قالت وزارة الخارجية إن تركيا عبرت للسفير الروسي عن معارضتها وقلقها بشأن تصاعد العنف في شمال غرب سوريا في الآونة الأخيرة، بعدما قصفت طائرات روسية بلدات قريبة من الحدود التركية ومستشفى في المنطقة، وقالت الوزارة: “عُقد اجتماع مع السفير الروسي لدى أنقرة في الوزارة أمس، ناقشنا الهجمات في سوريا بشكل رئيسي وعبرنا عن قلقنا ومخاوفنا، وركزنا أيضاً على الهجوم على المستشفى”، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وكانت قد قصفت الطائرات الروسية منشأة غاز ومصنعاً للإسمنت وعدداً من المدن والبلدات في مدينة إدلب بالقرب من الحدود التركية.
استثمار الفوضى
لم تدّخر أنقرة جهداً باستدعائها السفير الروسي لدى بلادها، ونقل مخاوفها إلى روسيا، وهي التي لديها خط ساخن ومباشر مع الدولة الروسية لتنقل تلك المخاوف دون الحاجة إلى استدعاء السفير أو الملحق العسكري الروسي حول هذا الأمر، خاصة أنه ليس بجديد، ما يبين استغلال تركيا للظروف الدولية الحالية والمتوترة أساساً بين موسكو وواشنطن وحتى بكين أيضاً، إذ أن استدعاء السفير الروسي هي لفت نظر بطريقة غير مباشرة للأمريكي لتحميل روسيا مسؤولية العزف على وتر قتل المدنيين، وبالتالي تصعيد الحدث ليأخذ زخماً أكثر من حجمه الطبيعي، هذا من جهة.
من جهة ثانية، كانت قد أعلنت وزارة الدفاع الروسية تدمير كهوف ومغارات تحت الأرض من قبل خبراء المتفجرات من القوات الروسية، كان يستخدمها المسلحون كمستودعات وتحصينات في إدلب، وهذه الكهوف والمغارات موجودة من قبل العام 2018، وتم رصدها ويقدر عددها بـ 10 كهوف، كان قد تم تدمير قسم منها في وقت سابق، وكان من يتحصن بها فصيل “جيش العزة” الموالي لتركيا، والرافض للهدنة واتفاق وقف التصعيد والمسؤول عن عدد من الهجمات على القوات الروسية والسورية معاً، وفي تسلسل زمني للأحداث لتعرية النظام التركي حيال دوره وموقفه الأخير خاصة مع الشريك الروسي ليس فقط في الملف الروسي بل في عددٍ من الملفات الأخرى، لم يعلق أبداً على الهجمة الأخيرة التي استهدفت دورية عسكرية روسية قيل إن فيها ضابط روسي رفيع المستوى تم استهداف عربته من قبل الفصائل الإرهابية الموالية له، وقبلها استهداف دورية عسكرية على طريق حلب – اللاذقية الدولي أو ما يُعرف بطريق M-4، فقد تحدثت أوساط إخبارية حينها أن الدورية التركية تأخرت عن اللحاق بالدورية الروسية عمداً، وكأنها على علم بمسألة الاستهداف، أيضاً استهداف القاعدة العسكرية الروسية الواقعة على مقربة من منطقة عين عيسى بريف الرقة التي تتعرض الآن لهجوم ممنهج من قبل القوات التركية، وكانت قد عللت أنقرة أن الاستهداف خطأ غير مقصود.
هذه الأمور وغيرها الكثير من الخلافات التركية – الروسية بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة، وبدأت تتكشف النوايا التركية والشراكة الحقيقية لها.
الخلاف الروسي – التركي
روسيا لا تعبر صراحةً على أن هناك خلافات مع تركيا، لكن مؤخراً، قامت القوات الروسية برصد عشرات الخروقات للفصائل الإرهابية الموالية لتركيا في إدلب، وآخرها رصد تحركات لهيئة تحرير الشام عن نيتها القيام باستفزاز هجوم كيميائي واتهام الجيش السوري، كل هذه الأمور لم تراها أنقرة، بل رأت أن هناك تصعيداً في ادلب التي تضم عشرات الآلاف من التنظيمات الإرهابية المسلحة ومن جميع الجنسيات، إذ ليس أفضل لتركيا اليوم من إشغال العالم مجدداً بإدلب للاستفراد بمنطقة عين عيسى الاستراتيجية والسيطرة عليها نظراً لما تشكله من أهمية بالنسبة للطريق الدولي M5 وقربها من منبج وجرابلس في ريف حلب.
وبنفس الوقت إن الهجمات الروسية على مناطق تواجد الإرهابيين لا تتم بطريقة عشوائية وإنما بعد رصد وحدات الاستطلاع الروسية لتحركات مريبة في مناطق من الشمال السوري، وخاصة مناطق الكهوف والمغارات الآنفة الذكر.
أخيراً، إن تركيا على الرغم من قولها إنها تريد الانفتاح إقليمياً على الدول الكبرى مثل مصر والسعودية، لكن هذا الانفتاح عبارة عن استخدام وقت بدل الضائع، هي تريد أن تضمن مكاسب في كل اتجاه، لتعويض الخسائر المحتملة، لأنها فعلاً بدأت تخسر حلفاؤها الإقليميين وإلى حد ما الدوليين، وانكشفت كل أطماعها، ولم تعد شريكاً موثوقاً به، وبالتالي، على الرغم من المصالح المشتركة بينها وبين روسيا، لكن مصلحة موسكو اليوم كامنة في سوريا، خاصة وأن شركات روسية قد وقعت عقود تنقيبٍ عن الغاز في السواحل السورية، ما يعني أنه وإن كانت روسيا باحثة في كل هذا التدخل عن مصالحها، يبدو أن تركيا لم تعد مصلحة كبيرة لها.
فريق عمل “رياليست”.