شهدت سوريا مؤخراً عشرات الغارات الإسرائيلية على مواقع مختلفة منها، تحت الذريعة المعتادة، وهي استهداف مقار للقوات الإيرانية العاملة في البلاد، لدرجة أن الغارات فقدت الإحداثيات، حيث يستهدف الطيران الإسرائيلي مؤخراً، إما جنوب دمشق، أو مدينة مصياف في ريف حماة حيث مركز البحوث العلمية، فهل من رسائل تعمل تل أبيب على إيصالها عبر سوريا؟ ومن المستفيد من كل هذه الفوضى؟
أوراق القوة
إن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا من الناحية السياسية تعكس حجم التخبط الذي تعاني منه تل أبيب، على خلفية الأزمات الداخلية التي تعاني منها، كمسألة الانتخابات، وقضايا الفساد التي تلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وغير ذلك، فمن يريد صرف النظر عن المشاكل الداخلية يتوجه نحو الخارج، وهذه السياسة كانت إلى حدٍّ ما تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها انكشفت مؤخراً في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة مسألة الانتخابات الرئاسية، واقتحام 6 يناير/ كانون الثاني الماضي الشهير، الذي بيّن عمق الخلافات الداخلية الأمريكية التي أفقدتها الكثير من جبروتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
بالتالي، ومع تسلم الرئيس جو بايدن مقاليد الحكم في أمريكا، وحتى في أول أيامه، بدأت إسرائيل تضرب الأراضي السورية، فهنا، المقصود من ذلك ومع التحليلات الكثيرة التي تحدثت عن عودة بايدن إلى العديد من الاتفاقيات التي انسحب منها سلفه، لكن التركيز الإسرائيلي كان على مسألة الاتفاق النووي تحديداً، فلم تعنيه اتفاقية باريس للمناخ، ولا اتفاقية “ستارت 3″، وغيرهما، بقدر ما يريد إفشال أي حل في عودة الأمور بين واشنطن وطهران في مسألة الاتفاق النووي، رغم أن المؤشرات لا تزال مبهمة حول الشروط التي من الممكن أن تطرحها الإدارة الجديدة وإذا ما كانت ستوافق عليها إيران أم لا، رغم أنها ليست في موقع يجيز لها الرفض حتى وإن بدأت بتخصيب اليورانيوم بزيادة قدرها 20% وكأنها تتحدى الإرادة الأمريكية، فهي تريد إنقاذ الاتفاق لتتنفس الصعداء في ضوء الحصار الشديد الذي تعاني منه، لكن إسرائيل، ستستمر في الضغط على واشنطن في هذا الإطار، وأي انفراج يحدث بالنسبة لها، لن تقبل به تل أبيب على الإطلاق لأنها ستعتبره عامل قوة مستقبلية لها خاصة لجهة قسامها بتطوير ترسانتها العسكرية والبالستية منها على وجه الخصوص.
ضربٌ من المُحال
بالنظر إلى العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية، لا يخلف اثنان على أنه من المستحيل أن تتصرف واشنطن ضد إرادة تل أبيب، فلقد جهزت إسرائيل طلباتها بما يتعلق بإيران لوضعها على طاولة بايدن وكأنها تقول له “ما عليك إلا التنفيذ”، في ضوء تواتر المعلومات التي تحدث عن زيارة مرتقبة لـ (لرئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، يوسي كوهين) إلى واشنطن ، حيث ذكرت إحدى القنوات الإسرائيلية بعض بنود الطلبات الإسرائيلية والتي هي ضمناً (شروط)، مثل: تعهد طهران بالوقف الفوري لتخصيب اليورانيوم، التوقف عن إنتاج أجهزة طرد مركزي متقدمة، ووقف دعم حزب الله اللبناني وأنصار الله اليمني، وسحب قواتها من سوريا والعراق واليمن، وأخيراً إرغامها على منح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق تفتيش كل المنشآت خلال عمليات التفتيش النووية.
وبالنظر إلى هذه الطلبات يبدو أنها أقرب إلى التعجيز من الحل، فمن المستحيل أن تنسحب إيران من بعض الدول الإقليمية بعدما تم منحها قوة إقليمية ما كانت لتحلم بها لولا ضعف التخطيط الغربي حيال بعض الملفات الساخنة، هذه الطلبات لا تضر فقط بإيران، بل بالدول الاوروبية أيضاً التي تترقب إيجاد توافقات لحل هذا الملف لإنقاذ اقتصادها المنهك، فإيران حاجة إقتصادية لهم حتى ولو لم يعجب إسرائيل، فهي تضغط باتجاهات لا تفكر فيها إلا بمصلحتها، وبالتالي، لن يتغير شكل الصراع الإيراني – الإسرائيلي الذي يستخدم أراضي دول أخرى لتصفية الحسابات، حتى وإن كانت إيران حليفة سوريا لكنها تضر بها وبلبنان وحتى اليمن والعراق، فاليوم الأمور بدأت تتصاعد لتتحول إلى صراع يدفع ثمنه الغير، في وقت هما يأججون هذا الصراع على دول المنطقة.
أخيراً، إن الرؤية الأمريكية اليوم متضاربة فيما يتعلق بإسرائيل، لكن الأكيد أنها لن تسبب لها أية مشكلات، على الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى تفعيل الشروط إذا ما رغبت في العودة للاتفاق النووي، وبالتالي، سيكون هذا الأمر معلقاً في الفترة الحالية نظراً لاقتراب موعد الانتخابات الإيرانية، وحتى يحين هذا الموعد ستبقى إسرائيل تستهدف سوريا وتعتدي عليها، رغم أن خلافها الأساسي مع إيران، وكما ملفات كثيرة أخرى، إن مسألة الاتفاق النووي قد تكون كلمة سر توقف الغارات الإسرائيلية في حال وصلت الأطراف إلى اتفاق موحد.
خاص – فريق عمل “رياليست”.