القاهرة – (رياليست عربي): انطلاق الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في المقر الدائم بنيويورك – قال الأمين العام للأمم المتحدة إن جائحة كوفيد-19 كانت أكثر الفترات صعوبة التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية. إذ أدت إلى تعميق التفاوتات وتدمير الاقتصادات وإغراق الملايين في براثن الفقر المدقع.
التصدي للتحديات
افتتح الثلاثاء الماضي الموافق 14 سبتمبر/ أيلول الجاري الرئيس الجديد للجمعية العامة، عبد الله شاهد من جزر المالديف، الدورة السادسة والسبعين، وتحدث عن “القلق الجماعي” شبه العالمي واليأس، وأنه ليس كل ذلك مرتبطاً بالجائحة، قائلاً: “يجب أن يتغير السرد”، وأن تلعب الجمعية العامة “دوراً في ذلك”،وقال إن هذه اللحظة من التاريخ تدعو إلى الأمل قبل كل شيء، لكي نثبت لسكان العالم أننا “ندرك محنتهم … نستمع إليهم… ومستعدون للعمل معاً للتغلب على المشاكل”،وأنه يمكننا أن نجد الشجاعة “للمضي قدماً” و”تطعيم العالم” وتحفيز التعافي من الجائحة بشكل أكثر اخضراراً وشمولية.
حملة تطعيم طموحة
قال الأمين العام للمنظمة إنه تحت قيادة السيد بوزكير، سعت الجمعية إلى “تعزيز النظم الصحية، ونشر اختبار كوفيد-19 والعلاج والمعدات، والمساهمة في حملة التطعيم الأكثر طموحاً في التاريخ”،علاوة على ذلك، قاد العمل الحيوي للجمعية العامة في مجالات السلام والأمن، ونزع السلاح، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة مع الإشراف على اعتماد القرارات الرئيسية بشأن القضايا الرئيسية – من بناء السلام إلى مكافحة الإرهاب ومنع الجرائم ضد الإنسانية – ومعالجة تغير المناخ وإنهاء الاتجار بالبشر، وأضاف الأمين العام: “باختصار، تحت إشراف الرئيس بوزكير” الرئيس الجمعية العامة المنتهية ولايته -تركي الجنسية “أثبتت هذه الجمعية، مراراً وتكراراً، قيمة التعددية والنظام الدولي القائم على القواعد”.
عام صعب غير متكافئ
وفي خطاب صادق قبل اختتام الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة، أشار الرئيس المنتهية ولايته فولكان بوزكير إلى أن فترة ولايته جاءت في خضم “عام مضطرب وتاريخي وتحويلي وغير متكافئ ومليء بالتحديات ورائد”، وأضاف: “منذ اللحظات الأولى لرئاسته، علمنا أن كوفيد-19 سيهيمن على جدول أعمالنا. ومع ذلك، يمكنني الآن أن أقول إنه عزز إيماننا بوجود أمم متحدة أكثر فاعلية وأكثر استجابة”.
قبل تسليم منصبه إلى شاهد، قدم بوزكير سلسلة من التوصيات بما فيها تعزيز الجمعية والتحول من التركيز على الإجراءات “على حساب الجوهر” إلى “جدول أعمال أكثر تبسيطاً ومدفوعاً بالأولوية” وإعطاء الأولوية للأمم المتحدة ككيان واحد يقوم على الاحترام والنزاهة والتقدم”، قبل أن يطرق المطرقة للمرة الأخيرة، دعا بوزكير إلى صمت الصلاة أو التأمل.
القلب النابض للأمم المتحدة
قال السيد غوتيريش في الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة، إن روح الشراكة هذه المتمثلة في قضية مشتركة، هي “القلب النابض لعملنا هنا في الأمم المتحدة”، ومهنئاً شاهد على انتخابه رئيساً للجمعية العامة، أوجز الأمين العام للأمم المتحدة سيرة الدبلوماسي المالديفي الطويلة، مشيرا إلى أنه كونه من جزر المالديف، فإنه يجلب منظوراً جديدا للتجربة الفريدة للدول الجزرية الصغيرة”، وقال “السيد الرئيس، إنني أتطلع إلى التعاون الوثيق فيما نعمل على خدمة ودعم البلدان خلال هذه اللحظة غير العادية من الزمن، والوفاء بالوعود الكبيرة والإمكانيات للنظام متعدد الأطراف والأمم المتحدة”، مؤكداً على دعم أسرة الأمم المتحدة وشراكتها الكاملين.
الأشهر المقبلة حافلة بالفعاليات المهمة
الأمين العام للأمم المتحدة تطرق أيضاً إلى الصراع وتغير المناخ، وتعميق الفقر والإقصاء وعدم المساواة؛ و”جائحة تستمر في تهديد الأرواح وسبل العيش والمستقبل”، وقال: “إن هذه التحديات تزداد سوءاً بسبب الانقسامات التي تخيف عالمنا – بين الأغنياء والفقراء- وبين أولئك الذين يعتبرون الخدمات الأساسية أمراً مسلماً به، وأولئك الذين تظل هذه الضروريات بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال”، وشدد على الحاجة إلى تسريع استجابتنا لكوفيد-19، باللقاحات والعلاج والمعدات للجميع؛ والاستثمار في التنمية البشرية والرعاية الصحية والتغذية والمياه والتعليم؛ والالتزام بأهداف مناخية جريئة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ COP26 في غلاسكو، في نوفمبر/ تشرين الثاني، وقال “الحرب على كوكبنا يجب أن تنتهي. هذه التحديات والانقسامات ليست من قوى الطبيعة. هي من صنع الإنسان”.
