تتحدث الحكومة السورية عن خطط للنهوض بمستوى المعيشة للمواطن السوري، ويقارن المواطن السوري نفسه بنظيره في بلدانٍ مجاورة مثلاً فيظن نفسه أقل مستوى من هؤلاء، فيحلم بالهجرة إلى هذه البلدان بغاية العمل، ويعتبرها مقصداً أو حلماً له، ويتمنى لحكومة بلده أن تكون كهذه الحكومات!! وربما يحلم البعض بالعيش في بلد ما لأسباب تتعلق بالإنتماء الديني، أو ببلد أوروبي لأسباب تتعلق بالحريات الشخصية!!
وبفوضى شعورية تسيطر على المواطن السوري بنتيجة الحرب، قد يجد نفسه تائهاً لا يستطيع اتخاذ أي قرار إلا قرار الهروب من الواقع الأليم. يصاحب ذلك ضبابية حكومية في تقديم حياة أفضل للمواطن، لذلك أحببت أن أطرح هذا الشرح المختصر لمفهوم مستوى المعيشة ليقيّم كل شخص حالته، وليكون بمثابة نقاط علامَ يجب أن تعمل عليها الحكومة السورية لتحسين مستوى معيشة مواطنيها.
مفهوم مستوى المعيشة
إن مفهوم مستوى المعيشة غامض بالنسبة للكثير من الناس، إذ يظنون أنه يرتبط فقط بالغذاء، وهذا خطأ لأنه يشير إلى الثروة والراحة والسلع المادية والضرورية لفئة اجتماعية – اقتصادية في منطقة جغرافية معينة.
ويقاس المستوى المعيشي عموماً بمعايير مثل التضخم ودخل الفرد ومستوى الفقر، ومقاييس أخرى مثل جودة وتوفر الرعاية الصحية، وعدم تكافؤ نمو الدخل، والطاقة المتاحة (أي قدرة الدخل القابل للصرف على شراء منتجات الطاقة)، وأيضاً مستويات التعليم.
ولكن هناك مشكلة مع استعمال مقاييس المتوسطات الرقمية لمقارنة مستويات المعيشة المادية، فعلى سبيل المثال: هناك دول لديها مجموعة قليلة جداً تنتمي للطبقة الغنية، وعدد كبير جداً ينتمي للطبقة الفقيرة، ويمكن أن يكون الدخل القومي للبلد عالٍ جداً، ولكن هناك أكثرية شعبية لديهم مستويات منخفضة من المعيشة.
كما أن هناك اختلاف بنوعية الاستهلاك بين الدول، فالمواطن في الدول الصناعية يستهلك عامةً أكثر مما يستهلكه المواطن في الدول الزراعية. كما يتمتع المواطن، وبخاصة في الدول الصناعية، بظروف سكنية وصحية وتعليمية وغذائية أفضل مما يتمتع به المواطن في الدول القائمة أساساً على الزراعة.
وهناك بعض الدول الصناعية توصف بأنها ذات مستوى معيشة مرتفع، إلا أنها تتصف كذلك بالازدحام والتلوث، مما يجعل الحياة في بعض أنحائها غير مرغوبة.
الإنفاق على الغذاء
قد يستخدم متوسط الإنفاق الفردي على الغذاء مثلاً وسيلة لقياس مستوى المعيشة، فكلما زادت النسبة المخصصة من دخل الفرد للإنفاق على الغذاء، دل ذلك على انخفاض مستوى المعيشة في البلد، كما هو الحال في سورية حيث ينفق أغلب السكان دخولهم على الغذاء. لكن ليس من السهولة تحديد النسبة الحقيقية التي ينفقها الفرد من دخله على غذائه، وتمييزها عما ينفقه على الأشياء الأخرى.
مشكلة التفاوت الطبقي
وقد يستخدم متوسط الإنفاق الشخصي على الاستهلاك وهو قيمة مجموع ما صرفه أفراد المجتمع لشراء السلع والخدمات خلال فترة محددة. ولا تخلو هذه الوسيلة أيضًا من العيوب، فقد ذكرنا أن المتوسط لا يُظهر كيفية توزيع مستوى المعيشة في المجتمع. فعلى سبيل المثال يمكن أن توجد فروق شاسعة بين دولتين يصل متوسط إنفاق الفرد الاستهلاكي فيهما إلى ألف دولار للشخص سنوياً. ففي إحدى هاتين الدولتين يتساوى كل الأفراد بحيث ينفق كل منهم نحو ألف دولار. أما في الدولة الأخرى، فيمكن لعدد قليل من الأثرياء إنفاق مبالغ تفوق الالف دولار إلى حد كبير، في حين يحتمل أن ينفق العديد من الأفراد مبالغ تقل كثيراً عن الألف دولار. وهذا يعني أن لهذا البلد الثاني مستوى معيشة أقل لغالبية الناس، ولكن هذا المقياس المتوسط لا يعكس ذلك.
