يثير حادث ناقلة الحاويات “إيفرجفن -Ever Given ” والتي تشغلها شركة نقل بحرية تايوانية، والمتجهة من جمهورية الصين الشعبية إلى ميناء روتردام الهولندي، العديد من الإشكاليات القانونية والإقتصادية والسياسية وغيرها.
ولحين توصّل لجنة تقصي الحقائق التي ستوضح الملابسات والظروف التي أدت لوقوع الحادث، يمكن إجمال أهم هذه النقاط فيما يلي:
أولاً، إن اليقين الحصري حتى الآن يتمثل في أن الناقلة الضخمة تعرضت لما يوصف بالكرب وتحديداً العواصف العاتية المحملة بالرمال والتي أفقدت قبطان السفينة الرؤية أثناء توجهه إلى ميناء بورسعيد متوجهاً لميناء روتردام في هولندا، ونظراً للسرعة البطيئة للناقلة، ووفقاً لتعليمات الإبحار الصادرة من هيئة قناة السويس لجميع السفن، فهذه السرعة البطيئة جعلت من مهمة القبطان في المناورة للسيطرة على السفينة عسيرة جداً، ومما فاقم الأمر سوءاً الحمولة الضخمة للناقلة التي ناهزت 20 ألف حاوية، وطولها الممتد إلى 400 متر.
ثانياً: إن القبطان هو رأس السفينة وسيدها الذي يمارس فيها فعلياً القيادة، مهمة قبطان السفينة وشروط ممارسته لمهمته، وتعقيد العملية البحرية تجعل من القبطان شخصاً قانونياً يصعب مقارنته بأي شخص آخر، والقبطان لا يعد فقط منفذاً لمهمة أمليت عليه وإنما هو الذي يتحمل مسؤولية السفينة، أي مسؤولية الناس الموجودين على متنها والبضائع التي تنقلها.
ويعد القبطان في آنٍ واحد سيد السفينة، ووكيل المجهز، ومساعد السلطة العامة، لذلك فالمسؤوليات الناتجة عن وظيفة القبطان الملاحية مهمة، وزادت هذه الأهمية بسبب جسامة الأضرار التي يمكن أن تسببها الرحلة البحرية كما حدث تحديداً في قناه السويس في حادث السفينة هذا الأسبوع في قناة السويس.
ثالثاً: قبطان السفينة هو الذي يختار الطريق، ولكن في حالة قناة السويس فإن مرشدي هيئة القناة هم الذين يرشدون ربابنة السفن أثناء عبورهم في الممر الملاحي لقناة السويس، ومهمة المرشد الرئيسية هي توجيه قبطان السفينة إلى خط المنتصف المحتم السير فيه في عرض قناة السويس، لكن القبطان هو الذي يملك سلطة تقرير قرار الرسو في المرافئ.
رابعاً: يساعد القبطان، أشخاص مهنيين ومتخصصين بالملاحة، وهنا يعد المرشدون في قناة السويس مساعدون لقبطان السفينة، فوظيفتهم لا تتعدى مساعدة القبطان، ولا يتحملون ذات مسؤوليته، ولا يتحملون الأضرار التي تسببها السفن.
خامساً: الممر الملاحي العالمي لقناة السويس يعد الطريق المختصر الأبرز للتجارة العالمية لقناة السويس، ويعد الاضطراب الخطير الذي أدى إلى تأخير الشحنات المجدولة حول العالم، هو الممر المائي الضيق للقناة الذي يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، دليلاً دامغاً على حيوية ذلك الطريق المباشر الأهم والأسرع والأقل كلفة، من قارة آسيا إلى أوروبا وذلك عوضاً عن الإلتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح، والذي يناهز 3500 ميل، لذلك إن انسداد الممر العالمي لقناة السويس سبّب اضطراباً ملموساً حيث تنتظر عشرات السفن تحريك السفينة من جديد بواسطة جهود وطنية مصرية ومعها أيضاً جهوداً دولية.
سادساً: إن قرار شركات الشحن العملاقة تحويل مسارها المعتاد من قناة السويس إلى المرور حول القارة الأفريقية ليس بالقرار السهل ولكن يمثل تحدي ليس على الصعيد الاقتصادي والمالي فقط ولكن أيضاً على الصعيد الأمني حيث يزيد ذلك القرار من زيادة هجمات القرصنة في أكثر البؤر خطورة في العالم على السفن والناقلات سواء في القرن الأفريقي أو في ساحل غينيا ونيجيريا ودول أخرى في غرب أفريقيا.
سابعاً: حوالي 12% من التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس ويمر عبر القناة حوالي 50 سفينة في اليوم وهذه الحمولة تناهز ما قيمته من ثلاثة إلى 9 مليارات دولار من البضائع وتشكل سفن الحاويات العملاقة الجزء الأكبر من حركة المرور في قناة السويس مثل السفينة “إيفرجفن – Ever Given” التي ترفع علم بنما، ومن شأن انسداد القناة أن يهدد إلتزامات الشركات الناقلة والشاحنة تأخير تسليم النفط ويساهم في ارتفاع تكلفة النفط في السوق العالمية على المدى المتوسط.
ثامناً: وفقاً لأحد التقارير المالية الذي صدر عن أحد المؤسسات المصرفية البارزة فإن الانسداد الحاصل الآن في القناة يمكن أن يؤدي إلى خسائر بقيمة تقريبية 9.6 مليار دولار في التجارة كل يوم أو 400 مليون دولار في الساعة الواحدة وتبلغ قيمة حركة المرور المتجهة غرباً عبر الممر المائي الحيوي من آسيا إلى أوروبا حوالي 5.1 مليار دولار يومياً وحركة المرور المتجهة شرقاً إلى الأسواق الأوروبية تبلغ 4.5 مليار دولار تقريباً.
تاسعاً: وفقاً للمهندس “نيك سيلون” الذي قاد عملية الإنقاذ، استعداد السفينة الإيطالية “كوستا كونكورديا” في عام 2012 أن أفضل فرصة لتحريك السفينة العالقة ستكون يوم الأحد أو الاثنين القادمين، عندما يصل المد إلى ذروته.
ختاماً، ستكون أزمة السفينة، “إيفرجفن – Ever Given” مُعيناً لا ينضب لدراسة أهم الدروس المستفادة المتعلقة بالتخطيط للأزمات وإدارتها، خاصة فيما يتعلق بالملاحة في قناة السويس أثناء الظروف الجوية المغايرة.
خاص وكالة “رياليست” – د. أيمن سلامة – أستاذ القانون الدولي – أستاذ إدارة الأزمات في الجامعة الأمريكية – القاهرة.