لم يعد خافياً على أحد أن ما يجري إلى يومنا هذا ومنذ عشرة أعوام، لا يمت بصلة على الإطلاق إلى ما يسمى بنشر الديموقراطية، أو إطلاق الحريات، أو رفع الظلم عن الشعب السوري كما يصورون عبر وسائل الإعلام التي رصدوا لها ميزانيات ضخمة للغاية، وإمكانيات فنية وتقنية تعتبر من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا، مع ضمان استخدام اّخر ما توصلت إليه العلوم النفسية التي استطاعت اختراق عقول البشر والتأثير بها والتحكم فيها.
وذلك، من أجل الوصول إلى الهدف غير المعلن بشكل صريح وهو الهيمنة والسيطرة على منطقة من أهم المناطق في العالم جغرافياً ومن أغنى دول العالم بمختلف أنواع الطاقة والزراعة، ومنطقة وصلت فيها الصناعة إلى مستويات يمكن اعتبارها عالمية، كما أنها منطقة لا تحمل أعباء الديون الخارجية وهي متكاملة من جهة ومكملة مع الدول المجاورة لها شرقاً وغرباً لدرجة أنها تعتبر نقطة الوصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط عبر أراضي جارتها العراق، الأمر الذي جعل من سورية نقطة تحكم جيو – سياسي لا يمكن بسهولة التخلي عنها أو جعلها تخلو من أي استهداف خارجي.
ومن هنا ربما كانت صحة المقولة “من يملك مفاتيح سورية فهو يملك مفاتيح الشرق الأوسط، ومن يملك مفاتيح الشرق الأوسط يملك العالم“.
إن الصراع على سورية في حقيقة الأمر هو صراعاً دولياً بالرغم من أنه جرى تحت تسميتين أساسيتين:
الأولى، اتخذتها الدول التي رعت وما زالت الحرب على سورية وتطلق عليها تسمية “نشر الديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان”، والثانية، تطلق عليها “مكافحة الإرهاب”، وتأتي هذه التسمية كإشارة للقضاء على الجيش السري لناشري الديموقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان والذين تم تجميعهم من أكثر من 80 دولة حول العالم، ولا يختلفون في أساليبهم الإجرامية عن النازيين والفاشيين سوى باختلاف التسمية التي ألصقوها بهم والمرتبطة بشكل مباشر بالفكر التكفيري والأيديولوجية القائمة على العقلية الهمجية والتفسيرات الخاطئة للأحاديث الإسلامية والآيات القرآنية بما يخدم الهدف النهائي لهم، فهم بذلك سمحوا لأنفسهم بالقتل وبمختلف الأساليب والطرق، وسمحوا لأنفسهم بالسرقة والاغتصاب والتخريب والتدمير، وسمحوا لأنفسهم بتكفير البشر والحجر والشجر، وهي أساليب وجرائم تتطابق تماماً بما جرى إبان الحرب العالمية الثانية من حيث الشكل والمضمون ولكن باختلاف وحيد وهو أن الإجرام في الحرب العالمية الثانية قام على أساس أيديولوجية فكرية وتم تصويرها في كثير من الأحيان بأنها صراعاً بين الفكر الرأسمالي والفكر الاشتراكي.
ليس من قبيل الصدفة على الإطلاق القول بأن ما يجري في سورية هو حرباً عالمية ثالثة، فبالرغم من اختلاف شكل الحرب على الأراضي السورية عنها في الحرب العالمية الثانية، إلا أن المضمون واحد ومتطابق، فمن حيث المساحة التي تدور على رحاها الحرب هي أقل بكثير من المساحة التي دارت فيها أحداث الحرب العالمية الثانية، لكن الدول الداعمة لهذه الحرب هي نفسها التي انخرطت في الحرب العالمية الثانية ودخلوا تحت تسمية مثيرة للشك في تسميتها “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”، وكان من الأحرى أن يسمونه “التحالف الدولي لنشر الإرهاب والإستثمار به” أو على أقل تقدير “التحايل الدولي في مكافحة الإرهاب” وإن كانت قيادة هذا الحلف اليوم موكلة للولايات المتحدة الأمريكية على عكس الحرب العالمية الثانية التي كانت القيادة فيها موكلة لألمانيا النازية، وكانت فيها باقي الدول تلعب الى درجة كبيرة دور الخائف من العواقب، أي دور المنتظر لإنقشاع الغيوم وظهور النتائج النهائية التقريبية للحرب.
هذا الأمر ينطبق إلى درجة كبيرة على تركيا التي تعكس تصرفاتها التنقل المستمر بين الطرفين على الرغم من أن طرف داعمي الحرب على سورية لم يقبلوا أن تكون تركيا من ضمن دول ما يسمى بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب!، رغم الدور الأساسي لها في الحرب على سورية والقائم على تسهيل عبور الإرهابيين والأسلحة إلى الداخل السوري وهو نفس الدور الذي لعبته تركيا في الحرب العالمية الثانية وسمحت لنفسها الانخراط فيها للوصول إلى إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية التي اندثرت بعد الحرب العالمية الأولى واليوم تقوم تركيا بنفس الدور ولنفس الهدف إلا أنها في نهاية المطاف وكأن التاريخ يعيد نفسه ستقف وبكل تأكيد إلى جانب محور مكافحة الإرهاب على أقل تقدير للحفاظ على جغرافيتها الحالية لا كما حصل إبان الحرب العالمية الأولى أو حتى الحرب العالمية الثانية.
