القاهرة – (رياليست عربي): أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أهداف فرنسا النووية والصناعية التي تسعي لتحقيقها بحلول عام 2030 وهي 10 أهداف:
أولاً، إعادة اختراع الطاقة النووية.
ثانياً، الريادة في مجال الهيدروجين الأخضر.
ثالثاً، نزع الكربون عن صناعتنا.
رابعاً، إنتاج ما يقرب من 2 مليون مركبة كهربائية وهجينة.
خامساً، إنتاج أول طائرة منخفضة الكربون.
سادساً، تسريع الثورة الزراعية والغذائية.
سابعاً، إنتاج الأدوية الحيوية في فرنسا ضد السرطان والأمراض المزمنة، وإنشاء الأجهزة الطبية.
ثامناً، وضع فرنسا مرة أخرى على رأس إنتاج المحتوى الثقافي والإبداعي.
تاسعاً، حصول فرنسا علي حقها الكامل في مغامرة الفضاء الجديدة.
عاشراً، الاستثمار في مجال قاع البحر الغني بالتنوع البيولوجي المطلوب حمايته.
إعادة اختراع الطاقة النووية
واهتمام فرنسا خلال تلك الحقبة الكبيرة بما يسمى “إعادة اختراع الطاقة النووية” وذلك عن طريق الاهتمام بتطوير المفاعلات النووية الصغيرة، حيث اعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رصد 30 مليار يورو لتطوير وصناعة المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة، وأن المكون النووي من أولويات في خطته الصناعية، حيث كشف النقاب على أنها تقنية متقدمة وحديثة وواعدة للغاية، خاصة لمواجهة المنافسة من دول مثل الصين في هذا المجال.
كما أضاف الرئيس الفرنسي، بمناسبة عرض خطته البالغة 30 مليار يورو للصناعة والتقنيات، الثلاثاء 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن “الهدف الأول كان جعل فرنسا بحلول عام 2030 رائدة في صناعة مفاعلات نووية صغيرة مبتكرة”، وهذه الرغبة الفرنسية الجديدة في المراهنة بشكل كبير على المفاعلات المعيارية الصغيرة، والعناصر الأساسية لمحطة الطاقة النووية، تشكل تغييراً كبيراً في مسار بلد مثل فرنسا، طور قطاعاً نووياً حول مفاعلات أكبر من أي وقت مضى، ودائماً ما يكون أكثر قوة.
سيصبح المفاعل الصغير كبيراً ثم صغيراً مرة أخرى
“تولد كل من هذه المفاعلات المعيارية طاقة أقل من 300 ميغاواط (MW) لكل منها على حدة. وهذا أقل بكثير من معظم المفاعلات الموجودة حالياً والتي تنتج طاقة بين 950 ميغاواط و 1300 ميغاواط. وبعضها، مثل مفاعل فلامانفيل، قادر على الصعود إلى 1600 ميجاوات”، يلخص العالم جورجيو لوكاتيللي، خبير هندسة محطات الطاقة النووية في كلية الفنون التطبيقية في ميلانو: أنه عادةً ما تُبنى عناصر هذه المفاعلات الأصغر في خط تجميع مصنع، ثم تُنقل لتُجمَّع في الموقع حيث يمكن وفقاً لما تتطلبه الوحدة النمطية، أن تتكيف بسهولة مع الاحتياجات. إنه يشبه إلى حد ما نموذج إيكيا المطبق على الطاقة النووية.
ومن المفترض أن يسمح هذا التوحيد القياسي للإنتاج بتحكم أفضل في تصنيع هذه العناصر الأساسية لمحطة الطاقة النووية. أظهرت التأخيرات المتراكمة في موقع Flamanville-3 EPR كيف يمكن أن يكون تركيب مفاعل XXL واحد مساراً مليئاً بالعقبات، ولكن السباق على المفاعلات الصغيرة التي تريد فرنسا المشاركة فيها هو في الواقع نوع من خطوة إلى الوراء – فيما يتعلق بالحجم. “لقد بدأنا في الستينيات بمفاعلات صغيرة قبل التحول إلى مفاعلات أكبر لتحقيق وفورات الحجم”، بحسب الخبير الإيطالي.
لكن يبدو أن هذا المنطق قد وصل إلى حدوده. “EPRs مثل Flamanville وهذه المفاعلات ليست باهظة الثمن فحسب، بل هي أيضاً طويلة للغاية ومعقدة في البناء”، يلاحظ Giorgio Locatelli. لذلك من الضروري ليس فقط النجاح في جمع المليارات لتشييدها، ولكن أيضاً للعثور على مشترين على استعداد للانتظار في بعض الأحيان لمدة تصل إلى 10 سنوات لبدء تحقيق عائد على الاستثمار.
