قال البيت الأبيض إن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أبلغ نظيره الأفغاني في اتصال هاتفي أن الولايات المتحدة ستراجع اتفاقية السلام المبرمة مع حركة طالبان العام الماضي، طبقاً لوكالات أنباء.
وكانت قد وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً في فبراير/ شباط الماضي اتفاقاً مع طالبان مما قد يمهد الطريق نحو انسحاب كامل للقوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهراً، ويمثل خطوة نحو إنهاء الحرب المستمرة منذ 18 عاماً.
يترقب العالم اليوم ترتيبات البيت الأبيض للسياسة الخارجية الأمريكية مع استلام الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مقاليد الحكم، خاصة مناطق الصراعات في الشرق الأوسط وأفغانستان، فهل سيستمر بايدن ما بدأه سلفه ويكمل الإنسحاب من أفغانستان؟ وكيف ستقيّم الإدارة الجديدة اتفاقية السلام مع طالبان وسط تزايد أعمال العنف مؤخراً رغم اتفاق الدوحة الأخير؟ وهل يمتلك بادين خطة واضحة تجاه بلد أنهكته الحروب؟
ميراث ثقيل
مع دخول بايدن للبيت الأبيض ورث ملفات ثقيلة، لكنه رغم ذلك سارع منذ الساعات الأولى إلى إلغاء عدد من القرارات التي كان قد وقعها سلفه دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، معتبراً أنها أضرت بالسياسة الخارجية الأمريكية، واعداً بفتح صفحة جديدة في إطار ما أسماه “قيادة عالم ديمقراطي، واستعادة الاحترام للسيادة الأمريكية في العالم”، فكانت البداية إعلانه إنهاء الحروب التي لا نهاية لها، أي في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، لكن هذا الأمر ليس بجديد إذ بدأ به ترامب مع حركة طالبان، في مفاوضات استمرت 18 شهراً، تخللها بعض العراقيل، التي تجاوزوها إستكمالاً للاتفاق الذي يقضي بدايةً بتقليص عدد الجنود الأمريكيين من 13 ألفاً إلى 8600، في غضون 135 يوماً من توقيع الاتفاق وذلك حتى الانسحاب الكامل في الربيع المقبل.
في متابعات التصريحات التي خرجت عن بادين، والتي حضرت بقوة في حملته الانتخابية، لإنهاء الحرب الأفغانية، رغم أنه كان من المهتمين ومن المتابعين لهذا الملف في مناصبه السابقة سواء عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أو من خلال منصبه في مجلس الشيوخ الأمريكي لسنوات عديدة، ما يعني أن شبح الحروب اليوم أثقل كاهل الولايات المتحدة، خاصة تلك الحروب التي لا طائل منها، والتي يتعرض فيها الجنود لمخاطر عديدة، وبالتالي تشير التوقعات إلى الحفاظ على هذا الاتفاق مع طالبان على الأقل في الفترة الحالية حتى إيجاد خطة بديلة تستطيع واشنطن فيها استمرار وضع اليد على هذا البلد دون أن تقدم في المقابل شيء، خاصة وأن توقعات كثيرة تتجه إذا ما نسف الاتفاق إلى دخول أفغانستان في دوامة عنف وبوادر حرب أهلية.
اتفاق “مهدد” بالفشل
قد يكون اتفاق السلام مع طالبان هو الملف الأهم الذي اعتنى به ترامب من بين كل القضايا التي عمل عليها، لكن ورغم ذلك لم يحقق هذا الاتفاق السلام المنشود مع تصاعد أعمال العنف والتفجيرات والاغتيالات، في وقت يتم فيه دراسة تخفيض عدد الجنود، لكن الوضع قد لا يسمح بذلك على المدى المنظور، فعلى الإدارة الجديدة إن قررت الإنسحاب أن تضع بدائل وتدرس معطيات الظروف الحالية كي تخفف من العنف الدائر في البلاد، ومن المعروف أن بادين كان قد عارض زيادة عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان عندما كان في إدارة أوباما بين عامي 2008 و2009، مفضلاً الانسحاب من الحرب، كذلك كان من المؤيدين للانسحاب من العراق.
