بغداد – (رياليست عربي): للمرة الأولى منذ فترة طويلة، ظهرت أولى علامات الاستياء، إن لم يكن الانقسام، في أوبك+، وقال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني إن بلاده خفضت إنتاجها بشكل كافٍ طوعاً ولن تدعم المزيد من التخفيضات، وقد صحح تصريحه فيما بعد قائلاً إن هذه القضايا هي مسؤولية أوبك، لكن «الرواسب لا تزال قائمة»، خاصة وأن العراق ينتج بانتظام أكثر من حصته.
احتياجات العراق
كان العراق أحد أكثر الدول إثارة للمشاكل في أوبك + في الأشهر الأخيرة، منذ بداية العام، تجاوز حصته بانتظام، وبالنظر إلى أن العراق هو ثاني أكبر عضو إنتاج في أوبك، والثالث في أوبك+، فإن مساهمته في أحجام الإنتاج الزائدة للكارتل بأكمله وحلفائه في السوق العالمية كانت أكثر من كبيرة، وبذلك تجاوزت دول الكارتل في شهر مارس حصصها بإجمالي 320 ألف برميل يومياً، منها 280 ألفاً في العراق، وقد تم تعويض هذا الفائض في التصدير جزئياً من قبل الدول غير الأعضاء في أوبك الموقعة على الاتفاق، والتي كانت أقل من حصتها بمقدار 165 ألف برميل يومياً، في المجمل، بلغ معدل الوفاء بالحصص 98%.
لقد وعد العراق بتصحيح الوضع في نيسان/أبريل، لكن ذلك لم يحدث قط، على الأقل ليس بشكل كامل، وكان من المتوقع أن لا تزيد الصادرات عن 3.3 مليون برميل يومياً، لكنها في الواقع تجاوزت 3.4 مليوناً، ويجدر الإضافة إلى ذلك أن هيكل إنتاج وصادرات النفط في العراق ليس الأكثر شفافية بسبب “، “العامل العاشر” تحت اسم “حكومة إقليم كردستان”، ولا تخضع كردستان العراق فعلياً لسيطرة الحكومة المركزية في بغداد، كما أن كمية النفط التي تزودها بالخارج ليست واضحة تماماً، ومع ذلك، وفقاً لإحصاءات الإنتاج الإجمالي، فإن تجاوز الحصص ملحوظ أيضاً.
وكان العراق من بين الدول التي وافقت على تخفيضات طوعية في الإنتاج أواخر العام الماضي، ومن بينها أيضاً السعودية (التي خفضت الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً)، والإمارات (160 ألف برميل يومياً)، والكويت (135 ألف برميل يومياً) وغيرها، ونذكر أن روسيا خفضت إنتاجها بعد ذلك بمقدار 500 ألف برميل يومياً دفعة واحدة، وهو ما تم تفسيره أيضاً بالصعوبات التي واجهتها الصادرات بسبب العقوبات، لكن تبين أن العراقيين لم يتمكنوا من الوفاء بالتزاماتهم.
بالتالي، من السهل تفسير سلوك العراق، بعيداً عن الصعوبات مع كردستان: فالبلاد تحتاج إلى العملة لتوفير احتياجات مواطنيها الذين يبلغ تعدادهم 45 مليون نسمة، للمقارنة: لا يتجاوز عدد سكان المملكة العربية السعودية 20 مليون نسمة، والإمارات العربية المتحدة – ما يزيد قليلاً عن مليون نسمة، ومن أجل الحصول على ميزانية متوازنة، يحتاج العراق إلى سعر النفط عند 90 دولاراً للبرميل بحجم الصادرات الحالي، وبالتالي، يعتبر العراق بمثابة “الحلقة الضعيفة” في نظام أوبك+، والذي قد يكون أول من يتفاعل مع مزيج من الأسعار المرتفعة غير الكافية والحصص الصارمة للغاية.
لكن ربما لا داعي للبحث عن معنى خفي في تصريحات عبد الغني المتناقضة، خاصة أنه ليس من الواضح تماماً ما إذا كانت مقابلته حول تخفيضات إضافية في الإنتاج أم تمديد للتخفيضات الحالية.
وبحسب المحلل في فينام نيكولاي دودشينكو، فإن هذه التصريحات، التي نقلتها بلومبرج، قد تبدو وكأنها حشو لغرض المضاربة في السوق، كما أن قصة التلاعب بالأسعار ليست جديدة على بلومبرج، ومن الجدير على الأقل أن نتذكر رسالة الوكالة في يناير/كانون الثاني 2018 بأن الصين أوقفت شراء سندات الحكومة الأمريكية، وعلى الفور تقريباً، صدر نفي من الصين، التي ذكرت أن التقرير نقل عن مصدر غير موثوق به أو أنه مجرد أخبار كاذبة.
