دعا الرئيس الإيراني، حسن روحاني، العراق لتحرير أموال إيران المحتجزة ضمن العقوبات الأميركية عليها، مشيراً إلى أن مليارات الدولارات من العملات الأجنبية الإيرانية تم تجميدها في البنوك العراقية، وخلال اتصال هاتفي جمعهما، أوردت تفاصيله الرئاسة الإيرانية في بيان لها، أكد الكاظمي حرص بلاده على العمل لرفع العقوبات الأمريكية عن إيران، طبقاً لوكالات أنباء.
وأضاف البيان، (خلال الاتصال شدد روحاني على ضرورة الإفراج الفوري عن احتياطيات النقد الأجنبي الإيراني في العراق، مشيراً إلى أن مليارات الدولارات من العملات الأجنبية الإيرانية تم تجميدها في البنوك العراقية بشكل غير قانوني، وأنه على الرغم من الوعود المتكررة من قبل المسؤولين العراقيين، فإن الموارد الإيرانية لم يفرج عنها بعد).
لماذا الآن؟
بكل وضوح إن الشأن الداخلي العراقي، لايزال محكوماً بالتدخلات الأجنبية في كثير من جوانبه، خاصة الشأن الاقتصادي، إذ أن مسألة استيراد العراق الغاز والكهرباء الإيراني الذي يشكل ثلث احتياجاته، بسبب بنيته التحتية المتقادمة التي تجعله غير قادر على تحقيق اكتفاء ذاتي طاقي لتأمين احتياجات سكانه، حيث أعفت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة المركزية في بغداد من استيراد الطاقة الإيرانية، ريثما تجد بديلاً عنها بعد فرض العقوبات عليها منذ العام 2018. وبالتالي هناك عقود مبرمة بين الجانبين الإيراني والعراقي، حيث تقول طهران إن بغداد مدينة لها بمبلغ 5 مليارات دولار مقابل تصدير الغاز، وأنه سيتعين عليها دفع مليار دولار، مقابل التأخير في سداد ديونها أيضاً، هذا من جهة.
من جهة أخرى، إن الحديث عن رفع اليد عن الأصول الإيرانية المجمدة في العراق، بسبب العقوبات الأمريكية، يأتي في وقت بدأ تستثمر فيه إيران الموقف الغربي من ملف الاتفاق النووي خاصة وأن الجهود الدبلوماسية فشلت في تحقيق أي تغيير لهذه الأزمة بسبب تمسك طهران بموقفها، إنما الجديد فيها هو سحب كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا مشروع قرار ينتقد إيران بسبب تقليصها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي رحبت به الولايات المتحدة معربة عن أنه من الممكن أن يكون بادرة جيدة لإعادة الحوار والعودة إلى التفاوض، هذا الأمر تلقفته إيران جيداً، واستثمرته مباشرةً فإن لم تسمح واشنطن للعراق بأن يسلم الحكومة الإيرانية نقدها الأجنبي، فستبقى تماطل بما يتعلق بالملف النووي، وستعتبر أن الإفراج عن أصولها هي بادرة حسن نية من قبل واشنطن، وهنا يبقى الدور على الإدارة الأمريكية الجديدة إن أرادت تحقيق الوصول إلى حل، من الممكن أن تقايض هذا الأمر بقبول طهران الحوار، فلن يكون هناك وقت أنسب من هذا الوقت للمطالبة بالأموال الإيرانية، رغم أن هذه القضية وخلال الأشهر الماضية دفعت عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني، إلى زيارة بغداد مرتين في الأشهر الأخيرة لإيجاد طريقة لتسوية الديون الإيرانية على العراق.
هل تسمح واشنطن بالإفراج عن الأموال الإيرانية؟
كما أشرنا أعلاه، من الممكن أن تسمح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإفراج عن هذه الأموال كبادرة حسن نية، لدفع عملية مفاوضات الاتفاق النووي إلى الأمام، وهو أمر متوقع، في ضوء ترحيبها بسحب الدول الأوروبية الثلاث مشروع قرار ينتقد إيران بسبب تقليصها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبمطلق الأحوال، كل المؤشرات الحالية تذهب لصالح طهران، بينما العراق سيكون في المنتصف، فالمفاوضات الجارية بينه وبين إيران في هذا الخصوص لن يستطيع حسمها لوحده ما لم توافق واشنطن عليها.
وبالتالي، يبدو أن هذا العام هو عام الحظوظ بالنسبة لإيران فما إن تحصل على نقدها من بعض الدول التي جمدت أصولها بسبب العقوبات حتى نجد أن هناك مواقف كثيرة ستتغير، فها هي اليوم تمسك بخمسة ملفات معاً، في مواجهة أمريكا، وهم الملف العراقي والسوري واللبناني واليمني والملف النووي، وإلى حد ما الأزمة اليمنية أمسكت بزمامها إيران، وبالتالي يكون صعود الديمقراطيين في أمريكا كما في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما جاء لصالح إيران مرةً أخرى في عهد بايدن.
أخيراً، إن مطالبة إيران بأموالها في هذه التوقيت من العراق، يبين أنها إلى حد ما مسيطرة على القرار العراقي لكن ليس من الناحية الرسمية، على الرغم من أن البيان الإيراني مرر رسالة غير مباشرة وهي أن (ندد روحاني في اتصاله بالكاظمي بما وصفه بـ نشاطات بعض الجماعات التي تخل بأمن العراق ولا تخدم مصالح البلدين”. معبراً عن استنكار إيران لهذه النشاطات التي “لا تخدم مصالح البلدين، ولا استقرار المنطقة وازدهارها وتقدم شعوبها)، وتفسير ذلك إخلاء مسؤوليتها أمام واشنطن، وبالتالي هذا الأمر لن يكون طويل المدى حتى يتبين إذا ما كان هناك اتفاقيات ومفاوضات جارية بعيدة عن الإعلام لأن الغزل بين الخصمين واضح جداً.
فريق عمل “رياليست”.