دمشق – (رياليست عربي): مالذي تغير في الانتخابات اللبنانية الأخيرة؟ وأين تكمن القراءة بعيدة المدى؟
من وجهة نظرنا ينبغي التنبه إلى ثلاثة تموضعات:
- القوميين بمختلف توجهاتهم القومية.
- الدروز في الجغرافيا والسياسة.
- إدارة الصراع محلياً وآثاره الاقليمية والدولية.
حقيقة الأمر ما نزال أمام التحالفين الثابتين تجاه المعادلة الإقليمية والدولية، والانزياحات الحاصلة في الأشخاص وأعداد المقاعد لم تبدل قيد شعرة من هذه الاصطفافات، وبعين استراتيجية هي تعكس الممانعة الإقليمية والدولية لنشوء العالم المتعدد الأقطاب لدى فريق وسعي الفريق الآخر الحثيث لنشوء ذلك العالم المتعدد الأقطاب وهو الفريق الحليف للدولة السورية والواقع ضمن المحور الذي يخوض صراعاً أولياً في أوروبا حالياً بين روسيا وحلف الناتو ولاحقاً ربما يدخل صراعاً عالمياً إذا حصلت المواجهة في بحر الصين، ولكن مفصلاً أصيلاً قد يتسبب بفتح الجبهة مع الكيان الصهيوني الذي هو المحرك الرئيسي والمباشر للتحالفات داخل لبنان.
بماأن ذلك العالم المتعدد الأقطاب أعلن عن نفسه من سورية وممثلاً بشخص رئيس الجمهورية وهو صاحب الدعوة والحركة المتسارعة لتشكيل هذا العالم المتعدد الأقطاب بدءاً من التوجه شرقاً والحفاظ على التحالف الدولي مع دولة روسيا الاتحادية كما كان سابقاً مع الاتحاد السوفياتي إلى كافة الاتصالات الحذرة مع الدول العربية التي بدلت وجهتها منذ تعطيل عمل الجامعة العربية ونواتج الربيع الإخواني من بلاد الشام إلى أقصى المغرب العربي، وللآن ما هو الجديد في الانتخابات اللبنانية والذي يستحق التوقف بجدية كما أشرنا في المقدمة؟
وبعد أن وضحنا دور سورية في تغيير الخرائط العالمية فمن الطبيعي أن تتم تغذية التحركات والحركات والحواضن ضدها بعيداً عن الدعاية الإعلامية حول فترة التواجد السوري وإشكالياتها دولياً وإقليمياً منذ عام 1975 فكل عداء يحتاج تحريض وتغذية ومنذ التدخل الفرنسي الخليجي والقرار 1559 والوضع ذاته، فريق مع الولايات المتحدة، وبالتالي حكماً مع اسرائيل وفريق ضدها وبالتالي حكماً مقاوم.
وبناءً على المواقف من سورية:
- تمكنت المقاومة من الحفاظ على حلفائها العروبيين وفق التقسيمات اللبنانية (الفريق السني) وعلى رأسهم الدكتور أسامة سعد والوزير عبد الرحيم مراد ومن معهما وبقيت المنظومة الأيديولوجية المتمثلة بالعداء للصهيونية والتزام القضايا العربية وقضية فلسطين كقضية مركزية ورفض الهيمنة الأمريكية منطلق أخلاقي للحفاظ على ذلك التحالف العقائدي.
- التحالف بين التيار العوني (التيار الوطني الحر) والمقاومة هو تحالف داخلي لبناني سياسي يعتمد على الحصص السياسية لا يستند إلى تلك المنظومة الأيديولوجية، وبالتالي فالتبدلات الحاصلة بين مقاعد العونيين ومقاعد سمير جعجع ليست أكثر من دلالة إضافية على التجاذب الغربي على الورقة المسيحية ومواقف المتحكمين فيها ضمن الحدود اللبنانية سواء بالقبول بالتعاطي السياسي مع حزب الله كواقع موجود أو إعلان العداء التام له ورفضه وكلا الحالتين ليست بعيدة عن المناورات الاوربية وتختلف بالقرب والبعد عن الصهيونية ،كما كان سابقاً وكما هو مستمر.
- الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو حركة سياسية مدنية تاريخية تؤكد على وحدة جغرافية لمنطقة مشرقية مدروسة بأبعادها التاريخية والديموغرافية وتمتلك في تأسيسها بنية ثورية متكاملة وتنطلق من العقيدة الأيديولوجية المتشددة ضد الغرب والملتزمة بالصراع العربي – الصهيوني بأقصى حالات الموروث النضالي ضده.
وهذا معناه أنها قوة شبابية استقطابية فمالذي حصل ليتمكن الغرب من استبدال تلك الكينونة بنشطاء المجتمع المدني وذلك بغض النظر عن تفاصيل الصراع على المقاعد لكن هذه الحصة انتزعت من ذلك الحزب اللاطائفي بتأسيسه والملتزم والذي يشكل مفصلاً في مواجهة الاقطاع السياسي والمحاصصات الطائفية، وبالتالي فهذه الخطوات المتقدمة للمجتمع المدني برأيي انتزعت من حصة القوميين حيث باقي التكوينات الموجودة في لبنان ليست سوى إقطاعات سياسية لمجتمع ما دون الأهلي ولسنا بتفاصيل مايحدث بين القوميين لأن المسألة أبعد بكثير من التشرذمات النفعية، ولكن لابد من الإشارة إلى حالهم اليوم بعد أن أسقطوا القدوة والحقيقة أن العالم أو القوى الدولية لم تكف عن التآمر على ذلك الحزب كحالة ثورية تحررية شأنه شأن أحزاب تلك المرحلة منذ اغتيال زعيمهم أنطون سعادة بقرار دولي.