مقارنات بين الدول
من جهة أخرى: قد تشتري بمبلغ مئة دولار أمريكي كميات مختلفة من البضائع في بلدان مختلفة بسبب اختلاف سعر الصرف. فما تشتريه المئة دولار في سورية أكثر بكثير مما تشتريه في لبنان مثلاً.
كما أن اختلاف توافر السلع من بلد لآخر يؤثر بشكل مباشر في تحقيق أفراد المجتمع لرغباتهم بوصفهم مستهلكين، فما هو متوفر في سورية قد لا يتوفر في بلدان أخرى، والعكس بالعكس، وعلى سبيل المثال: لا تتوفر مياه الشرب في العراق إذ يتم استيرادها معلبة من دول أخرى، كما أن العراق والأردن تشكل سوقاً تصريفية لمنتجات الألبسة السورية بنسبة عالية….، ومن المفارقة أن سورية كانت تشكل في فترة من الفترات سوقاً تصريفية لمنتجات الألبسة التركية!!!!
ولابد من الانتباه إلى اختلاف مفاهيم الاستهلاك بين الشعوب، فرغم أن الغذاء والكساء والمأوى تمثل حاجات أساسية للإنسان، إلا أن هناك حاجات أخرى تُرى ضرورية في مجتمع ما، بينما هي ليست كذلك في مجتمع آخر. فمثلاً تعتبر عمليات التجميل أكثر أهمية عند المواطن العراقي منها عند المواطن السوري، وهذا يعود إلى اختلاف المجتمعات في الأذواق والرغبات والعادات والاتجاهات السلوكية والمفاهيم الدينية.
جودة الحياة
إن فكرة جودة الحياة لا تأخذ في الحسبان فقط المقاييس المادية للعيش، لكن تأخذ بعض الجوانب غير الملموسة التي تشكل الحياة البشرية، مثل الراحة والأمان والموارد الثقافية والحياة الاجتماعية والصحة البدنية والجودة البيئية إلخ…. وهذا يعني أن قياس الرفاهية أمر أكثر تعقيداً مما يظن البعض، وغالباً نجد أن الحالة السياسية تتحكم بشكل مثير للجدل في تحقيق معنى جودة الحياة بين شعبين أو مجتمعين لديهم نفس مستويات المعيشة، فجودة عناصر الحياة قد تجعل واحد من المكانين أكثر جذباً لفرد أو مجموعة معينة.
مؤشرات وأولويات
مما سبق يمكن التوصل إلى أن هناك عناصر كثيرة يجب على الحكومة تحقيقها لتحسين مستوى المعيشة ولابد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع الخطط لأن المستوى المعيشي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة الحياة، لذلك يجب العمل على ما يلي وبشكل أفقي حسب اختصاص كل وزارة:
1-التحسين المستمر لمستوى الدخل.
2-تأمين الوظائف في القطاعين العام والخاص وبجودة تتناسب مع حملة الشهادات.
3-محاولة التخفيف من حدة تباين التفاوت الطبقي.
4-العمل على وقف الزيادة المستمرة في مستوى الفقر.
5-تحسين جودة المساكن ورفع مستوى قدرة المواطنين على تحمل تكاليفها.
6-تخفيض عدد الساعات اللازم للعمل لشراء الضروريات بتوفيرها في كافة المناطق الريفية والمدنية.
7-العمل الدؤوب على تحسين الناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض معدل التضخم.
8-توفير رعاية صحية جيدة وإعادة مجانية الوصول إليها.
9-جودة وتوفر التعليم المجاني والإلزامي وتحسين مستوياته.
10-تخفيض تكلفة البضائع والخدمات المقدمة للمواطنين.
11-تحسين البنية التحتية بكافة أشكالها (كهرباء- مياه- تصريف صحي- طرق- جسور- خطوط حديدية…).
12-زيادة معدلات النمو الاقتصادي.
13-تحقيق الثبات الاقتصادي والسياسي.
14-احترام الحرية السياسية والفكرية والدينية.
15-الاهتمام بجودة البيئة ومعالجة المشاكل البيئية.
16-المرونة في التعامل مع عوامل الطقس لتجنب الكوارث والأضرار.
17-توفير الأمن والأمان.
خاص وكالة “رياليست” الروسية – الدكتور أحمد أديب أحمد أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين السورية.