كما شدد السيد غوتيريش على الحاجة إلى إعادة الالتزام بقيم الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ودعم أكثر الفئات ضعفاً، والسلام من خلال الحوار والتضامن، “على مدار العام المقبل، كل يوم، دعونا نبقي هذا العالم الأفضل في الأفق. فلنعيش ونتنفس قيمنا في هذه الجمعية وعبر عملنا”، وشدد الأمين العام مخاطباً الرئيس الجديد قائلاً: “الأمانة العامة كلها تحت تصرفكم”.
التحليل والتعليق
يتضح أن الدورة السادسة والسبعين دورة حاسمة في تاريخ المنظمة الدولية، لتناولها ملفات وقضايا تتعلق بكوكب الأرض وحياة الإنسان، بداية من ملف تغير المناخ، والتصحر ونقص المياه، واستمرار التعافي من جائحة كورونا، وكما هو واضح أن مشكلة تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والتي تزداد عاما بعد آخر، والتي تسببت في اندلاع الحرائق في كثير من دول العالم، ألمانيا واليونان وتركيا ولبنان والجزائر وقبرص وإيطاليا، وما نتح عنها من خسائر اقتصادية كبيرة، وعدد كبير من الضحايا، وأن تغير المناخ وارتفاع الحرارة سوف تكون له دواعي كارثية على النشاط والمحاصيل الزراعية، مما يهدد العالم بالتعرض لمشاكل في إنتاج المنتجات والمحاصيل الزراعية، والتسبب في زيادة أعداد النازحين والمهاجرين، نتيجة لزيادة التصحر ونقص المياه والجفاف، وتآكل مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة.
ومع قرب عقد مؤتمر المناخ في مدينة جلاسكو في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، والاتفاق على خفض الانبعاث الحراري الناتج عن النشاط الصناعي العالمي، سيكون من الضروري إصدار حزمة من التشريعات والاتفاقيات الدولية الملزمة للأنشطة الصناعية والزراعية والتجارية، مما سوف يزيد من تكلفة المنتجات تلك الأنشطة وقلتها وارتفاع تكلفتها، وهو الأمر الذي سيزيد من محنه ومعاناة الدول الفقيرة، وخاصة التي يعتمد أغلب اقتصادها ومواردها على الأنشطة الزراعية والاستخراجيةز
هل ستستطيع الدول الفقيرة الانتباه لذلك والوقوف والدفاع عن مصالحها الاقتصادية، أمام طغيان الدول الغنية والمتقدمة؟ أم سوف تظل هي الضحية الدائمة أمام العالم المتقدم، والتي تدفع فاتورة الرفاهية لهم؟ والدليل على ذلك ما قاله منذ أيام قليلة مدير عام منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إن قارة أفريقيا حظيت بنسبة 2 في المائة فقط من جملة أكثر من 5.7 مليار جرعة لقاح تم إعطاؤها على مستوى العالم، وطالب بالمساواة في توزيع اللقاحات في أفريقيا، البالغ عدد سكانها أكثر من 1.2 مليار شخص، حيث أشار تيدروس إلى وصول دولتين فقط في أفريقيا، حتى الآن، إلى الهدف المتمثل في تطعيم 40 في المائة من عدد السكان، وهو أدنى مستوى تطعيم في أي منطقة أخرى من العالم، وبرر ذلك بالقول: “هذا ليس لأن البلدان الأفريقية ليس لديها القدرة أو الخبرة بشأن توزيع اللقاحات. حدث هذا لأن العالم تركها تتخلف عن الركب”، وأوضح تيدروس أن “عدم الحصول على اللقاحات يترك الناس في خطر الإصابة بالأمراض والوفاة على نحو كبير، ويعرضهم لفيروس قاتل- يتمتع العديد من الأشخاص الآخرين حول العالم بالحماية منه”.
فهل تنجح الأمم المتحدة في دورتها الجديدة في إنقاذ كوكب الأرض وماعليه من إنسان ونبات وحيوان، للمحافظة على حياتهم وحياة الأجيال القادمة؟ والقدرة على إصدار قرارات وتشريعات دولية تجعل من الدول المتقدمة تتحمل تكلفة الآثار السلبية والأضرار البئية الجسيمة التي لحقت بكوكبنا نتيجة نشاطهم الصناعي بمختلف مجالاته خلال الحقب الماضية؟ أم ستقوم الدول الصغيرة والفقيرة تحمل تلك الفاتورة؟ علينا الانتظار للدورة القادمة لمعرفة الإجابة، نأمل العدالة والمساواة في الحياة لنا جميعاً، فليس لدينا كوكب آخر.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.