعسكر الشرقي المعادي لأمريكا وحلفائها، فمع توجه طهران نحو بناء علاقة طيبة مع الرياض، تكون بذلك قد حذت حذو الدولتين الداعمتين لها دوليًا روسيا والصين في سبيل تعزيز العلاقات مع السعودية، وهو ما يجعلنا نقول إن الكرة الآن أصبحت في ملعب إيران، وعليها أن تتأنى في خطوتها القادمة على صعيد السياسات الخارجية.
على أية حال إن التوافق السعودي الإيراني يحمل في طياته مكاسب كبيرة للطرفين، ففي حالة توصل دول الخليج وإيران إلى رؤية مشتركة تجاه القضايا محل الخلاف ستُحسم صراعات عديدة وتتغير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا الأمر مرهون باستغلال التوافق لتحقيق مصالح قومية وإقليمية وليس لتحقيق مصالح أحادية ومذهبية.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2023/03/صحف-إيرانية.jpg)
قنبلة بكين الصحفية
العلاقات السعودية الإيرانية: نصف قرن بين الوصيلة والقطيعة
- 1980: 1988 خلال الحرب الإيرانية العراقية (الحرب المفروضة)، المملكة العربية السعودية تعلن الحياد التام إزاء الحرب، لكن مجموعة من التقارير أفادت آنذاك أن المملكة قد أرسلت معدات عسكرية إلى بغداد.
- – 1981 اشتباك الحجاج الإيرانيين مع الشرطة السعودية في مكة والمدينة عقب رفعهم شعارات سياسية.
- – 1981 السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، وقطر، وسلطنة عُمان يشكلون مجلس التعاون الخليجي كرد فعل على التهديدات الإيرانية تجاه دول الخليج في المنطقة.
- – 1983 خلال حرب ناقلات النفط، إيران تهاجم ناقلة نفط سعودية في المياه الإقليمية، وفي أعقاب ذلك، السعودية تسقط فوقها مياهها صاروخ فانتوم إيراني.
- – 1987 اشتباك الحجاج الشيعة، وأغلبهم إيرانيين، مع الشرطة السعودية يودي بحياة ما يقرب من 400 شخص، من بينهم أكثر من 200 إيراني. وفي أعقاب ذلك، محتجون إيرانيون يهاجمون سفارتي السعودية والكويت في طهران.
- – 1988 السعودية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على إثر استمرار اشتباك الحجاج الإيرانيين مع الشرطة السعودية.
- – 1988 إيران توقف رحلات الحج لمدة عامين بسبب تقليص عدد التصاريح الخاصة بحجاجها من قبل السعودية.
- – 1991 استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرة أخرى.
- – 1997 ولي العهد السعودي الأمير عبد الله يشارك في قمة مجلس التعاون الإسلامي بطهران كأول مسؤول سعودي رفيع المستوى يزور إيران عقب الثورة الإيرانية.
- – 1977 رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني عليّ أكبر هاشمي رفسنجاني يتوجه إلى السعودية في زيارة تستغرق 10 أيام.
- – 1999 محمد خاتمي أول رئيس إيراني يزور الرياض عقب الثورة الإيرانية.
- – 2001 الرياض وطهران يوقعان على اتفاقية أمنية لمكافحة الإرهاب وتهريب المواد المخدرة.
- – 2011 في أعقاب زحف الثورات العربية على البحرين، السلطات السعودية تتهم إيران بتحريك المحتجين في البحرين ودعمهم.
- – 2011 وزارة العدل الأمريكية تتهم شخصين إيرانيين بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير.
- – 2012 السلطات السعودية تتهم إيران بتحريك المحتجين الشيعة القاطنين في المناطق الشرقية بالمملكة.
- – 2014 القضاء السعودي يقضي بإعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر، وإيران تحتج بشدة على هذا الحكم وتندد به.
- – 2015 السعودية تبدأ عمليات عاصفة الحزم في اليمن ردًا على الدعم الإيراني للحوثيين.
- – 2016 السعودية تعدم الشيخ باقر النمر، ومحتجون إيرانيون يضرمون النار في جزء من مبنى السفارة السعودية بطهران، ويقتحمون حرمها، والقيام بمحاولة مماثلة أمام القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية. وفي أعقاب ذلك، السعودية وعدد من الدول يقطعون علاقاتهم الدبلوماسية مع إيران.
- – 2016 إيران تعلن أن المقاتلات السعودية أطلقت صاروخًا على حرم السفارة الإيرانية في صنعاء ألحق أضرارًا بمبنى السفارة.
- – 2017 إيران تحمل الرياض مسؤولة الهجوم الإرهابي على مجلس التعاون الإسلامي وضريح الخُميني.
- – 2018 استئناف رحلات الحج الإيرانية بعد منعها لمدة عامين من قبل إيران.
- – 2018 السعودية تحمل إيران مسؤولية الهجوم الصاروخي الذي شنه الحوثيون على أراضي المملكة.
- – 2018 السعودية تهدد بأنها ستحصل على أسلحة نووية في حال حصول إيران على السلاح النووي.
- – 2019 السعودية تحمل إيران مسؤولية هجمات الطائرات المسيرة على مجمع المصافي الضخم في بقيق وحقل نفط خُرَيص في المنطقة الشرقية من المملكة.
- – 2019 إيران تعلن أن ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر هوجمت بصاروخين قرب السواحل السعودية، وتحمل الرياض المسؤولية.
- – 2021 بدء مباحثات مباشرة بين الرياض وطهران في بغداد.
- – 2021 وكالات الأنباء الإيرانية تعلن عن إعادة فتح المكتب الإيراني في منظمة التعاون الإسلامي بجدة وإيفاد 3 دبلوماسيين عقب غلق المكتب لمدة 6 سنوات.
- – 2022 وزير الخارجية الإيراني يعلن عن لقاء مع نظيره السعودي في الأردن.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.