عندما تكون الدولة في حالة حرب يجب أن نكون حربيين حتى بالاقتصاد.. لا نفكر برد الفعل بل نكون فاعلين.. همنا: الشعب الفقير والشريحة المقاتلة وهؤلاء عماد وأساس البلد (الفلاح والعامل والمقاتل). لا أحد يمكنه أن ينفي أو يغض النظر عن انعكاسات الحرب على حياة الناس في سورية، وما رافقها من أزمات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، ولكن هناك مجموعة من النقاط لابد أن توضع نصب أعين الحكومة، وهي:
-ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ولكن ليس بطريقة نقل التجربة (نسخ- لصق)، إنما بالتعديل عليها لتصبح مناسبة لواقع الاقتصاد السوري.
-الاستفادة قدر الإمكان من التجربة المتبعة في حل أزمة الثمانينيات.
-الاهتمام بموضوع توفر الأرقام الإحصائية الحقيقية في المؤسسات الحكومية والوزارات وهي التي نستطيع من خلالها توصيف الواقع وبناء الخطط السليمة.
-إعادة الدور القيادي والهام للقطاع العام في هذه المرحلة، والذي تم تهميشه وعزله عن الحياة الاقتصادية في سورية، ومواجهة حملات الترويج الكثيرة لإيقافه أو خصخصته في المرحلة السابقة.
-معالجة مشكلة تحول قطاعات اقتصادية كبيرة في سورية إلى شركة مساهمة بين مجموعة من التجار لتصاغ القرارات على مقاسهم ومقاس رؤوس أموالهم.
-ويجب أن تتم إدارة الاقتصاد في الأزمة بشكل استثنائي، وتوضع أولويات للعمل:
طبعاً الأمن أولوية الأولويات.. وعندما تكون الدولة في حالة حرب يجب أن نكون حربيين حتى بالاقتصاد.. لا نفكر برد الفعل بل نكون فاعلين.. همنا: الشعب الفقير والشريحة المقاتلة وهؤلاء عماد وأساس البلد (الفلاح والعامل والمقاتل)، وهؤلاء كانوا محور السياسة الاقتصادية الحكومية التي طبقها القائد الخالد حافظ الأسد في فترة الثمانينيات حيث كانت الأولوية هي تلبية مصلحة الشريحة الأوسع من قواعد الشعب، وليس مصلحة التجار، وبذلك يتحقق الاكتفاء الذاتي ويُبنى الجيش الوطني.
ودائماً يجب وضع السؤال الاقتصادي: لمن يجب أن تكون الأولوية الآن وفي ظل الحرب: للزراعة؟ أم للصناعة؟ أم للسياحة؟ أم للتجارة؟
طبعاً إذا كان هدف كل الحكومات في العالم زيادة الناتج وخفض البطالة، فلا التجارة ستحقق هذا الهدف، ولا السياحة حاضرة في هذا الوقت لتحقيقه، لذلك علينا أن نركز على قطاعي الزراعي والصناعة على حد سواء.
في مجال الزراعة:
الاقتصاد الزراعي هو خط الدفاع الاقتصادي الأول لتحقيق الأمن الغذائي، ولكن بدلاً من الاهتمام بدعمه كماً ونوعاً زادت مستوردات الحكومة من الغذاء لسد الفجوة في الأمن الغذائي (قمح- دقيق- سكر…) فتفاقمت المشكلة المعاشية.
ولم تقدم الحكومة حتى الآن أي دعم يليق بالمزارع، مع العلم أن القوة الشابة في الأسر السورية المزارعة الفقيرة تخدم البلد وتدافع عنه عسكرياً وهذا معروف، لذلك تستحق منا أن نرعى وندعم أسرها، حيث يبقى الأب والأم والبنات ليعانوا من مشكلات عدم توفر المازوت، وعدم توفر السماد، وغلاء البذور وتبعيتها لسعر الصرف، مع العلم أن المازوت موجود والسماد موجود.
وإن أتينا إلى بيع منتجات المزارع فهو في موضع تنافس مع المزروعات المستوردة من الدول الأخرى كالبندورة والبطاطا و…… عدا عن أن كثيراً من الإنتاج لا يُصدَّر كما يجب ومثال ذلك: مزارع الحمضيات في الساحل السوري.
وعندما نتحدث حول هذا يجب أن نحيّد الحرب والعقوبات الاقتصادية هنا، فالدول الحليفة لا تطبق العقوبات الاقتصادية ضدنا. ويجب على الحكومة أن تحفز عمليات التصدير الزراعي للمنتجات التي نحقق فيها ميزة تنافسية. فلماذا لم تصل منتجاتنا إلى أسواق الدول الحليفة؟
كم طن من الحمضيات تم تصديره لروسيا وإيران وأوكرانيا مثلاً؟ ولماذا لم يتم تفعيل خطوط التبادل (المقايضة) مع الدول الحليفة، مع العلم أن بعثات كثيرة تذهب لروسيا وإيران ويأخذون بدلات مهمات لقاء هذه الرحلات، لكن كم صدّرنا لهذين البلدين؟؟؟
في مجال الصناعة:
لابد من التأكيد على ضرورة دعم التصنيع والاستثمار من خلال تشجيع الاستثمار من المناطق الآمنة، خاصة الاستثمار الإنتاجي والاهتمام بصناعة إحلال الواردات، لأن هذا:
أولاً: يحرك عجلة الاقتصاد.
ثانياً: يخفض معدلات البطالة.
ثالثاً: يرفد السوق الداخلي بالسلع والخدمات المطلوبة للاستهلاك المحلي ويُستغنى عن استيرادها بحجة توقف المناطق الصناعية عن العمل.
فمثلاً: صناع حلب والأيدي العاملة الذين لجؤوا إلى الساحل السوري أقاموا ورشات لتصنيع الألبسة والأحذية وهذه مشاريع صغيرة يجب أن تُدعم وتُرعى من قبل الحكومة، مع الإشارة إلى أن الساحل السوري مظلوم صناعياً وزراعياً (إذ لا يوجد تعويضات للمزارعين ولا رعاية ولا دعم ولا عناية ولا توجد صناعات على مستوى حكومي).
في مجال اقتصاد الظل:
هناك اقتصادات ظل كبرت خلال الأزمة، فمثلاً زادت في المناطق الآمنة حركة البناء غير النظامي. نحن لا نستطيع منع هذا البناء فلولاه كان الوضع المعاشي للناس كارثي. وقد جاء هذا النشاط لخلق فرص عمل كثيفة جداً لولاها كان سينتج أثر سياسي سلبي كبير. لكن: يجب تنظيم هذا القطاع لكيلا تلجأ الناس إلى المخالفة، وهذا يتطلب أن تقوم السلطات المعنية بإعطاء رخص لتنظيم عملية البناء، مع العلم أن المخططات التنظيمية موجودة لكن يتأخر تصديقها سنوات تصل لأكثر من عشر سنوات، فماذا كانت تفعل الإدارة المحلية في ظل الحرب؟
وبدلاً من سياسة هدم المخالفات يجب العمل على تسويتها وتنظيمها.. فالأموال بدل أن تذهب إلى جيوب الموظفين الفاسدين بالمحافظة كرشاوي.. يجب أن تذهب بطرق نظامية إلى الخزينة العامة للدولة.
وفي الختام:
لابد من التأكيد على قراءة عمق الأزمة وبالتالي الوصول إلى معالجة الأسباب وليس معالجة النتائج.
خاص “رياليست” – الدكتور أحمد أديب أحمد أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين السورية