نموذج لمواجهة الصين
نموذج اقتصادي ليس في متناول الجميع. “هذه المفاعلات العملاقة تتطلب نماذج تمويلية وقدرة على حشد المعرفة التي هي عناصر يتعذر الوصول إليها بشكل متزايد، إلا في البلدان التي تتلقى فيها الشركات دعماً من الدولة، مثل روسيا أو الصين”، كما يعتقد نيكولا ماتزوتشي، المتخصص في قضايا الطاقة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية (FRS)، والذي صرح بأنه بالنسبة له، فإن التحول إلى المفاعلات المعيارية الصغيرة يعد خياراً استراتيجياً لفرنسا لكي تظل قادرة على المنافسة في مواجهة دول مثل الصين، التي أصبحت أكثر طموحاً في مجال الطاقة النووية، وستكون هناك أسواق يمكن الفوز بها. “بحلول عام 2025 أي غداً، يجب إيقاف ما يقرب من ربع القدرة النووية الحالية في العالم لأن المفاعلات ستصبح قديمة جداً”، يؤكد ذلك كثير من الخبراء – وعلى رأسهم نيكولاس مازوتشي – في تقرير حول التحديات الاستراتيجية لـ مفاعلات وحدات صغيرة، نُشر في مجلة Revue de l’énergie في يوليو/ تموز 2021.
علاوة على ذلك، لا تُستخدم المفاعلات النووية الصغيرة فقط لتحل محل أسطول المفاعلات المتقادم الذي لا يزال قيد الخدمة أو محطات الفحم المتقاعد باسم انتقال الطاقة. “نظراً لأنها تقنية مرنة للغاية، يمكننا تكييف هذه الوحدات مع البرامج المختلطة التي لا تهدف فقط إلى إنتاج الكهرباء”، كما يؤكد جورجيو لوكاتيللي. “يمكن استخدام هذه المفاعلات لتحلية المياه – وهي قضية مهمة في مناطق مثل الشرق الأوسط أو حتى في الهند – ويمكن استخدامها لإنتاج الهيدروجين أو لتوليد الحرارة في المناطق. أكثر برودة”، كما يقول نيكولا مازوتشي، كما يمكن أن تكون سلامتها، من الناحية النظرية، نقطة بيع مقارنة بالمفاعلات التقليدية. حيث ترك الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما في عام 2011 ملاحظة دائمة على سمعة الطاقة النووية فيما يتعلق بالسلامة، وأظهر الحادث الذي وقع في Taishan EPR في الصين في يوليو/ تموز 2021، أن المفاعلات ليست محصنة ضد المشاكل التقنية أيضاً.
ولذلك، تمتلك المفاعلات النووية الصغيرة “نظرياً إمكانات أمان مثيرة للاهتمام لأنها تحتوي بحكم التعريف، على مواد نووية أقل. ويمكن الحد من الانبعاثات المشعة في حالة وقوع حادث من خلال هذا المخزون الأصغر وتدابير الأمان. والتي سيتم تنفيذها”، ويلخص كارين هيرفيو، نائب المدير العام المسؤول عن سلامة المنشآت والأنظمة النووية في IRSN، أنه يمكن أيضاً اقتراح خيارات خاصة بالمفاعلات الصغيرة “لإزالة الطاقة المتبقية التي يستمر إنتاجها بواسطة قلب المفاعل بعد إيقاف تشغيله”، يضيف هذا الاختصاصي. هذه الطاقة المتبقية هي أصل ذوبان قلب المفاعل في مصنع فوكوشيما ومصنع جزيرة ثري مايل في الولايات المتحدة في عام 1979.
نقص الخبرة للتأكيد على نجاح تلك المفاعلات
لكن هذه هي النظرية. يؤكد كارين هيرفيو أنه “بالنسبة للمفاعلات المجهزة بأنظمة مبتكرة، سيتعين على المشغلين تبرير سلامتها”، في الواقع، لم يتم تأكيد أي من المزايا المفترضة للمفاعلات المعيارية الصغيرة في الممارسة العملية. هناك حوالي 70 مشروعاً للمفاعلات المعيارية الصغيرة قيد التطوير حالياً في جميع أنحاء العالم ولا تزال الغالبية العظمى في المراحل الأولى من التطوير، كما يعترف جورجيو لوكاتيللي، من معهد ميلانو للفنون التطبيقية: “الشاغل الرئيسي لهذه التكنولوجيا هو عدم وجود سجل حافل”. وليس فقط مقارنتها بالمفاعلات التقليدية.
لذا، عليك أيضاً أن تبدأ من الصفر لبناء خط الإنتاج بالكامل، وهو أمر مكلف. “إنشاء النموذج وحده يمكن أن يكلف مليار يورو”، ويؤكد الخبير الإيطالي: وبعد ذلك، لا يزال يتعين عليك النجاح في إقناع عدد كافٍ من العملاء لجعل الاستثمار مربحاً. هذه هي النسخة النووية “كمشكلة الدجاجة والبيضة”: هل من الأفضل بناء خطوط التجميع أولاً لإقناع المشترين المحتملين أم يجب أولاً العثور على من يشتري هذه المفاعلات؟”.
