الرياض – (رياليست عربي): في مقابلة مع الدبلوماسي الأمريكي السابق، والرئيس السابق للبعثة في السفارة الأمريكية في الرياض ديفيد رونديل، حول عملية الإصلاح والتحديث في المملكة العربية السعودية ، والتغيرات في العلاقات السعودية الأمريكية، وأهداف السياسة الخارجية للرياض، وتوثيق العلاقات مع الصين وروسيا، قال الدبلوماسي الأمريكي، لـ WORLD GEOSTRATEGIC INSIGHTS:
أولاً، أنت أحد الخبراء الأمريكيين الرائدين في المملكة العربية السعودية، في كتابك “رؤية أم ميراج، المملكة العربية السعودية عند مفترق الطرق“، تقدم نظرة عامة فائقة على المشهد السياسي والديني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للمملكة، وتشرح أيضاً ديناميكياتها الداخلية الخاصة والقيم التي تجعل المملكة العربية السعودية غريبة جداً للأنظمة الغربية.
تحت زخم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تشهد المملكة العربية السعودية تغييرات ملحوظة، مع محاولات لتنفيذ إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى وإسلام أكثر تسامحاً ما الذي تعتقد أنه من المرجح أن يحدث: هل سيكون لرؤية التحديث التي وضعها محمد بن سلمان تأثيراً دائماً في البلاد أم أنها ستكون سراباً؟ كيف ستبدو المملكة العربية السعودية في المستقبل؟
ديفيد رونديل: في عام 2015، كانت المملكة العربية السعودية عبارة عن سفينة بخارية تتجه نحو جبل جليدي، كان الاقتصاد يعتمد كلياً على النفط وكانت ميزانية الحكومة متدنية للغاية، وكانت بطالة الشباب مرتفعة ومتنامية، جاب الحراس الدينيون، المعروفون باسم المتطوعين، الشوارع لفرض رؤيتهم للأخلاق، وتم استبعاد النساء إلى حد كبير من سوق العمل، اليوم تغير كل هذا تقريباً.
عندما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن رؤية 2030 في عام 2017، كانت إلى حد بعيد خطة التنمية الأكثر طموحاً التي وضعتها المملكة على الإطلاق، تمت صياغة الخطة من قبل مئات من أفضل وأغلى مستشاري الإدارة في العالم، لكن محمد بن سلمان اتخذ القرارات النهائية، وعندما كتبت كتابي، لم يكن واضحاً على الإطلاق ما إذا كانت هذه رؤية جديدة أم سراباً مضللاً، الآن يمكن ملاحظة أنه لم يكن سراباً.
لقد تم اتخاذ قرارات صعبة تم تأجيلها لسنوات، وفرضت الضرائب على المواطنين السعوديين لأول مرة بينما تم قطع دعم البنزين والكهرباء، بدأت الجهود الحثيثة لتنويع الاقتصاد في خلق فرص عمل خارج قطاعي البترول والبتروكيماويات، كما اختفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى حد كبير ومن بقي منهم أصبحوا أكثر تهذيباً.
يعرف معظم الناس أن المرأة تستطيع قيادة السيارة الآن ولكن لا تدرك أن هناك الآن عدداً أكبر من النساء في الجامعات السعودية مقارنة بالرجال، في عام 2017، كان معدل مشاركة النساء في القوى العاملة 20٪، كان الهدف هو رفعها إلى 30 في المائة بحلول عام 2030، واعتباراً من العام الماضي، فقد وصلت بالفعل إلى 32 في المائة بفضل ممارسات التوظيف الإيجابية القوية للنساء وكذلك برامج رعاية الأطفال والنقل الحكومية الجديدة للنساء ذوات الدخل المنخفض، لكن لا تزال ثلاثون في المائة منخفضة بالمعايير الغربية، لكنها زيادة بنسبة 50 في المائة للنساء السعوديات في خمس سنوات فقط.