إلى تدبير اغتيال العقيد عدنان المالكي واتهام السوريين القوميين به ومن ثم اغتيال عميد الدفاع في حزبهم المقدم السوري غسان جديد.
وبقي للسوريين القوميين ما يفاخرون به من تضحية موصولة بشهدائهم الشباب مثل سناء محيدلي ووجدي صايغ وهكذا حتى جاءتهم كما غيرهم رياح الحداثة والتهاون في التنسيب والانتساب فاصطدموا بحاجز التآكل واللهاث خلف التمويل والانحيازات المصلحية فبتنا أمام ثلة من التائهين المنحرفين سياسياً فابتعد عن الحزب كل أهل الدار والأصيلين الذين حملوا قيمه ووجدانه والنتائج ظهرت اليوم بوضوح على الأرض.
- في طائفة الموحدين الدروز على مستوى قيادتها وليس على مستوى الأفراد تم تأكيد التموضع ضد الدولة السورية وبرسالة حادة وبإصرار على سحبها من انتمائها العروبي ومن قضايا المنطقة من خلال رفض البيت الأرسلاني بموقف لا يجب أن يكون مستهجناً بعد الإرهاصات السابقة ورسم وليد جنبلاط تحركاته على الصعيد الطائفي ليستفيد من التقرب من السنة هذه المرة بما يتناقض مع والده كمال جنبلاط فهو يريد التحالف مع السنة خارج الاصطفاف العروبي بمعنى السنة كهوية سياسية وباتجاه الإخوان المسلمين ولا تعتبر علاقاته بالمملكة العربية السعودية نقيضاً لذلك فهو متحرك ضمن فضاء طائفي يتيح له ذلك هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد رمى عن كاهله الحرج في قضية المقاومة والأرض المحتلة وإن كانت قرى الجولان المحتل بمعظمها قرى (درزية).
وترك تلك الحركة لرجل دين من فلسطين المحتلة ليتوارى جنبلاط خلف عمامته وجواز سفره الإسرائيلي وهذا الأخير الشيخ موفق طريف يتحرك معلناً عن جوع الطائفة وظرفها الاستثنائي وهو ظرف ليس استثنائي أبداً في سورية وإنما صنعته الدول الغربية والولايات المتحدة.
وبالتالي من خلال فريق ودول يدفعون برجل دين إلى تموضعات سياسية مستغلين سمعة رجال الدين وأخلاقهم المعروفة والمعروفية للانقضاض على مشروع سياسي وهكذا يكون عنوان الجنبلاطية الذي تم إعلانه في الانتخابات الأخيرة نحن ضد كل من يصطف مع سورية ومعها محور المقاومة، سواء دول أو أشخاص وللأسف يعلنها على لسان الطائفة، ويستتبع ذلك بتحركات باتجاه موسكو آملاً أن يرسم للطائفة مسار يعزلها عن هموم المنطقة وقضاياها ويخرجها من واقعها التاريخي في لبنان وسورية وفلسطين والأردن عبر تصدير فكرة تخريبية تتعلق بحاجة الطائفة لحماية دولية بينما هو الذي يدبر استعداء النسيج الاجتماعي عليها و يدبر حصارها في المنطقة بأفكار من قبيل النأي بالنفس وفتح ممرات آمنة تحت إشراف دولي.
- من واقع الأمن القومي العربي و تهديد الأمن القومي لسورية والمنطقة العربية منذ الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 واتفاقيات كامب ديفيد وبدء خطة كيسنجر في المنطقة بات لزاماً على سورية الحضور بقوة في لبنان وإنشاء تحالفات مع القوى الوطنية فيه وما تزال تلك التحالفات غير قابلة للكسر حفاظاً على البلدين خصوصاً وأن لبنان في خاصرة سورية وبالوقت نفسه سورية هي المنفذ البري الوحيد ل لبنان ولكن الخطط المتكررة ضد سورية تفعل فعلها ربما بعملية الاشغال أو محاولات الإضعاف.
ومن كل ما تقدم فإن النتيجة الأولية الواضحة أن الطر ف السوري قد ارتكب أخطاء في القراءة والتقدير والتعاطي، فالمعركة بمنتهى الشدة والدقة، وبالتالي لامكان للمواقف المتراخية ولا للشخصيات الرمادية فهي معارك وجود وتعتمل على تحطيم أساس الصراع وطنياً وسياسياً لنزع الشرعية الوطنية عنه فهل تم تفعيل الأحزاب القومية العربية وخصوصاً حزب البعث العربي الاشتراكي بما يتلاءم مع طبيعة الصراع أم أن الحداثة العرجاء تمكنت وحولت الأمور إلى حالات انتهازية تعتمد على تقدير أشخاص محدودي القدرة والتقدير؟!
في المآزق المفصلية ينبغي أن نتكلم بلغة حادة في المراجعة والتصويب وحتى النصر الصعب أو الحاصل بفضل الإرث التاريخي يحتاج أن نتنبه لكيفية حمايته لأنه بات مهدداً، وهذا ما يجب أن نفهمه عندما نقرأ الانتخابات اللبنانية وأن ندقق ماذا حصل حيث كنا موجودين فكراً وعقيدة وليس حيث لم نكن ونجاحات المحور يجب أن نعرف أنها لا تنسب للأداء والإدارة وإنما للقضية التي ترفعها وتحميها الأيديولوجية.
ولذلك أعتقد أننا نحتاج أن نضع نقطة على السطر.
خاص وكالة رياليست – ميس الكريدي – كاتبة سورية – عضو اللجنة المصغرة عن المجتمع المدني.