القاهرة – (رياليست عربي): ذكريات في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو: أتذكر وعلى المستوى الشخصي عند منحة الماجستير لدى المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو – كان لدينا إحدى الدورات في السنة الأولى في 2019 تحت مسمى (السياسة الحديثة) والتي كان يقوم بتدريسها أستاذ موفد من جامعة جورج تاون الأمريكية باسم (إسرائيل ماركيز) في برنامج شراكة مع مدرسة العلوم الاجتماعية بالجامعة.
وكان الجميع من طلاب مدرسة العلوم الاجتماعية يتوقعون أن يروا شخصاً مختلف بالفعل يؤمن بحرية التعبير والحرية الأكاديمية، حيث كان شاباً لا يزيد عمره عن 40 عاماً – ولكن للوهلة الأولى اكتشفنا أننا أمام مهرج أو ممثل ستاند آب كوميدي شخصية ديكتاتورية يعتقد خطأ أنه يعرف كل شيء، ومستواه لا يتعدى أي معيد في كليات العلوم السياسية في الجامعات المصرية وخصوصاً جامعة الاسكندرية التي أنتمي إليها.
إلى أن أتت اللحظة – التي أظهر فيها حقيقته العنصرية تحت مسمى “حرية التعبير” وأمام ما يقرب من 70 طالب من أربعين جنسية على الأقل – وأخذ في شتم بلدي (مصر) وكذلك الرئيس (السيسي) ووصفه بالدكتاتور، ليس هذا فقط بل طال سبابه كلاً من سوريا والعراق، وأن الدول الثلاثة دول دكتاتورية – دون الرجوع لي كطالب مصري ولديه دراية تامة بمصر للتأكد من معلوماته الخاطئة – ودون مراعاة لمعايير الحرية الأكاديمية حتى الأمريكية منها (إم إل إيه)، وهي معروفة والتي تقوض أي عمل أكاديمي يحتوي على نبرات كراهية وعنصرية.
فما كان مني إلا أن خرجت ودفعت الباب بشدة خلفي للرد على افتراءاته وكراهيته – وتوجهت لمكتب رئيس القسم للتحقيق في الواقعة لأن كل المحاضرات كما تعلمون حالياً تسجل بالصوت والصورة إثباتاً لحقي، وأنه لا بد أن يعتذر – بل وطلبت مناظرة مع هذا (الشيء) لأثبت له كم أن أمريكا والغرب هم مصدر العنصرية ذاتها بالدليل القاطع – واتصلت بسفيرنا وقتها السفير/ إيهاب نصر، لاطلاعه على الموقف، وأيضاً بالصديق والزميل د. عمرو الديب أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيجني نوفغورود أيضاً لاطلاعه على الموقف.
وقاطعت محاضراته إلى نهاية العام، تجنباً من أن أضربه أو أعنفه أمام كاف الطلاب مما يستتبع فصلي من الجامعة – وتقريباً تعرض هذا المدرس للوم من قبل رئيس القسم، وفي المحاضرة التالية وكما سمعت حتى من زملائي الأمريكيين في وقتها، والذين اعتذروا لي عن هذا السلوك المشين لأستاذ جامعي يمثل الأكاديمية الأمريكية، أن قال “لا أعلم لماذا زعل صديقنا من مصر؟ وعليه فإن هذه المحاضرة هي مخصصة لسب وقذف الولايات المتحدة ونظامها، وأدعو أي أمريكي يتضايق من هذا إلى مغادرة القاعة” – ويا لها من معالجة سيئة لـ الخطأ بخطأ آخر على اعتبار أن هذه هي حرية التعبير.
هذا الموقف يشرح لنا كيف هو التفكير الغربي تجاهنا – وهم يعلمون تماماً أن الأديان بالنسبة للمسلمين والشرقيين خطاً أحمر – وهذا ما يفسر نفس الموقف الذي قام به هذا اللاجئ العراقي عديم القيمة في السويد والذي يدعي أنه مسيحي وهو أبعد ما يكون عن تعاليم سيدنا عيسى عليه السلام.