لقد تغيرت المملكة العربية السعودية سياسياً أيضاً، لقد تم بنجاح الانتقال المزعزع للاستقرار إلى الجيل القادم من الأمراء، في نفس الوقت الذي دفع فيه الإجماع، تم تفكيك ترتيب تقاسم السلطة بين أبناء الملك ابن سعود، حيث هندس الملك سلمان صعود نجله محمد إلى السلطة، الذي سرعان ما ركز سلطته وأزال الإقطاعيات الأميرية المستقلة القديمة، وعلى المدى القصير، كان هذا ضرورياً لتنفيذ الإصلاحات المهمة في مواجهة معارضة قوية من بعض علماء الدين وكبار الأمراء ورجال الأعمال البارزين، لا يزال البعض يجادل بأن ولي العهد يدوس على القيم الثقافية الراسخة، بينما يحتج آخرون على أنه لا يدوس بالسرعة الكافية، يعتقد معظم السعوديين أنه يقود البلاد في الاتجاه الصحيح، ويتمنون له التوفيق، ومستعدون لمنحه مزيداً من الوقت لتحقيق رؤيته.
باختصار، لقد حقق محمد بن سلمان بالفعل الكثير وأتوقع أن يحقق المزيد، حيث من الواضح أنه يسير في الاتجاه الصحيح اجتماعياً واقتصادياً، إنه يفعل ذلك بمحض إرادته وليس لأننا طلبنا منه ذلك، عندما نقارن هذا بما يحدث في أفغانستان حيث الاقتصاد وحقوق المرأة ينهار، يجب في الواقع أن نشجع السعوديين وندعم جهودهم الإصلاحية، ومع ذلك، فإن رؤية 2030 طموحة للغاية، لكن من غير المحتمل أن يحقق محمد بن سلمان جميع أهدافه في السنوات الثماني المقبلة، وربما لا يتوقع ذلك أبداً.
ثانياً، لفترة طويلة، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تدور في الأساس حول النفط والأمن، احتاجت الولايات المتحدة إلى النفط من المملكة العربية السعودية، بينما كانت القيادة السعودية تبحث عن ضمانات أمنية سياسية وعسكرية أمريكية ضد إيران، في السنوات الأخيرة، ولأسباب مختلفة، بما في ذلك صعود محمد بن سلمان إلى السلطة، بدا أن نموذج “النفط مقابل الأمن” قد فقد أهميته، وكذلك العلاقة بين البلدين.
الآن، مع الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على إمدادات الطاقة العالمية، نرى تحولاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية، في يوليو الماضي، زار جو بايدن المملكة العربية السعودية لأول مرة كرئيس للولايات المتحدة، يبدو أن رحلة بايدن قد أسفرت عن القليل من النتائج الملموسة، لكنها أثارت تساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، ما رأيك في نتائج زيارة بايدن؟ هل كان نجاحاً أم فشلاً في إعادة العلاقات؟ هل يمكننا اعتبارها بمثابة إعادة ضبط للعلاقات الأمريكية السعودية؟ كيف ستتطور العلاقات بين البلدين برأيك؟
ديفيد رونديل: لطالما كانت العلاقة السعودية الأمريكية أكثر سمكاً من النفط، لقد عملت الدولتان معاً لاحتواء الاتحاد السوفيتي وحل الصراع العربي الإسرائيلي وهزيمة القاعدة، ومع ذلك، على مدى السنوات الخمسين الماضية، كانت هناك فترات عديدة من التوتر الشديد في العلاقة، لقد نجت دائماً بسبب المصالح المشتركة الكبيرة، على سبيل المثال، بعد حظر النفط العربي عام 1973، سعى وزير الخارجية هنري كيسنجر بنجاح إلى ربط الاقتصاد السعودي بالقرب من الولايات المتحدة من أجل تجنب المشاكل المستقبلية، لقد عززت الأزمة بالفعل العلاقة، كما من المؤكد أن هجمات 11 سبتمبر دفعت العلاقة إلى الانغماس في الأنفاس حتى عندما أصبح واضحاً أن الحكومة السعودية لم تكن متورطة، ومع ذلك، تعافت العلاقة ببطء إلى حد كبير بسبب التعاون في مكافحة الإرهاب.