أوبك تحت المجهر
أياً كان الأمر، لم يتبق سوى أسبوعين حتى اجتماع أوبك، وفي هذه الحالة، سيتم النظر إلى أي بيان غامض “تحت المجهر”، وأثمرت سياسة أوبك+ الحازمة في خفض الإنتاج نتائج ودعمت الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبياً، رغم كل المخاطر والاضطرابات التي تشهدها الأسواق، وظل النفط من بين الأصول التي صمدت بنجاح أمام زيادة أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، الآن، في وضع صعب إلى حد ما، قد يكون هذا القرار مصيرياً لأعضاء الكارتل وزملائهم في أوبك+، بما في ذلك روسيا.
بالتالي هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن الاتفاقيات السابقة وخفض الإنتاج الطوعي سيظلان ساريين، لعدة أسباب:
أولاً، يبدو الوضع الحالي لأسعار النفط صعبا للغاية، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط في الربع الأول، إلا أن التصحيح تبع ذلك، وفي السوق الفورية، يبلغ السعر مرة أخرى حوالي 83 دولاراً للبرميل، والسوق نفسها في حالة من التأجيل – وليس التكوين الذي يناسب الكارتل؛
ثانياً، نرى أن إحدى الدول الرئيسية في منظمة أوبك+، وهي المملكة العربية السعودية، بدأت في رفع أسعار درجاتها النفطية مرة أخرى، ويبدو أن ارتفاع الأسعار يشير إلى مخاوف من وجود فائض في السوق، وبهذه الطريقة، يحاول السعوديون التأثير بشكل أكبر على أسعار السوق.
وفي أحدث مراجعة قصيرة المدى لأسواق الطاقة، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) أيضاً أن تواصل أوبك + التخفيضات الطوعية.
ما هو الأمثل لروسيا؟
بحلول نهاية عام 2024، ستكون السوق العالمية للهيدروكربونات السائلة قريبة من التوازن، إذ أن زيادة الطلب في الصين ودول آسيا والمحيط الهادئ النامية يقابلها زيادة الإنتاج في الدول المنتجة التي ليست جزءًا من صفقة أوبك +، أما إذا تم رفع قيود الإنتاج، فسيتم تكوين فائض، مما سيؤدي إلى انخفاض في عروض الأسعار، وفي هذا الصدد، ستكون استراتيجية أوبك+ الأكثر ترجيحاً هي تمديد الاتفاق بالشروط الحالية – دون تخفيضات إضافية.
ومن خلال قراءة التوازن الحالي للسوق العالمية، من المرجح جداً أن تتمكن الدول الأعضاء في أوبك + من التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد تخفيضات الإنتاج، لأن انتهاك الاتفاق سيخلق مخاطر كبيرة لحدوث انخفاض كبير في الأسعار، وهو ما سيؤدي في المستقبل إلى انخفاض كبير في الأسعار، كما سوف تفوق فوائد الفرص المتاحة لزيادة الإنتاج مقارنة بالمستوى الحالي.
بالتالي، إن تمديد الاتفاق بالشروط الحالية يبدو الحل الأمثل بالنسبة لروسيا لأسباب مماثلة.
أما بالنسبة لأوبك+ بشكل عام، فإن الوضع الحالي ذو شقين: من ناحية، الأسعار الحالية مريحة للغاية بالنسبة لمعظم دول الكارتل وتلك التي انضمت إليها، من ناحية أخرى، فإن المخاوف بشأن فقدان حصتها في السوق تؤثر بالتأكيد على العديد من اللاعبين، كما أن النمو السريع للإنتاج في الولايات المتحدة ، والذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوياته في عام 2019، يجعل الوضع متوتراً أيضاً، ومع ذلك، في الوقت الحاضر، لا ينبغي، على ما يبدو، توقع قرارات جذرية من نادي منتجي النفط، ولحسن الحظ، فإن قادة المنظمة – روسيا والمملكة العربية السعودية – في الوقت الحالي لا لبس فيه ولا يؤيدون زيادة الإنتاج، وفي روسيا، ارتفعت إيرادات ميزانية النفط والغاز بنحو 90% في إبريل/نيسان مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو ما يوضح بوضوح صحة المسار المختار.