القاهرة – (رياليست عربي): الغرب يحاول شيطنة الصين لفشله داخلياً وخارجياً: بداية – لا زال الغرب للأسف يحاول لفشله في حل مشاكل العالم، ازدواجية معاييره وعدم احترامه للغير والعنصرية الشديدة تجاه الجنوب والشرق والتي لم تكن وليدة اليوم، يقوم بنعت الصين بأنها الوحش الجديد الذي سيبتلع العالم، وذلك من خلال إعلامه الخبيث بهدف شيطنة الصين من خلال الإعلام الغربي والعربي وفي منطقة الشرق الأوسط من خلال بعض عملائه في بلادنا العربية والإسلامية.
فما حدث تجاه سفينة المهاجرين غير الشرعيين والتي كانت تقل ما يقرب من 750 مهاجراً من دول عربية بالقرب من السواحل اليونانية الأربعاء الماضي، كان فضيحة إنسانية بكل المعايير للاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية في بروكسل، حيث رفضت السلطات اليونانية إنقاذ المهاجرين إلا بعد 24 ساعة كاملة وهم يصارعون الموت في عرض البحر بعد أن تلقوا إشارات من قوات مكافحة الهجرة قبل السواحل اليونانية كما ورد إلينا في وسائل الإعلام.
ونقول لهذه الأقلام والأفواه الخبيثة – ولماذا ترضون قلة القيمة والهوان مع الهيمنة الأمريكية؟ ولماذا تحاولون تجميلها برغم كل السيئات والموبقات التي تلحق بها؟ أليس لاستفادتكم المادية والأدبية التي تتلقونها من أمريكا والغرب في شكل اموال وهدايا نقدية وعينية وحضور مؤتمرات كمتحدثين؟ والمشكلة بالأساس ليست في الصين – لأنه أيضا كل دولة في مجال الشراكة أو العلاقات الدولية تسعى لتحقيق أقصى منافع لها، بل هي الطبيعة البراغماتية/النفعية للدول.
ولكن يتحتم على الدول الأخرى أو الطرف الآخر دراسة الاتفاقيات جيدا، وطرحها على المختصين في العلاقات الدولية والقانون الدولي من المستشارين للحفاظ على مكاسب الطرف الآخر – وعليه فلا يمكن إلقاء اللوم على الصين عند دخولها في اتفاقية مع دولة ما، وأن يكون لها اليد الطولى، طالما الدولة الأخرى لم تقم بما عليها من دراسة هذه الاتفاقية والعمل على جعلها متفقة مع مصالحها. ولماذا هناك برلمانات ينفق على انتخاباتها المليارات مسؤوليتها الأساسية دراسة والمصادقة على الاتفاقيات الدولية بالدرجة الأولى؟
النيو – ليبرالية وتشويه رموز الجنوب:
وما أشبه اليوم بالأمس – تحاول النيو – ليبرالية وعملاءها تشويه كل رموزنا في الجنوب والشرق بل ومحاولة إزالة أسمائهم من على مشاريع هم من انجزوها، كما يحاول البعض اقتراح إزالة اسم (الزعيم عبد الناصر) من على بعض مشروعات التي أنجزها في مصر، وايضا محاولة تشويه نظراءه كـ تشي جيفارا أو فيدل كاسترو أو تيتو لومومبا ونكروما، وغيرهم من قادة الجنوب في العالم والذين كان لهم شأن كبير في العالم منذ منتصف القرن الماضي.
والبعض الآخر اتهمهم بأنهم أنشأوا أنظمة دكتاتورية بعيدة عن (حقوق الإنسان) بعد أن طردوا المحتل الغربي – ونسى هؤلاء النيو – ليبراليين أنه لم يكن في هذا العصر أي نظام ديمقراطي بمعنى الكلمة موجود على ظهر الكرة الأرضية. حتى ما يسمونها بـ أم الحريات (الولايات المتحدة) إلى الآن تمارس أفظع الممارسات العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء والمسلمين، وكان السود إلى الستينات من القرن الماضي محرومين هم والكلاب من دخول الأماكن العامة. (وهذا للتذكير).
وآخر الاحداث التي تظهر مدى غباء الغرب وغطرسته وعنصريته تجاهنا محاولته أمس الأحد 18 يونيو 2023 من خلال شخصية عنصرية عديمة الخبرة وهو المدعو (جوزيف بوريل – مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي) الذي نعت العالم عدا (الغرب) بـ (الأدغال) – أي أننا كجنوب او شرق من (فصائل القرود) مثلا – حيث حاول بوريل الضغط على وزراء خارجية الجامعة العربية بإعادة تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية – وعندما رفض وزراء الخارجية العرب وهذا موقف محترم لهم – شكراً سامح شكري، ألغى هذا المتطرف العنصري (بوريل) الاجتماع بوزراء الخارجية العرب – ليعلم العالم من كان المتآمر الحقيقي على سوريا؟ وطبعا بوريل يأتي كما نظراءه الفشلة (ستولتنبرغ – فون در لاين – وكافة زعماء غرب أوروبا) بأوامر من واشنطن، لأنهم مجموعة من الخدم المطيعين لأمريكا.
