باريس – (رياليست عربي): لا خلاف علي أهمية البحر الأحمر كممر مائي دولي، يحظى باهتمام عالمي من معظم دول العالم، ليس فقط من جانب الدول المطلة عليه، ولكن أيضاً من القوى العظمى الكبرى على مر العصور والتاريخ .
إذ تعلوا وتزداد رغبه الهيمنة والسيطرة علي هذا المعبر المائي الخام عند نشوب الحروب والصراعات الإقليمية والدولية، وتجلى ذلك طبقاً للظروف التي أحاطت بزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة الأيام السابقة، وعقده مؤتمر مع قادة مجلس التعاون الخليجي، وبحضور الرئيس المصري وملك الأردن ورئيس وزراء العراق بمدينة جدة، كبرى المدن السعودية المطلة على البحر البحر الأحمر بعنوان “الأمن والتنمية ” وهو الأمر الذي يوضح أن الأمن مقدم على التنمية .
ونفس الأمر، حدث أيضاً مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مقابلته مع نظيره المصري سامح شكري وتصريحاته عن أمن منطقة البحر الأحمر، والملاحة البحرية الدولية.
الأهمية الاستراتيجية – الجيوسياسية
تحتل منطقة البحر الأحمر أهمية استراتيجية كبيرة، فهي من أهم الطرق المائية الاستراتيجية الحيوية في العالم، نظراً لوقوعها بين ثلاث قارات تقع في قلب العالم آسيا وأفريقيا وأوروبا (العالم القديم)، وحلقة الوصل بين الشرق والغرب، كما أنها تطل على العديد من البحار والمحيطات العالمية.
وأهم ما يميز البحر الأحمر جيواستراتيجياً، هو وجود المضائق التي تتحكم بمداخل هذا البحر ومخارجه، أهمها قناة السويس في شماله وباب المندب في جنوبه، وفضلاً عن وجود الجزر المهمة مثل جزر شدوان وحوبال وتيران وصنافير في الشمال، وجزر ميون وأرخبيل حنيش وجزر دهلك وكمران وفرسان في الجنوب.
ومن مميزات هذه المنطقة أيضاً أنها ممر لأعظم مصدر للطاقة وهو البترول الذي يأتي من دول الخليج العربي (مكان إنتاجه) ويصدر إلى دول أوروبا وأمريكا، ولذلك أصبح النطاق السياسي للبحر الأحمر يتعدى هذه المنطقة إلى مناطق أخرى بعيدة في العالم، فهذا النطاق الجيوبوليتيكي يمتد ليشمل منطقة القرن الأفريقي التي تشرف وتتحكم بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، كما يمتد ليشمل دول غرب أوروبا الصناعية والولايات المتحدة الأمريكية، الذي تعتمد حياتهم في هذه الدول على ذلك النفط كمصدر مهم واستراتيجي، الذي يصل إليها عبر هذا الشريان المائي المهم، بالإضافة إلى أنه أهم ممر مائي دولي لحركة التجارة العالمية عبر سنوات التاريخ قديماً وحديثاً .
الدول المطلة على البحرالأحمر
تطل على البحر الأحمر 8 دول هي: السودان وإريتريا والصومال وجيبوتي واليمن ومصر والسعودية وإسرائيل، وتعتبر الدول الثلاث الأخيرة هي الدول ذات الثقل إقليمياً ودولياً، واللاعبين الأساسيين في تلك المنطقة، ونظراً لأهمية البحر الأحمر جيوسياسياً، جعل دول أخرى تسعى جاهدة لإيجاد موطئ قدم لها على إحدى ضفتي الساحل، لضمان أمنها الإقليمي والدولي، والذي كان على حساب أمن دول المنطقة والعالم .
صراع القوى العظمى والإقليمية
تتصاعد حده التنافس بين القوى الكبرى في العالم علي السيطرة والهيمنة على أمن وسلامة مصالحها ومصالح حلفائها بكافة الطرق والأساليب، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأهم تلك القوى في السنوات الأخيرة:
الولايات المتحدة الأميركية: أقامت مؤخراً فرقة عمل مشتركةCTF153 تتكون من الهند والإمارات المتحدة وإسرائيل، ومقرها العاصمة البحرينية “المنامة”، بهدف تأمين الملاحة في غرب المحيط الهندي والتركيز علي خليج عدن وباب المندب، وذلك استكمالاً لدور مجموعات العمل الأخرى العاملة بالفعل وهي :150/151/152.
