يبدو جلياً بان الحرب على الارهاب في سورية بدأت بالتلاشي مع الإعلان عن اجتثاث الارهاب من اّخر معاقله في الشمال الغربي لسورية وتحديداً في الريف الغربي لمدينة حلب ومدينة ادلب واريافها بشكل عام وصولاً الى ريف اللاذقية , وعلى الرغم من ان نتائج السنوات التسع السابقة من الحرب على سورية لم تحقق الهدف الاستراتيجي من اعلانها الذي بدا ظاهره وكالعادة في حروب الجيل الجديد والمتمثلة بنشر الديموقراطية والعدالة الانسانية واسقاط الديكتاتوريات والدفاع عن حقوق الانسان فان هذه الشعارات التي يراد منها باطلاً بكل تأكيد لان هدفها الحقيقي هو السيطرة على منطقة مهمة للغاية في الشرق الاوسط وغنية بكل ماتعنيه الكلمة ليس فقط بالثروات الطبيعية والموقع الجغرافي المهم وانما يضاف الى ذلك انعدام مديونياتها الخارجية ” قبل بدء الحرب ” والاكتفاء الذاتي اضافة الى توفر اليد العاملة المؤهلة والمدربة والمختصة والرخيصة نسبياً في نفس الوقت , وضمن هذه الشروط مجتمعة يجعل من الانقضاض على سورية امراً غير مكلف على الاطلاق لتلك الدول التي خططت ورسمت للاستيلاء على سورية وتقسسيمها وثرواتها كغنيمة حرب للدول التي دعمت تلك العملية عبر ادوات ارهابية رخيصة جمعتها من مختلف اصقاع الارض لتكون الوسيلة الاساسية لاحتلال سورية دون تكبد اية خسائر بشرية من تلك الدول على اقل تقدير اضافة الى عدم تحمل اي عبء مالي لتنفيذ هذه المهمة التي اضحت مستحيلة اليوم لان اعباء هذه الحرب تحملتها ومولتها دول العباءات الخليجية وتحديداً عبر الدولار النفطي لتلك الدول .
مع بداية العملية العسكرية الاخيرة للجيش العربي السوري وحلفائه واصدقائه في الشمال الغربي لسورية بدأت الانقسامات واضحة للعيان بين مخططي الحرب على سورية وادواتهم ومموليهم لان الغالبية العظمى منهم ايقنت بان الانخراط في مجابهة مباشرة والاصطدام مع الجيش العربي السوري وحلفائه واصدقائه لن تؤدي الى اية نتائج ايجابية لصالح تلك الدول وانما ستقتصر فقط على اطالة عمر الحرب قليلا ولاشيء اكثر ولذلك نرى بان تلك الدول أخذت تنسحب من الملف السوري وبشكل سريع نسبياً ربما والضغط باتجاه توريط تركيا بشكل مباشر وربما عبر تشجيعه ” فقط بالتصريحات ” لخوض مواجهة مباشرة وعلى الاراضي السورية تحديداً ” لعدم تفعيل المادة الخامسة من اتفاقية حلف الناتو ” لتحقيق عدة اهداف باّن واحد ومن اهمها الانتقام من الرئيس التركي الذي كان يلعب وطوال فترة الحرب على عدة جبهات في اّن واحد وعملية استبزازه لجميع الاطراف وطلبه الوقح بالخوة من الاتحاد الاوربي على احتواء اللاجئين السوريين على اراضيه وتهديده بفتح ابواب تركيا لهم للانتقال الى دول الاتحاد الاوربي ومع ملاحظة ان الرئيس التركي يطلب فقط تعويضه عن اللاجئين فقط من الاتحاد الاوربي ولم يطلب سنتاً واحداً من الولايات المتحدة او من حليفه القطري , وهو على استبزاز دائم لروسيا الاتحادية التي كان لها دوراً هاماً وعبر سلاحها الجوي الذي لعب الدور الاهم في تحرير معظم الاراضي التي سيطرت عليها العصابات الارهابية فقبلت روسيا هذا الابتزاز التركي فدعمت تركيا اقتصادياً عبر اطلاق خط السيل التركي بفرعيه لنقل الغاز الى تركيا وجنوب اوربا , وعسكرياً من خلال توريد منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة ” اس 400 ” اضافة الى فتح الاسواق الروسية للبضائع التركية من جديد بعد ان اغلقتها في العام 2015 ابان اسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية وكذلك اعادة فتح الباب للسياح الروس لقضاء عطلاتهم على الشواطىء التركية .
إلا ان الرئيس التركي يبدو انه يتلقف تلك الخطوات الروسية بشكل خاطىء للغاية فهو يعتبر بانه في موقع قوة لذلك فهو يفرض شروطه وبشكل مفرط للغاية اضافة الى عدم التزاماته باي شق من اي اتفاق بينه وبين روسيا او حتى مع الاتحاد الاوربي الذي يعتبر حليفه ايضاً في حلف الناتو , ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب بل انه أخذ باطلاق التصريحات الاستفزازية ضد روسيا وخاصة فيما يتعلق بزيارته الاخيرة لاوكرانيا وتصريحاته حول شبه جزيرة القرم والتي يعلم هو نفسه بان تصريحات كهذه لن تقدم ولا تؤخر على الواقع اي شيء وانما هي استفزازات لروسيا لااكثر ولا اقل , اضافة الى انتقاداته واختلافاته مع فرنسا تحديداً بما يخص الموضوع الليبي والموت السريري لحلف الناتو الذي يعتقد فيه اردوغان المخلص الوحيد له في حال دخوله بمواجهة مباشرة وعلى الارض السورية مع الجيش العربي السوري .
