قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن الضربات الجوية الأمريكية في سوريا استهدفت إرسال رسالة مفادها أن الرئيس جو بايدن سيعمل على حماية الأمريكيين، وأضافت ساكي أن أي إجراءات أمريكية أخرى في المنطقة ستكون بالتشاور وتستهدف منع تصعيد التوتر في سوريا، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
تزامن الأحداث
تفاجأ العالم بالأمس في غارة جوية أمريكية على مواقع في الشرق السوري وتحديداً، بمنطقة البوكمال التابعة لريف دير الزور، بسبعة صواريخ أطلقت من مقاتلات أمريكية من طراز “إف -15″، خلفت قتيلاً وعدداً من الإصابات.
كشفت التفاصيل أن القتيل من الجنسية العراقية ويتبع لكتائب حزب الله العراقي، مهمته ورفاقه، مراقبة الحدود السورية – العراقية لمنع تسلل عناصر تنظيم داعش من سوريا إلى العراق وبالعكس، وهذه المهمة بطبيعة الحال هي سبب بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، فلقد قالت واشنطن إن هذه الضربة تأتي في سياق الرد على الهجمات الأخيرة على مطار أربيل والمنطقة الخضراء، موجهة أصابع الاتهام فيها نحو الفصائل المسلحة الموالية لإيران، التي بدورها نفت ضلوع عناصرها بأيٍّ من هذه الهجمات.
وبحسب المعلومات المتواترة أن اختيار القوات الأمريكية لمبنى حدودي غير مأهول أقرب إلى أن يكون رسالة تحذيرية أكثر منه الرد على الضربات التي استهدفت شمال العراق، فالمنطقة عبارة عن صحارى واسعة وبحكم وجود نشاط لتنظيم داعش مؤخراً، لا يعدو الوجود فيها أكثر من مراقبة للحدود لا أكثر ولا أقل.
الهدف الحقيقي
تزامنت الغارة الأمريكية على منطقة البوكمال، مع نقل قيادات من تنظيم داعش كانوا مسجونين بسجن الصناعة في محافظة الحسكة الواقع تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية – قسد ونقلهم إلى القاعدة الأمريكية في منطقة الشدادي بريف الحسكة ومن ثم إلى منطقة التنف، التي تعتبر نقطة انطلاق التنظيم بعد إنعاشه، وللتعتيم على هذا الأمر ولصرف النظر نفذت الغارة على منطقة شبه خالية، لأن حقيقة الأمر أن العملية الواسعة التي أطلقها الجيش السوري مؤخراً، من منطقة الميادين في الشرق السوري وصولاً إلى منطقة التنف قد حقق فيها نتائج قوية، ولا تريد الولايات المتحدة لهذه العملية أن تستمر، فهذا يلغي ذريعة بقائها سواء في العراق أم في سوريا، فهي لم تقم بحكم البروتوكول العسكري المتبع لمنع الصدامات، حيث لم تبلغ روسيا إلا قبل دقائق قليلة، الأمر الذي كان من الممكن أن يحدث أضراراً كبيرة لو كانت القوات الروسية على مقربة من الموقع، ما يعني لو أن الضربة كان مخططاً لها، لكانت القوات الروسية علم مسبق بها، وهذا ما ينفي فرضية أنها للرد على الهجمات في العراق.
وليس هذا فقط، فلقد أصدرت وزارة الدفاع العراقية بياناً تنفي فيه مزاعم نظيرتها الأمريكية عبر وزيرها لويد أوستن، حيث نفت بشكل قاطع علمها بهذه الغارة على عكس الرواية الأمريكية.
لماذا سوريا؟
لقد اختارت واشنطن هذا الموقع من سوريا، لكي لا تضرب العراق، فهي تعلم أن استهداف الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران قد يحدث فوضى عارمة في الداخل العراقية لأسباب كثيرة، منها، عدد الفصائل الكبير والمنتشر في مناطق عدة، فضلاً عن مساحة العراق الكبيرة والتي لا تستطيع القوات الأمريكية السيطرة عليها، بالإضافة لوجود قواعد أمريكية كثيرة بالإضافة إلى قوات التحالف والبعثات الدبلوماسية والتي ستكون جميعها هدفاً مشروعاً للرد، وبالتالي ستدخل في أتون الفوضى مجدداً.
وكان من المناسب اختيار موقع بسيط في سوريا نظراً لسيطرتها على منطقة الشرق السوري الذي لا يشكل كمساحة شيء مقابل العراق، فالهجمات التي طالت بعثاتها أو قواتها حدثت من الداخل العراقي لا من الداخل السوري، فهذه الغارة ليست أكثر من إثبات وجود أمريكي كلاعب قوي على الساحة، لكن ليس لأجل الخارج، بل لاستعادة ثقة الشعب الأمريكي بمؤسسته السياسية على الصعيد الدولي.
أخيراً، إن رسالة واشنطن من خلال الاستهداف الجوي، رسالة تحذيرية تلقفتها إيران وروسيا، وهذا سيغير من سياسة التعامل على المستوى الدولي، نظراً للمخالفة التي قامت بها الولايات المتحدة، لدولة ذات سياسية حتى وإن أنهكتها الحرب، لكنها لا تزال عضواً في منظمة الأمم المتحدة، والاعتداء على سيادتها انتهاك صارخ، لكن المؤكد من كل هذا الأمر، أن القوات الأمريكية لا تستطيع فتح جبهة أو حتى تسخينها في العراق، فكان سوريا هي من دقع الثمن في مسألة لا علاقة لها بها.
فريق عمل “رياليست”.