روسيا: والتي قررت مؤخراً إقامة قاعدة عسكرية لها بالسودان .
الصين: والتي تمتلك قاعدة عسكرية ضخمة بدولة جيبوتي.
فرنسا: والتي يعتبر تواجدها تاريخي بالمنطقة هي وبريطانيا وإيطاليا، من خلال تواجدهم الاستعماري لدول المنطقة، وفرنسا التي لها تواجد ثابت في جيبوتي.
الدول الإقليمية:
ويأتي على رأسهم إيران، التي لها تواجد قوي من خلال جماعة الحوثيين باليمن، وتركيا التي تعيد تأهيل ميناء سواكن بالسودان ليكون امتداداً لتواجدها على ساحل البحر الأحمر إلى جانب تواجدها في الساحل الصومالي، ودولة الإمارات المتحدة التي تعزز من تواجدها بالتضامن مع المملكة العربية السعودية من خلال تعاون وشراكات اقتصادية وعسكرية مع السودان وإريتريا والصومال وجيبوتي، والتي تزايدت مع الحرب ضد جماعات الحوثيين في اليمن .
الإتفاق.. رغم الاختلاف
رغم أن منطقة البحر الأحمر منطقة صراع متداخلة ومتشابكة، بين أطراف عدة، سواء على المستوي الإقليمي او الدولي، ورغم حدته التي تتصاعد يوم بعد يوم، خاصة في ظل حرب اليمن والصراعات في القرن الافريقي، والحرب الروسية – الأوكرانية، والصراع المصري – السعودي مقابل الطرف الاسرائيلي الذي يستميت في تأمين مصالحه البحرية في تلك المنطقة الحيوية والتي تمثل شريان حياة وبقاء له بداية من المدخل الجنوبي من باب المندب، مروراً بخليج العقبة وقناة السويس.
هناك شبه إجماع دولي وعالمي على ضمان وسلامة الأمن البحري على سواحل البحر الأحمر، وتجنب أي صراع مسلح مباشر أو غير مباشر من شأنه إعاقة أو وقف المرور بهذا الشريان البحري المهم، وأن العالم يتذكر جيداً إغلاق قناة السويس إبان العدوان الثلاثي عام 1956 على مصر، وبعد حرب يونيو 1967 والتي أعيد افتتاحها في عام 1975، وأيضاً بالأمس القريب عندما جنحت الناقلة العملاقة “إيفر جيفين” في شهر مارس/ آذار من عام 2021، والتي أصابت التجارة العالمية بالشلل التام، الأمر الذي تسبب في ارتفاع تكلفة الشحن والنقل البحري ارتفاعاً كبيراً، تعاني منه التجارة العالمية حتي تاريخه.
ومن الجدير بالذكر أن تكلفة نولون شحن حاوية 20 قدم من الصين حوالي 4000 دولار أمريكي، اليوم تزيد عن 8000 دولار أمريكي، الأمر الذي أثر سلباً على صادرات الصين، وعلى حجم التجارة الدولية، وسوف يستمر لفترة قادمة ليست بالقليلة .
التحليل والتعليق
تزايد الصراع على التواجد في منطقة البحر الأحمر قديماً وحديثاً، كما أن توالي زيارات كبار القادة والمسؤولين من الدول الكبرى والإقليمية، في الآونة الأخيرة، يجب أن يلفت انتباه الجميع أن الأيام القادمة قد تشهد صراعات أكثر حدة وشراسة “وفقاً لتقارير الخبراء والمحللين”، وأن هناك من يسعى إلى توريط بعض دول المنطقة في صراع مباشر أو تصعيد وتيرة الصراع بين دول مطلة على البحر الأحمر، ودول إقليمية مثل إيران وتركيا.
لذا على الجميع الحيطة والحذر من سياسات الدول الكبرى، التي تحاول زيادة نفوذها وهيمنتها كالمعتاد، من أجل تأمين مصالحها وأمنها وأطماعها،على حساب دول المنطقة وشعوبها التي في الأصل تعاني من ظروف وأوضاع صعبة ناتجة عن تداعيات الصراعات الدولية، دون ذنب، سوى إنهاء شعوب ترغب في تأمين مصالحها المشروعة والمعترف بها دولياً وعالمياً.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.