يجب أن يتذكر المرء أن السعوديين لديهم أسباب لعدم الرضا عن واشنطن، لقد عارضوا مراراً الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 ثم جادلوا في عام 2013 بأن الانسحاب المبكر لن يترك سوى فراغ يملأه تنظيم داعش وإيران، أود أن أقول إنهم كانوا على حق في كلتا المناسبتين، في عام 2011 اختلف البلدان حول الاضطرابات المدنية في البحرين، حيث ركزت الرياض على التدخل الإيراني السري وواشنطن على انتهاكات حقوق الإنسان، في العام التالي اختلفوا مرة أخرى حول احتجاجات الربيع العربي في مصر حيث رحبت واشنطن بانتخابات ديمقراطية وخشيت الرياض من صعود متطرفي الإخوان المسلمين، وهكذا ظهرت في كثير من المناسبات تصدعات في العلاقات، لم يتم إصلاحها من خلال الرأي العام أو المؤسسات البيروقراطية، ولكن من خلال المشاركة الشخصية عالية المستوى من قبل الرؤساء والملوك.
اليوم تغير هذا، على الأرجح إلى الأبد، كما أثار اغتيال جمال خاشقجي غضب الإعلام والجمهور الأمريكي والكونغرس، حيث تم تقليص مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، وتردد رجال الأعمال في زيارة المملكة، كما جفت التغطية الصحفية للإصلاحات الإيجابية في المملكة العربية السعودية، بدأ العديد من الأمريكيين عن طريق الخطأ في الاعتقاد بأن نفط المملكة العربية السعودية لم يعد مهماً، وبدأ الجيش الأمريكي في تحويل انتباهه إلى آسيا.
في الوقت نفسه، أهان بايدن المرشح الرئاسي السعوديين علانية واصفاً إياهم بـ “دولة الرعية”، على الرغم من أن هذا لم يحدث من قبل، فهم السعوديون الفرق بين خطاب الحملة والسياسة الفعلية، لقد فوجئوا عندما واصل الرئيس بايدن هجومه على الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان بمجرد انتخابه، وخلصوا في النهاية إلى أنه لا يوجد الكثير مما يمكنهم فعله لتغيير موقف الرئيس وأنه في النهاية ربما لم يكن الأمر مهماً على أي حال.
نظرة السعودية إلى العالم تتغير وبسرعة، لقد انتهت عقود القطب الواحد التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يعد لدى أمريكا قوة عسكرية منقطعة النظير وقوة اقتصادية منقطعة النظير، يتطور عالم جديد متعدد الأقطاب يعرض على المملكة العربية السعودية اختيار حلفاء جدد، أصبحت الصين أكبر عميل وشريك تجاري للمملكة العربية السعودية، حيث تتمتع بكين الآن بنفوذ أكبر في طهران من تأثير واشنطن، في غضون ذلك، أصبحت روسيا حليفاً لا يقدر بثمن في الجهود السعودية للسيطرة على أسواق النفط، كما تراجعت بشدة احتمالية أن تنفصل السعودية عن الصين أو روسيا لإرضاء واشنطن، ولعقود من الزمان، كان لدى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة زواج كاثوليكي روماني، زواج لا يمكن أن ينتهي بالطلاق، قد لا يزال هذا صحيحاً، لكن العلاقة تطورت إلى زواج مسلم، يسمح بأكثر من زوجة واحدة.
