موسكو – (رياليست عربي): يشهد العالم اليوم تحولات غير مسبوقة في خريطة العلاقات الدولية، حيث برزت توجهات جديدة لبعض الدول للتقارب وتكوين شراكات استراتيجية، مستندة إلى المصالح المشتركة والتحديات المماثلة التي تواجهها، في هذا السياق، تتجه روسيا وإيران نحو توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات متنوعة تشمل الاقتصاد، النقل، الطاقة، والدفاع.
ورغم أن موعد توقيع هذه الاتفاقية لم يُحدد بعد، فإن التصريحات الرسمية من الجانبين تشير إلى توافق على اختيار الوقت المناسب، ما يعكس أهمية هذا التعاون ومدى الحساسية في توقيته، خاصة مع تصاعد الضغوط الغربية على البلدين.
وفي خطوة نحو تعزيز هذه الشراكة، وخلال اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في تركمانستان على هامش المنتدى الدولي “علاقة العصر والحضارات – أساس السلام والتنمية”، حيث اتفقا على توقيع اتفاقية “كبيرة” خلال زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إلى موسكو، كما التقى الزعيمان في قازان على هامش قمة بريكس السادسة عشرة، وهو اللقاء الثاني بينهما في أقل من أسبوعين، مما يعكس الزخم الذي توليه موسكو وطهران لهذه الشراكة الاستراتيجية، وخلال لقائهما، أشار الرئيس بوتين إلى ضرورة استثمار هذه الديناميكية لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وناقش الزعيمان قضايا إقليمية ملحة، من بينها الوضع المتدهور في الشرق الأوسط وأزمات سوريا ومنطقة القوقاز.
بالتالي، إن التقارب بين روسيا وإيران يأتي استجابة واضحة للتحديات المشتركة، إذ تواجه الدولتان ضغوطاً غربية غير مسبوقة نتيجة لمواقفهما في السياسة الدولية، وقد أدى هذا الضغط الخارجي إلى دفعهما نحو تكوين شراكة متينة تمكنهما من التعامل بفاعلية مع هذه التحديات، حيث تسعى موسكو وطهران إلى تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يراعي مصالح مختلف الدول ويحد من هيمنة القوى الكبرى، كما تؤكد الدولتان على ضرورة احترام المعايير الدولية وضمان دور مركزي للأمم المتحدة في معالجة الأزمات الدولية.
ولكن بالرغم من القواسم المشتركة في الرؤية السياسية، فإن هناك بعض التحديات والعقبات التي تواجه هذا التقارب، فبينما تتفق موسكو وطهران على الكثير من القضايا، إلا أن بعض الملفات الإقليمية ما زالت تمثل نقطة خلاف، مثل الوضع في جنوب القوقاز، ومواقفهما تجاه النزاعات القائمة بين إيران ودول خليجية في مضيق هرمز، إلى جانب تباين الآراء حول التعامل مع التصعيد في سوريا، وتبقى الساحة السورية مثالاً واضحاً لهذا التباين، حيث تتعرض القوات الموالية لإيران لهجمات جوية إسرائيلية متكررة، ما يخلق توترات إضافية قد تؤثر على مصالح الطرفين في سوريا.
كما شهدت العلاقات الروسية الإسرائيلية توترا ملحوظا عقب هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023. فعلى الرغم من أن موسكو أدانت الهجوم، إلا أنها انتقدت بشدة تصرفات إسرائيل في غزة ولبنان، وهو ما أدى إلى برود في العلاقات بين موسكو وتل أبيب، من جهة أخرى، طلب الرئيس الإيراني بيزشكيان من روسيا اتخاذ موقف صارم تجاه إسرائيل، ورغم الدعم الذي قد تقدمه روسيا لإيران، إلا أن موسكو تتجنب الانخراط المباشر في مواجهة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، إذ تدرك أن تصاعد هذا الصراع قد يؤدي إلى تدخل قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، تهدف روسيا إلى تعزيز دور إيران ضمن أطر التعاون غير الغربية، كمنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس، لتعميق التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والنقل، وقد أكد بوتين في أكثر من مناسبة على ضرورة تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، على الرغم من تراجع هذا التبادل خلال السنوات الماضية، وتشمل الخطط المستقبلية توسيع البنية التحتية للنقل مثل ممر “شمال-جنوب”، إضافة إلى مشروع بناء وحدات جديدة في محطة بوشهر للطاقة النووية، مما يدل على رؤية شاملة للتعاون تتجاوز الاقتصاد إلى مشاريع استراتيجية أوسع.
ومع ذلك، ثمة عقبات تعرقل توسع العلاقات الروسية الإيرانية، إذ تهيمن الشركات الحكومية على اقتصاد كلا البلدين، كما أن البيروقراطية والعوائق التنظيمية تزيد من تعقيد تنفيذ مشاريع مشتركة، إضافة إلى ذلك، يواجه رجال الأعمال في البلدين صعوبات في فهم آليات العمل التجاري في السوق الشريكة، ما يؤثر على حجم الاستثمارات المتبادلة، إلى جانب ذلك، يعبر بعض ممثلي النخب الإيرانية، عن تحفظاتهم تجاه التعاون مع روسيا، مما قد يعرقل الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الثنائية.
ومن خلال الاتفاقية المرتقبة، يتوقع أن تشهد العلاقات بين روسيا وإيران نقلة نوعية، حيث تضع هذه الاتفاقية إطاراً لتعاون طويل الأمد يغطي مختلف المجالات، بدءاً من التعاون الاقتصادي الذي يشمل قطاعات الغاز والبتروكيماويات والنقل، وصولاً إلى التعاون الثقافي والإنساني، كما من المتوقع أن تساعد الاتفاقيات المستقبلية بين البلدين على تجاوز بعض العوائق اللوجستية، خاصة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية للنقل، مما يسهم في تعزيز التبادل التجاري وفتح آفاق جديدة للتعاون.
بالتالي، تعزيز التعاون رهن الظروف الجيو سياسية والملفات المتشابكة التي تحتاج إلى حلول، عدا ذلك، من غير المتوقع أن يتطور هذا التعاون أكثر مما هو عليه الآن.