أما من ناحية أساليب إدارة الحرب في سورية فهي لا تختلف كثيراً عن أساليب إدارتها إبان الحرب العالمية الثانية أي من ناحية كمية وكيفية الأسلحة المستخدمة فهي وبإستثناء السلاح النووي، يستخدم فيها أحدث التقنيات العسكرية التي وصل إليها العالم اليوم، فحفر الأنفاق واستخدامها كانت ولازالت عنصراً مهماً في شن الهجمات والهجمات المعاكسة وكذلك التحصينات تحت الأرض ومدى أهميتها في إدارة المعارك وتجنب الخسائر، كانت وما زالت وستبقى ربما العامل المشترك في جميع الحروب السابقة وربما المستقبلية.
وفي الحرب العالمية الثالثة اليوم يتم استخدام وسائل ومعدات عسكرية لم نراها في الحرب العالمية الثانية كالطائرات المسيرة (الدرونز) واستخدام الفضاء الخارجي والأقمار الاصطناعية التجسسية والطائرات المتطورة والصواريخ ذات القدرة على التدمير الهائل، في الوقت الذي بقي فيه زرع العملاء والجواسيس أمراً غاية في الأهمية لنقل طرق وأساليب وخطط الحرب التي يعتمدها الطرفان، وتتطابق في هذه النقطة بالتحديد مع زرع ما يسمى بالتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب شخصيات غريبة عن المجتمع وتعمل من أرض “العدو” وتقود المقاتلين المحليين لاعتبارات مختلفة وتحت شعارات مختلفة كالزج بأبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني والمحيسني السعودي الأصل واّخرين تم جلبهم من ليبيا وتونس والمغرب ومصر وبريطانيا والشيشان والصين وغيرها من دول العالم، بالإضافة إلى زج بعض الفصائل الفلسطينية نفسها في هذه الحرب لصالح التحايل الدولي، وكلهم أصبحوا بالنسبة للداخل السوري شعاراً لنشر الديموقراطية وحرية الإنسان ونشر الإسلام في ربوع البلاد، وفي الحرب العالمية الثانية نجد الأمر نفسه مع اختلاف الأيديولوجية التي تم الزج على أساسها لهؤلاء العملاء والخونة كـ “ستيبان باندير” في أوكرانيا وهو بولندي الأصل والذي استطاع أن يلف حوله جيشاً كاملاً ليحارب إلى جانب ألمانيا النازية.
ونقطة مهمة وعلامة جامعة بين الحربين الثانية والثالثة تتمحور في استخدام أسلوب حصار المدن وتجويع السكان فكانت في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال حصار مدينة ليننغراد لأكثر من عام، ونفس الأمر ينطبق على حصار مدينة حلب وقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء عليها لأكثر من عام أيضاً، وكما كانت جثث الموتى وضحايا القصف الهمجي على ليننغراد تدفن في أي مكان وفي أية حديقة وفي أي شارع نجد أن الأمر نفسه كان يجري في مدينة حلب إبان محاصرتها.
ونستطيع القول أيضاً بأن وصول النازيين في الحرب العالمية الثانية إلى ضواحي موسكو وإلى حدودها الإدارية يتطابق تماماً ووصول جيش التحايل الدولي “الإرهابيين” إلى محاصرة دمشق العاصمة قبيل تحرير الغوطة والتي كانت جحافل الجيوش الإرهابية تٌرى بالعين المجردة.
ويمكن القول بأنه وفي أي حرب فإن تقديم الضحايا أمراً لابد منه من أجل الدفاع عن الأرض والعرض وعودة السلام والاستقرار وطرد الأشرار والقضاء عليهم، وهذا ما كان إبان الحرب العالمية الثانية عندما قدم الاتحاد السوفيتي أكثر من 27 مليون ضحية ثمناً لوقف الفاشية والنازية، والأمر ينطبق اليوم على سورية والتي لم يبخل رجالها ونسائها وشبابها وشيبها من تقديم أرواحهم لصد النازيين الجدد حتى تخليص العالم من طاعون القرن الحادي والعشرين والمتمثل بالإرهاب التكفيري الذي غزى سورية كما الفاشية النازية في الأمس القريب.
وعلى الرغم من أن بقعة هذه الحرب الجغرافية هي أقل بكثير من بقعة الحرب العالمية الثانية إلا أن نتائجها وصداها سينعكس كما نتائج الحرب العالمية الثانية على كل مناطق العالم وسينتج عنها نظاماً عالمياً جديداً سياسياً وإقتصادياً وجغرافياً وإجتماعياً، ليبقى علينا اليوم واجباً إنسانياً على أقل تقدير وهو الحفاظ على تاريخ هذه الحرب القذرة ونقله إلى الأبناء والأحفاد وتوثيقه لمنع التلاعب به كما يحاول البعض اليوم اللعب بتاريخ الحرب العالمية الثانية وإعادة كتابته من جديد.
وكما انتهت الحرب العالمية الثانية ستنتهي الحرب العالمية على سورية في القريب العاجل، وبكل تأكيد ستضع رحاها على طاولة الحوار ولكن باختلاف بسيط عن الطاولة التي انتهت فيها الحرب العالمية الثانية فهي لن تكون دائرية وإنما ستكون مستطيلة يجلس على رأسها حلف مكافحة الإرهاب يضع فيها شروطه التي سيقبلها وبكل تأكيد ما يسمى بالتحالف الدولي لأنه فقد المبادرة وفقد القوة والأهم من ذلك كله فقد الدعم المالي الأساسي والمتمثل بأموال الدولار النفطي القادم من دول العباءات الخليجية لتبقى أرواح الضحايا هي الثمن الحقيقي لنصر الأمس القريب وللنصر القادم بكل تأكيد.
خاص وكالة “رياليست” – د. فائز حوالة