قالت الولايات المتحدة: إنها تشعر بغضب من الهجمات الصاروخية الأخيرة على قوات التحالف وغيرها من القوات في العراق لكنها أكدت أنها ستختار الوقت والمكان المناسبين للرد، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين “رأينا التقارير عن الهجوم الصاروخي اليوم… كما قلنا لكم بعد الهجوم المأساوي في أربيل، نحن نشعر بغضب إزاء الهجمات الأخيرة”، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وأوضح برايس أن الولايات المتحدة لم تحدد بعد الجهة المسؤولة عن هجوم الأسبوع الماضي على مجمع مطار أربيل الدولي الذي أودى بحياة متعاقد كان يعمل مع القوات الأمريكية في قاعدة عسكرية بالمجمع، وعادة ما تطلق الصواريخ في مثل هذه الهجمات جماعات يقول مسؤولون أمريكيون وعراقيون إنها مدعومة من إيران.
نقل الصراع
إن الهجمات المتكررة في الساحة العراقية من فصائل مسلحة، في غالبيتها مدعومة من جانب إيران، فهذه الأذرع الإيرانية تعمل بأوامر مباشرة من طهران، لكن لماذا؟ من المعروف أن العودة إلى الاتفاق النووي، هي قاب قوسين أو أدنى حول التوصل إلى صيغة نهائية، لكن إيران متمسكة بشرط إلغاء العقوبات المفروضة عليها، وهو الأمر الذي لم تحسمه واشنطن بعد، وهذا يعيدنا إلى مرحلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، فلو حدثت هذه الهجمات في عهده، لأعلن فوراً أنها إيرانية، ولبادر بالرد بشكل حازم، على عكس خلفه جو بايدن الذي يعتمد أسلوب الحرب الناعمة والمهادنة تحقيقاً لمصالحه، فهو لا يريد أن يعطي الذريعة لإيران لنشر الفوضى في العراق، وعليه من يقرأ ما بين السطور بتصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، يتأكد أن أمريكا لن تنجر إلى ما تريده إيران.
وبالتالي، إن الهجمات الصاروخية ليست عبثية فهي مدروسة ودقيقة ولا تستهدف إلا أماكن البعثات الدبلوماسية والقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي، ما يعني أنها رسائل إيرانية بامتياز، وتفسيرها، إن لم تقم واشنطن بإلغاء العقوبات فسيتم إشعال العراق، وقلب الطاولة على الجميع، لكن لماذا الصراع في العراق رغم وجود ساحات ساخنة أخرى؟
أولاً، إن الحكومة العراقية اليوم عاجزة عن توفير الأمن اللازم لعموم بلادها، فمنذ أن استلم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منصبه، كان قد وعد بسحب السلاح المتفلت، لكنه لم يستطع وهذا عجز واضح وتم استثماره من الجانب الإيراني.
ثانياً، الولاءات الخارجية للأحزاب والتيارات العراقية للقوى الإقليمية والخارجية، عوامل شجعت الفوضى ونشرتها، أيضاً، وهو أيضاً عامل مفيد لطهران.
ثالثاً، تنفيذ الهجمات الصاروخية على أهداف حساسة في غالبيتها “أمريكية” هي استمالة لجر الأمريكي للرد وجعل العراق ساحة مواجهة، أيضاً، هذا من شأنه أن يأخذ الأمور إلى اتجاهات لا ترغب بها واشنطن في الوقت الحالي، لكنه أمر رابح لطهران.
استمرار التصعيد
مخطئ من يعتقد أن الهجمات التي تنفذها الميليشيات المسلحة ستتوقف إن حدث نوع من التفاوض الأمريكي – العراقي، مثلاً كتحقيق هدنة معينة، فطالما الصراع الإيراني – الأمريكي مستمر، التصعيد في العراق مستمر وضمن نطاق ذات الأهداف، فلقد أعلنت طهران خطوطها الحمراء ومنها عدم الخوض في مسألة تطويرها للصواريخ الباليستية وهو الأمر الذي له علاقة وصلة بأمنها القومي، فالملفات التي سيتم التفاوض حولها هي الملف السوري واليمني واللبناني (حزب الله) وبالطبع الملف العراقي.
النتيجة في هذا الحالة هو تصعيد الموقف السياسي في العراق، وإحداث حالة من الاضطراب والانفلات الأمني، بما ينعكس سلبياً على الوضع العام داخل الأراضي العراقية ويشكل حرجاً سياسياً وأمنياً لحكومة الكاظمي المطالبة دولياً بتوفير الأجواء الملائمة واتباع الإجراءات بالحفاظ على المواقع والمقرات التابعة للتحالف الدولي، وسيبقى هذا الحال على ما هو عليه حتى يحدث الاتفاق النهائي بين واشنطن وطهران، وفي هذا الجانب لا زالت الولايات المتحدة تمنح أهمية عليا للحكومة العراقية رغم يقينها أنها لا تستطيع فعل شيء، فعند الوصول إلى العجز التام والشامل سيكون الأمر أصبح مرتبطاً برد من قبل قوات التحالف الدولي أو حلف شمال الأطلسي – الناتو.
أخيراً، إن المشهد العراقي هو ذاته لم يتغير منذ العام 2003، رغم تعاقب عدد من الحكومات، لكن الفصائل المسلحة زادت قوة وتسلحاً على حساب الأمن العام للبلاد، وزاد التمدد الإيراني في الداخل العراقي، وفعلاً إن العراق تشكل خاصرة رخوة للولايات المتحدة الأمريكية، وبطريقةٍ ما استطاعت إيران الضغط على أمريكا في هذا الأمر، نظراً لما تشكله العراق من أهمية لواشنطن، لكن السياسة الناعمة التي يتبعها الرئيس بايدن ستحدد أن واشنطن سيأتي وقت وتعلن فيه نفاذ صبرها، فمن غير المعروف كيف ستنتهي الأمور بين الفريقين الإيراني والأمريكي، فإن كسبت إيران جولة، لكن المعركة لم تنتهي بعد.
فريق عمل “رياليست”.