نعم ان سياسة الصفر مشاكل التي اشهرتها تركيا ابان رئاسة احمد داوود اوغلو لمجلس الوزراء التركي لم تتغير رغم خروجه من رئاسة الحكومة وخروجه حتى من حزب اردوغان ” العدالة والتنمية ” او ” الاخوان المسلمون ” اذ نجد بان الصفر مشاكل وصلت تقريباً الى 100% مشاكل بين تركيا واغلب دول العالم باستثناء بعض الدول التي تنتمي الى ايديلوجية الاخوان المسلمين والتي يعلق عليها كثيراً الرئيس التركي لضمان تأيده ودعمه ودعم مواقفه وكانه يحاول ان يشكل منهم ومعهم قطباً عالمياً يحسب له حساب وتنصاع اليه حتى الدول العظمى ” احلام اردوغان العثمانية ” .
لقد شكلت الحماقات السياسية التركية التي يتبعها اردوغان سبباً وجيهاً للغاية لكل القوى التي تعاملت معه واعتمدت عليه لتحقيق اهدافها ” فامريكا والاتحاد الاوربي اعتمدوا عليه كرأس حربة للسيطرة على سورية , وروسيا اعتمدت عليه كرأس حربة لتخليص سورية من الارهاب ومنع سقوطها ” اساساً متيناً للالتفاف عليه ومحاولة التخلص منه ومن سياساته وفي اقرب فرصة ممكنة , على الرغم من ان اردوغان ربما يعي جيداً بهذه الحقيقة ولكنه يتستر على ذلك لان اي تراجع عن حماقته وانكفائه وعودته الى الداخل التركي يعني الاصطدام المباشر بالمشاكل الداخلية التركية سواء كانت السياسية او الاقتصادية والاجتماعية وكذلك سيواجه ديكتاتوريته التي زج من خلالها في السجون التركية عشرات الالاف من عناصر وضباط الجيش التركي وكذلك المثقفين والقضاة اضافة الى المسألة الكردية التي حاول تجميده في الفترة السابقة فلابد الا وتعود الى الظهور مرة أخرى وبشكل اقوى وأقدر على تحقيق اهدافها والتي سيكون اولها اخراج اردوغان من الحياة السياسية على اقل تقدير .
ان الرئيس اردوغان يحاول في ايامنا هذه الهروب الى الامام وفتح جبهة جديدة في محاولة منه لتعويض الخسائر في سورية وكذلك في العراق فهو يحاول فرض نفسه لاعباً قوياً في ليبيا من خلال دعمه لحكومة فايز السراج الاخونجية والتي سيلعب فيها اردوغان نفس الدور الذي لعبه في سورية عبر تأمين وصول الارهابيين من سورية على وجه الخصوص الى الاراضي اللييبيةوكذلك عبر اتفاقه مع ادارة ترامب لنقل المزيد من الارهابيين السوريين سواء اولئك الدواعش القابعين في سجون مايسمى بقوات سورية الديموقراطية او مايستطيع نقله من الارهابيين المنتمين لجبهة النصرة والذين اصبح مصيرهم محتوماً من خلال العمليات العسكرية للجيش العربي السوري وحلفائه واصدقائه , فيأخذ اردوغان على عاتقه نقل الارهابيين من ادلب في مقابل ان يأخذ ترامب على عاتقه الارهابيين من الشمال الشرقي لسورية ويكون اللقاء الحميم في ليبيا والتي ستسمح لاردوغان وترامب من جديد ممارسة عملية الاستثمار في الارهاب للانقضاض على ليبيا من جهة ولمتابعة استبزازهما لاوربا من جهة اخرى وتهديد مصالحها ولكن هذه المرة عبر البوابة الجنوبية للاتحاد الاوربي اضافة الى حلم اردوغان وترامب ان تكون ادواتهما الارهابية مدخلاً لمتابعة الاستثمار بهم في العمق الافريقي انطلاقاً من الاراضي الليبية .
لذلك نستطيع القول بان طوق النجاة اليوم الذي يقدمه ترامب لاردوغان ومرتزقتهما بنقل الارهابيين الى ليبيا يبقى الخيار الوحيد امامهما لضمان بقاء اردوغان في سدة الحكم ” وهذه المرة بمباركة امريكية فقط لغاية في نفس ترامب ” ولكن ترامب يعرف تماماً من هو اردوغان وبراعته بتوجيه الضربات من الخلف لذلك سيستخدمه للعبور الى ليبيا مع المرتزقة المدعومة من كلا الطرفين ولكن سرعان ماسيتخلى ترامب عنه سواء نجحا في مهمتهما الجديدة ام فشلا ليصبح في نهاية المطاف التخلص من اردوغان على اقل تقدير سياسيا وربما جسدياً غاية هامة لجميع الاطراف , فهل يعي اردوغان هذه الحقيقة ام انه سيبقى المغامر والمقامر ولكن هذه المرة بحياته السياسية وربما الوجودية .
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور فائز حوالة – موسكو