لكن اليوم المعطيات على الأرض تختلف عما كان الوضع عليه سابقاً، فعلى الرغم من تعهد طالبان بعدم إيواء إرهابيين، لكن الواقع يقول إن دوامة العنف الأخيرة تقول العكس، حيث تكثفت هجمات طالبان ضد المدنيين الأفغان وقوات الأمن، ما يعني أن الحركة لم تنفذ الاتفاق من جانبها، وهو أمر على بايدن وإدارته دراسته جيداً، خاصة وأن القلق كبير من تصاعد للأعمال الإرهابية، بايدن اليوم يريد التركيز على الضربات المحددة، معتبراً أن دور الولايات المتحدة يجب ان يقتصر على هذا الأمر. لكن كل ذلك كان عندما لم يكن رئيساً للولايات المتحدة، هناك دولة عميقة ستبت في الكثير من القرارات حتى ولو كان بايدن يختلف معهم فيها، لكنه ملزم بتنفيذها، وبالتالي يقلل ذلك من فرضية الانسحاب الكامل وحتى الجزئي إلى حدٍّ ما، على الرغم من أن الاتفاق كما أشرنا أعلاه يقضي بالانسحاب الكامل، وهو أمر تنتظره طالبان مع حلول الربيع المقبل، ما يضع الإدارة الجديدة أمام تحدٍّ جديد في ضوء المخاوف المذكورة أعلاه.
آلية العمل
في بيان لحركة طالبان، مما جاء فيه: “الجماعة تود أن تؤكد للرئيس الأمريكي الجديد والإدارة المستقبلية، أن تنفيذ الاتفاقية هو الأداة الأكثر منطقية وفعالية لإنهاء الصراع في أفغانستان”، لكن المؤشرات على الأرض تقول عكس ذلك، فالإدارة ستركز في تعاطيها مع هذا الملف على محاربة تنظيمي القاعدة وداعش، وهو أمر سيؤجج مشاعر الحركة من خلال ردود فعل انتقامية، ولا يعطي ضمانات كافية للحكومة الأفغانية حول ما إذا كانت ستشهد هي الأخرى هجمات كما الوضع سابقاً.
وربطاً مع الدور الإيراني في أفغانستان والذي قد يعرقل تطلعات بايدن وإدارته لمسألة استكمال الانسحاب على الرغم من النوايا الأمريكية الجديدة تجاه مستقبل العلاقات مع إيران خاصة فيما يتعلق بموضوع الملف النووي، لكن المسألة الأفغانية معقدة ولا يمكن للانسحاب أن يتم دون خطة سلام فاعلة على الأرض، وهذا الذي يخشى منه الجميع لصعوبة تطبيقه على أرض الواقع.
أخيراً، يرى بايدن أن الحل صعب جداً في أفغانستان وكان قد وصف ترامب الوضع فيها على أنه “حرب عقيمة”، فهذا البلد من المستحيل أن يتحد، ومن المستحيل أن ينتهي العنف فيه، فقد تتجه أفكار إدارة بايدن الجديدة نحو الفيدرالية على غرار مقترحه في العراق حول تقسيمه إلى ثلاثة أقاليم، وبالتالي هذه الفكرة إذا ما أبصرت النور، فإن اتفاق السلام لا مجال لتحقيقه، وسينهار البناء الذي بدأه ترامب، وبالتالي فكرة تقسيم أفغانستان ستجعل الإرهاب هو الحاكم فيها، لكن كل هذه الأمور تبقى فرضيات إلى أن تخرج الإدارة الجديدة بالدراسة التي تتطلع أفغانستان إليها لتعرف هي الأخرى ماذا ينتظرها في عهد الرئيس الأمريكي الجديد.
فريق عمل “رياليست”.