ويستنتج جورجيو لوكاتيللي، ويؤكد نيكولا مازوتشي أنه حتى لو كان السباق على المفاعلات الصغيرة الحجم لا يزال في مهده، فإن فرنسا “تبدأ متأخرة”. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يوجد بالفعل مشروع واحد على الأقل تلقى الضوء الأخضر من سلطات السلامة، وينشأ نظام بيئي كامل للشركات الناشئة حول هذه التكنولوجيا، كما هو مذكور على موقع Scientific American.
ومع ذلك، لا يزال بعيداً عن الضياع. يؤكد نيكولا مازوتشي أن “فرنسا تتمتع بميزة كونها قادرة على الاعتماد على قطاع أثبت نفسه في الصناعة النووية والذي يتحكم في السلسلة بأكملها من الاستخراج في مناجم اليورانيوم إلى تصميم المفاعلات”. وأمام باريس ما يقرب من عشر سنوات لترتيب كل لاعبيها النوويين في ترتيب المعركة من أجل مفاعلات معيارية صغيرة، لأن هيئة الطاقة الذرية الفرنسية تعتقد أنه “سيكون هناك سوق حقيقي لهذا النوع من المفاعلات اعتباراً من عام 2030”.
فرنسا تستوعب الدرس جيداً
الصراعات بين القوى الكبرى تزداد يوماً بعد يوم في ظل الأزمات العالمية المتصاعدة، سواء كانت مسلحة أو سياسية ودبلوماسية أو اقتصادية وتجارية، والتي زادت من أعداد اللاجئين والنازحين والمهاجرين والفقراء والمحتاجين حول العالم ومع جائحة كورونا امتدت إلى مجال الصحة والأدوية والعلاج، وأيضاً مشاكل التصحر وتغير المناخ ونقص وشح المياه الصالحة للشرب أو المستخدمة في الري والزراعة، وأخيراً ظهور أزمة الطاقة التي أدت إلى ارتفاع في أسعار المؤلوف البحري عالمياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المحاصيل والحبوب حول العالم بشكل كبير، وهو الأمر الذي سيؤثر كثيراً على الدول الصغيرة والنامية والفقيرة، ومع ظهور تكتلات وتحالفات سياسية واقتصادية جديدة نتيجة لتغير بوصلة الصراعات، كما كان لقرارات الإدارات الأمريكية السابقة والحالية بالغ الاثر على المتغيرات الدولية والعالمية، خاصة القرارات الثلاث:
القرار الأول: الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
القرار الثاني: الانسحاب المفاجئ من أفغانستان.
القرار الثالث: استبعاد فرنسا (الإتحاد الأوروبي) من التحالف البريطاني – الأسترالي – الياباني – الهندي لمواجهة تمدد النفوذ الصيني في المحيط الهندي والهادئ، والذي كان من أهم الأسباب نحو إلغاء استراليا إتمام صفقة الغواصات الفرنسية “تقليدية الوقود”، واستبدالها بغواصات أمريكية تعمل بالوقود النووي.
فكل هذه الأحداث العالمية هي التي دفعت الإدارة الفرنسية نحو وضع خطة لتطوير والتحديث لتحقيق أهداف قومية حتي عام 2030، على رأسها تطوير القدرات النووية التقليدية، واستبدال بقدرات نووية حديثة أصغر حجماً وأعلى قدرة وكفاءة، من شأنها تقليص اعتماد فرنسا على مصادر الطاقة المعتادة بأخرى، ومنح فرنسا ميزة تنافسية وتصديرية في المجال النووي المنتج لطاقة من شأنها رفع الشريحة السوقية للمنتجات الفرنسية في الصناعة والزراعة والطاقة النووية للأسواق التي تحتاج لها، خاصة دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط والمطلة على البحر المتوسط.
يتضح جلياً، أن فرنسا قد استوعبت الدرس جيداً من الأحداث العالمية السابقة، بوضع خطة وطنية لتطوير قدراتها النووية لمواجهة المنافسين “الصين” وهو المنافس المعلن، أما غير المعلن فهو منافسة الحلفاء ايضاً، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومن ناحية أخرى، يرجح كثير من الخبراء والمحللين السياسيين، أن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تلك الخطة وهذه الأهداف بما يتعلق بالتوقيت لقرب الانتخابات الرئاسية المقرر أن تُعقد جولتها الأولى في شهر أبريل/ تيسان من العام القادم، وذلك بهدف تعزيز وتدعيم حملته الانتخابية مبكراً، خاصة وأن فرصة توليه الرئاسة لفترة أخرى بدأت تتزايد، حيث أنه في آخر استطلاعات للرأي جاء في المركز الأول، بنسبة أكثر من 26%، وهي نسبة جيدة، حيث أن أقرب منافسيه قد حصل على 17%، إذاً فإن إعلانه عن هذه الخطة يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد، كما يقول الحكماء والفلاسفة.
خاص وكالة “رياليست” – د. خالد عمر.