تعيش تونس منذ وقت ليس بالقصير أزمة مركبة على جميع الأصعدة، لكن الوضع السياسي ظل يستأثر بالانتباه، ومن الطبيعي في كل الأزمات، فقد كان التأزم السياسي في تونس وليد أسباب ظرفية ظاهرة للعيان تختبئ ورائها أسباب أكثر عمقاً تُظهر ما خفي عن المتابع لكنها، لا تُخفى عن الباحث المتقصي، ومن الطبيعي أن تكون للأزمة السياسية تداعياتها على البلاد على أكثر من مجال.
أولاً، أسباب الأزمة السياسية
السبب الظرفي
تعتبر مسألة التحوير الوزاري السبب الظاهر في ما حدث، فقد اقترح رئيس الحكومة هشام المشيشي تعديلاً وزارياً، أعفى من خلاله وزراء وعوضهم بآخرين، وقد صادق البرلمان في 26 يناير/ كانون الثاني 2021 على التحوير لكن رئيس الجمهورية قيس سعيد رفض أداء اليمين الدستورية من قبل الوزراء المعينين أمامه وبقيت الوزارات المشمولة بالتعديل في حالة شلل تام قبل أن يقوم المشيشي بوضع وزراء بالنيابة للإشراف على الوزارات المعنية بالتعديل /أ/.
الأسباب العميقة
تُخفي مسألة التعديل الوزاري في واقع الأمر خلافاً كبيراً بين سعيد والمشيشي، هذا الأخير يعتبر أن المشيشي قد قلب ظهر الطاولة له وهو الذي عينه وسماه بنفسه رئيساً للحكومة، في حين يعتبر المشيشي أنه يمارس صلاحياته وفق الدستور ولم يقم بما من شأنه أن يضعه موضع مسائلة، ومسنود بائتلاف داعم له يمثل أكثر من نصف أعضاء البرلمان.
لكن السبب الأكثر عمقاً هو صراع الأفكار الخفي بين سعيد الذي ينظر بمشروع يعتمد على الديمقراطية المباشرة من القاعدة إلى القمة، ويعادي الأحزاب عداءً بيّناً، ويعتبر أن منها من ولّى وانتهى، وقد أمعن سعيد في التنكيل بالأحزاب عندما أتيحت له مبادرة اختيار الشخصية الأقدر لرئاسة الحكومة بعد فشل الحبيب الجملي مرشح حركة النهضة في نيل ثقة البرلمان، فاختار إلياس الفخفاخ الذي كان في ذيل قائمة المرشحين من قبل الأحزاب قبل أن يختار المشيشي الذي كان خارج قائمة ترشيحات الأحزاب بعد استقالة الفخفاخ بسبب شبهة تضارب مصالح، في حين يمثل الطريق الآخر وجه الديمقراطية التمثيلية التي اختارت تونس السير على نهجها منذ 2011.
ونتساءل هنا عن تداعيات ما يحدث على البلاد!
ثانياً، تداعيات الأزمة السياسية على البلاد
احتداد حالة الاستقطاب السياسي
من الواضح أن الأزمة السياسية ستغذي حالة الاستقطاب بين حركة النهضة وحلفائها من جهة والحزب الدستوري الحر في إعادة لسيناريو 2014 بين النهضة ونداء تونس، لكن هذه المرة سيكون أكثر حدة خاصة في ظل غياب اليسار الذي ساهم في التقليل من حدة الاستقطاب في 2014 لكنه في وضع صعب تنظيمياً وسياسياً.
المزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي و الاجتماعي
لقد كان لحالة الانسداد السياسي نتائج ملموسة على الشارع حيث تكاثرت الاحتجاجات وأصبحت خبزاً يومياً للتونسيين، كما قامت “وكالة موديز” بخفض ترقيم تونس السيادي إلى (ب3) مع آفاق سلبية، وفي ظل الوضع الحالي لا يستبعد النزول إلى التصنيف (ج) الذي سيكون بمثابة طرق أبواب الجحيم من قبل تونس، جحيم لن تخرج منه البلاد بسهولة.
بالمحصلة، تبقى هذه الأوضاع قائمة إلى أن يأتي ما يخالف ذلك، لنطرح جميعاً تساؤلات حول توقيت وكيفية الخروج من الأزمة وبأي ثمن سيكون ذلك؟!
خاص وكالة “رياليست” – أمير العقربي – باحث في التاريخ السياسي المعاصر.