الصين ومبادرتها لـ حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي:
كان من دواعي سروري أن أحل ضيف على قناة سي بي سي أذربيجان أمس بالإنكليزية للتحدث عن هذه المبادرة من خلال ثلاث محاور أساسية:
تقييمنا لجهود بكين في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي
تحاول الصين تصدير صورة جديدة للعالم – حيث ان العالم وخصوصا بعد العملية الأوكرانية الخاصة لم يعد أمريكياً – وكذلك نجاح الصين في الوساطة والصلح ما بين المتنازعين السابقين والصديقين حاليا (إيران والسعودية) أعطاها مصداقية وزخم في أنها دولة جادة في حل النزاع، (أولا) لحماية مصالحها المتزايدة في المنطقة (ثانيا) حل النزاع يعطي فرصة للتنمية والهدوء وتصفير المشاكل في المنطقة – فجاء التدخل الصيني أكثر كفاءة مما توقع الكثيرون في هذا الصدد والذين كانوا يراهنون على أمريكا، وأنها هي فقط التي تحاول إدارة النزاع، وهذا حتى تظل مستفيدة لأطول فترة ممكنة. وكان من أكثر الملفات فشلا لدى أمريكا وأوروبا هو الملف الفلسطيني، للميل الضمني للجانب الإسرائيلي الصهيوني طوال الوقت على حساب فلسطين – فلم تقف أمريكا أو أوروبا أي موقف جدي إلى يومنا هذا مع موضوع الاستيطان الإسرائيلي، وآخرها أمس بقرار نتنياهو هذا القاتل بـ احتلال واغتصاب جزء من الضفة الغربية وتخصيصه لبناء مستوطنات.
تعد العلاقات جيدة ما بين الصين والسلطة الفلسطينية، ولكن هل يمكن للصين أن تبني علاقات جيدة بحماس في غزة؟
بكل تأكيد – لأن الصين علاقاتها طبعا جيدة بكل من إيران وروسيا وسوريا – وإيران على وجه التحديد لديها علاقات ومنذ زمن طويل بغزة وخصوصا حماس والجماعات الجهادية هناك وهذا يقصر المسافات ما بين الصين وهذه الفصائل الفلسطينية وبالتالي يسهل التنسيق ما بين الشريكين الاستراتيجيين الصين و إيران في هذا الصدد – حيث كان (عباس) الرئيس الفلسطيني في (بكين) بالتوازي مع وجود وفد من المقاومة الفلسطينية في زيارة ولقاء مع المرشد الأعلى الإيراني (خامنئي) في (طهران) وبالتأكيد التواصل موجود ما بين العاصمتين الصينية والإيرانية في هذا الشأن على الأقل للتنسيق.
هل هناك تنافس ما بين اللجنة الرباعية التي تقودها أمريكا والصين لحل النزاع ما بين فلسطين وإسرائيل؟
هناك ثلاث عوامل ليسوا في صالح إسرائيل وأمريكا (أولا) الوضع الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة وحجم الدين العام الذي وصل وربما سيتخطى 31.5 تريليون دولار، أي بما يكافئ (95000 دولار) نصيب الفرد من هذا الدين العام، وكما تمهد وكالة بلومبرج حالياً، وليس قولي في آخر مقال صادر عنهم لي أن هناك مشاكل مالية ونقدية ستحدث قريبا في الاقتصاد الأمريكي وهو تخفيف لما نتوقع نحن من إعصار مالي مدمر يتفوق على ما حدث في 2008 والأرقام عالية أمامكم – وليس معنى أن ما قاله بايدن في حملته الانتخابية مؤخرا أنه حقق (12 مليون وظيفة) أن الاقتصاد مستقر، فكم من هذه الوظائف ثابت؟ ومن يحصل على هذه الوظائف مهاجرين غير شرعيين أم مواطنين أم مقيمين بشكل دائم؟ وكم من الوقت مكثوا في هذه الوظائف؟ فهذا رقم مفبرك ومضلل – وخصوصا أن بايدن ايضا تكلم عن مشروع مضلل أمام ناخبيه مما يعكس مدى جهل المواطن الأمريكي بالجغرافيا والعالم (خط سكك حديدية يربط ما بين المحيطين الهادي والهندي – صنف المخدر عالي للغاية).
(ثانيا) المصالحة الإيرانية السعودية التي دحضت كل مزاعم اسرائيل المضللة من تطبيع مع الجانبين السعودي والمصري، لأن حتى (بلينكن – وزير الخارجية الأمريكي) رجع خائب الأمل من الرياض لأن المفاوض السعودي اشترط شرطا تعجيزيا أن تعود اسرائيل وتلتزم بالمبادرة العربية التي اقترحها الملك السعودي عبد الله في بيروت عام 2002 والتي تنص على إنشاء دولة للفلسطينيين – وشكرا للدبلوماسية السعودية على حسن إدارتها ملف زيارة بلينكن الأسبوع الماضي.
(ثالثا) الوضع الداخلي لدى اسرائيل نفسها مع وجود حكومة متطرفة يقودها إرهابي وفاسد (نتنياهو)، مكروهة شعبيا لا يمكنها قبول هذا الشرط السعودي، وفي وضع سيء وتحديات.
هناك نقطة أن الصين لديها علاقات قوية وضاغطة داخل إسرائيل نفسها وكان لديها استثمارات في البنى التحتية واللوجستيات والاتصالات من خلال مبادرة طريق الحرير، ووصلت لحوالي 20 مليار دولار بموجب ما نشر في جيروزالم بوست – فالصين لديها سيولة تحتاجها إسرائيل في حين أن أمريكا وحتى أوروبا في أوضاع مالية صعبة خصوصا مع تخصيص ما يقرب من 200 مليار دولار لأوكرانيا (عندا) في روسيا بالإضافة إلى أزمة الطاقة.
وكل هذا مجتمعاً يضع الصين في وضع أفضل من الولايات المتحدة في المنطقة، ويجعلها طرفاً موثوق فيه لحل النزاع في الشرق الاوسط وليس إدارته.
أحمد مصطفى – رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة – مصر.