ثالثاً، على الرغم من الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن المملكة العربية السعودية تمتنع عن انتقاد روسيا ومن غير المرجح أن تزيد بشكل كبير من إنتاج النفط أو تتماشى مع الإجماع الغربي على عزلة روسيا، كما أنه من غير المرجح أن تغير الرياض استعدادها لتعميق العلاقات مع الصين، لذا، على الرغم من الأزمة الأوكرانية، هل ستبقى المملكة العربية السعودية ملتزمة بشكل أساسي بسياسة خارجية متعددة النواقل، والتي تسعى من خلالها إلى تحقيق التوازن بين الشراكات التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا مع علاقات أوثق مع قوى غير غربية مثل الصين وروسيا؟ بشكل عام، ما هي المبادئ التوجيهية الحالية للسياسة الخارجية السعودية، وكذلك فيما يتعلق بإيران؟
ديفيد رونديل: اسمحوا لي أن أوضح عدة نقاط هنا:
أولاً، إن النقص في الطاقة في أوروبا من صنع الذات إلى حد كبير، كان من الصبياني الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي يمكنه فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، لكن روسيا لن تفكر في أن تفعل الشيء نفسه مع أوروبا، لا تزال روسيا تنتج كميات كبيرة من النفط والغاز، ولكن القيود المفروضة على الشحن والخدمات المصرفية والتأمين هي التي جعلت توزيعها صعباً.
ثانياً، كان من السذاجة دائماً توقع أن الانتقال من الوقود الهيدروكربوني الرخيص إلى مصادر الطاقة المتجددة الباهظة الثمن وغير الموثوقة في بعض الأحيان سيكون مجانياً.
ثالثاً، لم يتضرر الروس من العقوبات كما توقع البعض لأنهم يتمتعون بالاكتفاء الذاتي إلى حد كبير من الغذاء والطاقة والأسلحة، هذه كلها أشياء يجب على معظم الدول الأخرى استيرادها، لقد شهد الروس في الواقع زيادة قيمة الأنقاض وتزايد الفائض التجاري لديهم، ليس لديهم سبب اقتصادي كبير لتغيير سياساتهم بشأن الطاقة أو أوكرانيا.
أخيراً، إن نقص الغاز، وليس نقصاً في النفط، هو الذي يهدد الآن أوروبا والمملكة العربية السعودية ليست مُصدِّراً رئيسياً للغاز، يعتقد السعوديون أن أسواق النفط العالمية مزودة بإمدادات كافية في الوقت الحالي بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادي في الصين واحتمال حدوث ركود جديد في الغرب، أخبروا الرئيس بايدن أنه ليست هناك حاجة لزيادة الإنتاج ويبدو أنهم كانوا على صواب، مع الحد الأدنى من الإنتاج السعودي الجديد، انخفضت أسعار النفط بنسبة 20 في المائة منذ زيارة بايدن.
للإجابة على سؤالك مباشرة، فإن أهداف السياسة الخارجية السعودية هي حماية الأمن والمصالح الاقتصادية للمملكة، هذا يتطلب علاقات جيدة مع روسيا والصين، لم ينتقد السعوديون أبداً سياسات الصين تجاه الأيغور أو هونج كونج وأشك في أنهم سيفعلون ذلك، وبالمثل، لا أتوقع أن ينحاز السعوديون إلى أي جانب بشأن قضية أوكرانيا أو أن يضغطوا على الروس لتغيير سياستهم في مجال الطاقة.
أما بالنسبة لإيران، فإن العقوبات لم تمنع أي دولة من امتلاك أسلحة نووية إذا كانت مصممة على ذلك، فكر في الهند وباكستان وكوريا الشمالية، يبدو أن إيران مصممة على إنفاق أموال طائلة وتحمل قدر كبير من المصاعب الاقتصادية من أجل مواصلة برامجها النووية، فقد صرح ولي العهد السعودي أنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي فسوف يشعر بأنه مضطر لفعل الشيء نفسه، لن أتفاجأ إذا فعلت مصر وتركيا الشيء نفسه، لذا فأنا قلق من حصول إيران على سلاح نووي وبدء سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
المصدر: WORLD GEOSTRATEGIC INSIGHTS