القاهرة – (رياليست عربي): النجاح لا جنس له أو وطن أو دين أو معتقد ما، فأن تصبح حاكماً أو مسؤولاً أو ملكاً أو سلطاناً أو امبراطوراً، ليس من المستحيل، ولكن أن تكون حاكماً ناجحاً وتحوز على احترام المعارضين والخصوم قبل المؤيدين والحلفاء داخل الوطن وخارجه، إقليمياً ودولياً.
ومهما كان المذهب السياسي أو الاقتصادي، ويستمر ذلك لفترة أكثر من ١٦ عاماً، من نجاح إلى نجاح دون توقف، ودون ضجيج أو ضوضاء إعلامية أو دعاية (الألمان أول من ابتدع الإعلام الموجه في العالم الحديث، في زمن حكم النازية)، وتأدية العمل في صمت وتفاني، هذه هي الوطنية الحقيقية، الإخلاص في العمل المصحوب بالصدق في السر والعلانية، هذا هو النجاح، تحية إجلال وتقدير لميركل، فقد كتبت سيرتها في كتاب التاريخ بأحرف من ذهب، لتكون رمز للقيادة الحكيمة الهادئة الهادفة المتزنة، في فترة زمنية هي من أصعب وأحلك فترات الإنسانية صعوبة، تجمعت بها مشاكل ومِحن من كل الألوان والأطياف، فأصبحت المثل والقدوة، التي يتعلم منها، من يريد أن يتعلم ويستفيدون دون غرور أو كبر أو تعالي، وفت بالوعود والعهود، “أنجيلا ميركل” إنها حقاً شخصية محترمة ” .
من هي أنجيلا ميركل؟
دخلت أنجيلا ميركل، عالم السياسة عام 1989، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الغربية، التي ولدت فيها عام 1954، وألمانيا الشرقية التي نشأت فيها وقضت فيها كل حياتها إلى أن توحدت البلاد، وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم تصبح عام 2005، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية، ودرست أنجيلا الفيزياء في جامعة ليبزيغ، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1978، وعملت خبيرة في الكيمياء بالمعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم من 1978 إلى 1990. وتتقن ميركل اللغة الروسية أيضاً.
دخول السياسة
وفور سقوط جدار برلين عام 1989 انضمت أنجيلا ميركل إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، وعينت في حكومة هلموت كول وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية.
وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عينت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002.
وفي انتخابات عام 2005، فازت ميركل بفارق ضئيل على المستشار، غيرهارت شرويدر، وبعد التحالف بين “المسيحي الديمقراطي” و”الاجتماعي الديمقراطي”، عينت ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضاً أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة، وأعيد انتخابها لفترة ثانية عام 2009، ثم لفترة ثالثة عام 2013، وكانت ميركل منذ توليها منصب المستشارة الألمانية محط أنظار وسائل الإعلام العالمية، بسبب شخصيتها المتميزة ومنصبها الكبير في الساحة الدولية.
مرأة حديدية
أطلقت عليها الصحف والمجلات العديد من الألقاب منها بينها السيدة الحديدية (وهو نفس اللقب الذي اطلق علي الراحلة مارغريت تاتشر – رئيس وزراء بريطانيا في فترة الثمانينيات) لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، كما يطلق عليها الألمان لقب “الأم”، لما يجدون فيها ربما من عاطفة وتفاعل مع حاجياتهم الاجتماعية.
وصنفت مجلة “فوربس” الأمريكية المستشارة أنجيلا ميركل، أقوى امرأة في العالم نظراً لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.
وفاجأت المستشارة الألمانية العالم عندما فتحت حدود بلادها لجميع اللاجئين عندما اشتدت أزمة المهاجرين الهاربين من الحروب والمجاعة نحو أوروبا، ومقتل الآلاف منهم في البحر الأبيض المتوسط.
واجهت ميركل معارضة كبيرة في بلادها بعد دخول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا، وتراجعت شعبيتها في الانتخابات، لكنها تمسكت بموقفها من اللاجئين، وكان يتوقع أن تفوز بجائزة نوبل للسلام، وهو الأمر الذي يجب أن يحدث لمواقفها المشرفة والإنسانية من الصراعات والنزاعات المسلحة والمشاكل التي يعاني منها البشر في مناطق كثيرة في شتي بقاع الأرض.
ولكن صورة ميركل مختلفة في دول مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، إذ تصفها وسائل الإعلام هناك بالشدة والتجبر، لأنها فرضت، من خلال الاتحاد الأوروبي، على هذه الدول إجراءات تقشف وصارمة مالية، عانت منها طبقات اجتماعية وسياسية.
وأُطلق على أنجيلا ميركل، التي انتخبت لمنصبها في 2005، أقوى سياسية على ظهر الكوكب وهي أول امرأة تقود ألمانيا.
وبذلك تنضم إلى قائمة أبرز مستشاري ألمانيا، مثل كونراد أديناور الذي حكم من 1949 إلى 1963، وهيلموت كول الذي حكم من 1982 إلى 1998، ويعد الأب لروحي لميركل، وهو الذي اقتنع بقدراتها السياسية ورفعها لأعلى المناصب.
أنجيلا ميركل.. النموذج
للنجاح مقومات ومناخ ونظم وبيئة سياسية تدعم وتساعد على إفراز الكوادر السياسية القادرة والمؤهلة بكفاءة وتميز على قيادة دفة الحكم، وهو الأمر الذي تتمتع به ألمانيا ومعظم دول الغرب ، ولكن بنسب نجاح متفاوتة، ولكن القاسم المشترك بينهم في النجاح والاستمرارية هو وجود حياة سياسية وحزبية ناضجة وحقيقية (النظم السياسية بدون أحزاب حقيقية هي عين العبث) تعتبر هي مراكز تفريع السياسين من كافة المذاهب والأيديولوجيات، على اختلافها وتنوعها، مما يثري الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية بشكل عام .
مع ضرورة أن يكون المسؤول قادراً على التطور المستمر والدائم للنجاح في القيام بمهام مسؤولياته على كافة الأصعدة والمجالات، من وطنه وأمته وشعبه، حتى يذكره التاريخ بما يستحق بالمدح والثناء، أو العكس.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.