بغداد – (رياليست عربي): في خطوة غير متوقعة لكنها تحمل دلالات عميقة وقّع رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي اتفاقا يهدف إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن مؤسسات الدولة السورية مما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تساهم في إعادة تشكيل المشهد السوري الذي عانى من التشرذم والصراعات على مدى سنوات الحرب الطويلة
هذا الاتفاق يأتي في وقت حساس تمر فيه سوريا بتحديات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة حيث تسعى الحكومة السورية إلى استعادة سيادتها الكاملة على جميع الأراضي السورية بينما تحاول قسد الحفاظ على مكتسباتها في شمال وشرق البلاد وسط ضغوط دولية وإقليمية متزايدة
البعد السياسي للاتفاق
الاتفاق يعكس توجها نحو ترسيخ وحدة سوريا بعد سنوات من التجاذبات السياسية التي كادت أن تؤدي إلى تقسيم البلاد إذ يمثل اعترافا رسميا بالمكون الكردي ضمن الدولة السورية وهو ما يشكل نقطة تحول في العلاقة بين دمشق وقسد التي طالما كانت توصف بالمضطربة نتيجة ارتباط الأخيرة بدعم الولايات المتحدة ودخولها في تحالفات متناقضة مع مصالح الدولة السورية
إعادة دمج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن مؤسسات الدولة السورية يعني انتهاء أي محاولات لإقامة كيان كردي مستقل أو حكم ذاتي موسع وهو ما كانت تخشاه دمشق وتسعى لمنعه منذ البداية لكن في الوقت نفسه يمنح هذا الاتفاق الأكراد دورا سياسيا واضحا داخل الدولة السورية قد يكون بداية لتشكيل نموذج حكم أكثر شمولية واعترافا بالتعددية القومية والسياسية في البلاد
التأثير العسكري للاتفاق
من الناحية العسكرية يشكل دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري تطورا مهما يساهم في تقليل فرص الصدامات العسكرية مستقبلا ويعزز من استقرار المناطق التي كانت خاضعة للإدارة الذاتية خاصة تلك القريبة من الحدود التركية التي لطالما اعتبرتها أنقرة مصدر تهديد لأمنها القومي كما أن إعادة هذه القوات إلى مظلة الدولة السورية يعني استعادة دمشق السيطرة على مناطق استراتيجية تشمل معابر حدودية وحقولا نفطية وغازية كانت مصدر تمويل رئيسي لقسد
لكن هناك تحديات كبيرة في تنفيذ هذا البند على الأرض إذ أن بعض الفصائل المسلحة داخل قسد قد ترفض الخضوع للسلطة المركزية كما أن هناك مخاوف من أن بعض القيادات الكردية لن تتنازل بسهولة عن النفوذ الذي اكتسبته خلال سنوات الحرب مما قد يخلق توترات داخلية تؤخر تطبيق الاتفاق
الانعكاسات الاقتصادية للاتفاق
لا يمكن فصل البعد الاقتصادي عن أي اتفاق سياسي أو عسكري حيث تشكل الموارد الطبيعية في شمال شرق سوريا عنصرا محوريا في هذا الاتفاق فإعادة حقول النفط والغاز إلى سيطرة الدولة السورية قد يخفف من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بسبب العقوبات الدولية والانهيار المالي الذي أثر على جميع القطاعات الاقتصادية
إضافة إلى ذلك فإن إزالة الحواجز التجارية والإدارية بين المناطق التي كانت تحت سيطرة قسد والمناطق الحكومية من شأنه أن ينعش التجارة المحلية ويخفف من معاناة السكان الذين تأثروا بالعقوبات والإجراءات التعسفية التي فرضتها بعض القوى المسيطرة في تلك المناطق مما قد يسهم في تحسن الأوضاع المعيشية بشكل تدريجي
التحديات والعقبات المحتملة
رغم ما يحمله الاتفاق من نقاط إيجابية إلا أن تنفيذه على أرض الواقع لن يكون سهلا فهناك أطراف دولية وإقليمية قد تسعى لعرقلته وعلى رأسها الولايات المتحدة التي كانت تعتبر قسد أحد حلفائها الأساسيين في المنطقة وقد لا ترغب في فقدان هذا النفوذ بسهولة كما أن تركيا التي ترى في قسد تهديدا لأمنها القومي قد لا ترحب بهذا الاتفاق خاصة إذا لم يتضمن ضمانات تتعلق بإبعاد العناصر التي تصفها أنقرة بالإرهابية عن حدودها
على المستوى الداخلي فإن نجاح الاتفاق يعتمد على مدى التزام الطرفين ببنوده فالحكومة السورية قد تواجه ضغوطا من بعض القوى الداخلية التي لا ترغب في تقديم تنازلات للأكراد في حين أن بعض المجموعات المسلحة داخل قسد قد ترفض فقدان استقلاليتها وهو ما قد يؤدي إلى توترات تحتاج إلى حلول دبلوماسية وميدانية حكيمة
الاتفاق بين دمشق وقسد يشكل خطوة مهمة نحو إنهاء الانقسام الداخلي وتعزيز وحدة سوريا لكنه يظل مرهونا بمدى قدرة الطرفين على الالتزام ببنوده وتنفيذه بشكل عملي على الأرض فهل يكون هذا الاتفاق بداية لعهد جديد من الاستقرار وإعادة الإعمار أم أنه مجرد خطوة مؤقتة قد تنهار تحت وطأة الضغوط الداخلية والخارجية هذا ما ستكشفه الأيام القادمة
خاص وكالة رياليست – عبدالله الصالح – كاتب، باحث ومحلل سياسي – العراق.