موسكو – (رياليست عربي): كتب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال جولته الأخيرة مقالاً لصحيفة الأهرام المصرية، وعدداً من وسائل الإعلام الأفريقية، حول آفاق العلاقات الروسية الأفريقية في السياق الجيوسياسي الحالي.
تلعب الدول الأفريقية اليوم دوراً متزايد الأهمية في السياسة والاقتصاد العالميين، وتشارك بنشاط في حل المشكلات الرئيسية في عصرنا، صوتهم المتضامن في الشؤون العالمية يبدو أكثر وأكثر انسجاماً.
لقد دعت روسيا باستمرار إلى تعزيز مكانة إفريقيا في العمارة متعددة الأقطاب للنظام العالمي، والتي يجب أن تستند إلى مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأن تأخذ في الاعتبار التنوع الثقافي والحضاري للعالم، في هذا السياق، نرحب بالتطوير الناجح لهياكل التكامل مثل، على سبيل المثال، الاتحاد الأفريقي، وجماعة شرق أفريقيا، والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، والجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا و منظمة التنمية الحكومية الدولية (إيغاد)، إننا نعتبر إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية خطوة مهمة نحو الاستقلال الاقتصادي الحقيقي للقارة، وتحريرها النهائي من أي مظاهر من مظاهر التمييز والإكراه.
تستند العلاقات الروسية الأفريقية إلى روابط الصداقة والتعاون التي أثبتت جدواها، إن بلدنا، الذي لم يلوث نفسه بجرائم الاستعمار الدموية، كان على الدوام يدعم بإخلاص الأفارقة في نضالهم من أجل التحرر من الاضطهاد الاستعماري، وقدمت مساعدة عملية وغالباً مجانية لشعوب القارة في تشكيل دولتها، وإنشاء أسس الاقتصادات الوطنية، وتعزيز القدرات الدفاعية، وتدريب الموظفين المؤهلين، اليوم نقف متضامنين مع مطالب الأفارقة لاستكمال عملية إنهاء الاستعمار وندعم المبادرات ذات الصلة على منصة الأمم المتحدة.
لا يزال تطوير شراكة شاملة مع البلدان الأفريقية من بين الأولويات المهمة لسياسة روسيا الخارجية، نحن منفتحون على مزيد من البناء، بما يتماشى مع القرارات الاستراتيجية التي اتخذت في القمة الروسية الأفريقية الأولى في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في سوتشي.
في الوقت نفسه، سأشدد بشكل خاص: بلدنا لا يفرض شيئاً على أحد، ولا يعلم حياة الآخرين، لدينا احترام كبير لسيادة الدول الأفريقية، وحقها غير القابل للتصرف في تحديد مسارات التنمية الخاصة بها، التزاماً راسخاً بمبدأ “المشاكل الأفريقية – حل أفريقي”، حيث يختلف هذا النهج في تطوير العلاقات بين الدول اختلافاً جوهرياً عن منطق “القائد – التابع” الذي فرضته المدن الكبرى السابقة، والذي يعيد إنتاج النموذج الاستعماري المتقادم.
نعلم أن الزملاء الأفارقة لا يوافقون على المحاولات المكشوفة للولايات المتحدة وأقمارها الصناعية الأوروبية لإملاء إرادتهم على الجميع، لفرض نموذج أحادي القطب للنظام العالمي على المجتمع الدولي، نحن نقدر الموقف المتوازن للأفارقة فيما يتعلق بما يحدث في أوكرانيا وحولها، على الرغم من الضغوط الخارجية غير المسبوقة، لم ينضم أصدقاؤنا إلى العقوبات ضد روسيا، مثل هذا الخط المستقل يستحق الاحترام العميق.
كما يتطلب الوضع الجيوسياسي الحالي تعديلاً معيناً لآليات تفاعلنا: أولاً وقبل كل شيء، ضمان اللوجيستيات غير المنقطعة وإنشاء أنظمة التسويات المالية المحمية من التدخل الخارجي، حيث تتخذ روسيا، بالتعاون مع الشركاء، خطوات لتوسيع استخدام العملات الوطنية وأنظمة الدفع، كما يتم العمل على إجراء تخفيض ثابت في حصة الدولار واليورو في التجارة المتبادلة، من حيث المبدأ، نحن ندافع عن إنشاء نظام مالي مستقل وفعال، وغير معرض للتأثير المحتمل من الدول غير الصديقة.
كما تبرز مهمة جلب المشغلين الاقتصاديين الروس والأفارقة إلى أسواق بعضهم البعض وتشجيع مشاركتهم في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، ونفترض أن عقد القمة الروسية الأفريقية الثانية سيسهم في حل هذه المهام وغيرها، في الوقت الحالي، مع الأصدقاء الأفارقة، بدأنا في إعداد محتواه.
اليوم، يحتل الأمن الغذائي مكانة عالية في جدول الأعمال الدولي، نحن ندرك جيداً أهمية عمليات التسليم الروسية للمنتجات ذات الأهمية الاجتماعي، بما في ذلك المواد الغذائية ، للعديد من دول العالم، كما ندرك أن هذه الإمدادات تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، فضلاً عن تحقيق المعالم المنصوص عليها في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.
وهنا يجب التأكيد على أن تكهنات الدعاية الغربية والأوكرانية بأن روسيا “تصدر الجوع” لا أساس لها على الإطلاق. في الواقع، إنها تمثل محاولة أخرى لتحويل المسؤولية “من رأس مريض إلى “رأس سليم”، حيث من المعروف أنه حتى خلال فترة “أزمة كورونا”، استخدم الغرب الجماعي، باستخدام آلية انبعاث العملة، تدفقات السلع والأغذية، مما أدى إلى تفاقم الوضع في البلدان النامية التي تعتمد على واردات الغذاء، عندها بدأ الوضع الصعب في سوق المواد الغذائية يتشكل، أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا في الأشهر الأخيرة إلى تفاقم الاتجاهات السلبية.
بالتالي، المهم أن يفهم جميع أصدقائنا الأفارقة أن روسيا ستواصل الوفاء بأمانة بالتزاماتها بموجب العقود الدولية فيما يتعلق بتسليم شحنات تصدير الأغذية والأسمدة وناقلات الطاقة والسلع الحيوية الأخرى لأفريقيا، حيث يقوم الجانب الروسي باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك.
ستواصل موسكو اتباع سياسة خارجية سلمية ولعب دور متوازن في الشؤون الدولية، نحن ندافع عن تعاون واسع ومتساوي بين الدول على أساس أحكام ميثاق الأمم المتحدة، وفي المقام الأول مبدأ المساواة في السيادة بين الدول، كما سنواصل تعزيز التعاون المثمر مع الشركاء الأجانب الذين يظهرون استعداداً متبادلاً لذلك.
في هذا السياق، تنطلق روسيا من فرضية أن العلاقات الروسية الأفريقية – سواء كانت سياسية أو إنسانية أو تجارية واستثمارية – لها قيمة جوهرية ولا تعتمد على التقلبات في الوضع الدولي، ويسعدني أن أصدقائنا الأفارقة يلتزمون بتفاهم مماثل، معاً سنكون أقوى فقط.