وعندما أتيحت الفرصة لمهاجر سوري مسلم على دراية بدينه، أقصد الشاب السوري المهذب (أحمد علوش) بعدما طلب من السلطات حرق التوراة أمام (سفارة إسرائيل) وبعد أن تجمع الإعلام السويدي قال لهم “أردت فقط أن أظهر لكم كيف يفكر المسلم الواعي أنه يحب ويحترم الديانات الأخرى كما يحب ويحترم دينه، وإن الإسلام وهذا القرآن الذي حرق أمامكم يحثنا على حب واحترام أصحاب الديانات الأخرى.”
خطأ السويد من حيث التوقيت
أخطأت السويد خطأ لا يغتفر مرة أخرى – لسببين (الأول) ذكرى رأس السنة الهجرية لعام 1445 لدى المسلمين وقرب الاحتفال بذكرى عاشوراء والتي تجمع ما يزيد عن 20 مليون مسلم في كل عام في العراق الحبيب، والتي تعني لنا الكثير لأنها تذكرنا باغتيال سيدنا الحسين في سبيل الحق ونصرة كلمة جده سيدنا رسول الله إن “الأمر شورى بينهم”، و(الثاني) أن روح السويد في يد تركيا الآن، فيما يخص محاولة قبول عضوية الأولى في حلف الناتو، حيث قد طلبت منها تركيا ثلاث معضلات (تعديل قانون الإرهاب – عدم تكرار حادثة إحراق المصحف – تسليم بعض المطلوبين من حزب بي بي كيه) في قمة فيلنيوس الأخيرة في ليتوانيا.
موقفنا من الحوار الإسلامي مع الغرب
لقد سئمنا ممن يقولون أنه لا بد من عقد حوار مع الغرب لأنهم ربما يجهلون الثقافة الاسلامية، وهذا حق يراد به باطل، يرجى العلم أن السويد بها ما يقرب من (900 ألف مسلم) سواء مهاجرين أو مقيمين أو مواطنين سويديين – ولكن كما ذكرت في مقالات سابقة أن روح العنصرية والشعبوية واليمين المتطرف تظهر وتنمو بسرعة في الغرب نظراً للوضع الاقتصادي السيء بسبب الفشل في تحقيق أي نجاح ضد روسيا في (الحرب مع أوكرانيا) وبعد إحالة غالبية إجمالي الناتج القومي الغربي لاقتصاد الحرب وليس النمو الاقتصادي، خدمة لوبي السلاح في أمريكا والذي يمثله بايدن وآخرين في الحزب الديموقراطي.
وكذلك الكذب الإعلامي المستمر الذي يمارس من خلال ماكينة الإعلام الغربية الكذابة تجاه مواطني الغرب، والتي كررها الفاشل وزير خارجية أمريكا (بلينكن) منذ عدة أيام، والذي لم يحقق أي نجاحات تذكر في السعودية وفي الصين على الترتيب، حيث كرر نفس الاسطوانة المشروخة “أن روسيا مهزومة، ولم تحقق سيطرتها على أوكرانيا” وهذا طرح شديد الغباء، لأن مطلب روسيا من البداية كان ولا يزال ضمانات أمنية وحيادية أوكرانيا من الناتو.
وتصديقاً لما طرح أعلاه – هل لو كانت أوكرانيا، المدعومة مادياً ولوجستياً من الغرب حققت أي نجاح ملموس في هجومها المضاد على روسيا – لماذا لم تقبل في عضوية الناتو؟!
وما نقوله في هذه الحوارات (الأديان والثقافات والحضارات) التي يحضرها الصفوة من الجانبين الإسلامي والغرب لا تقدم ولا تؤخر للصورة النمطية التي يتبناها الغرب، والتي وردت في أدبيات تلامذة (مدرسة شتراوس الأمريكية) ومنهم “هنتنغتون وفوكوياما” والذين صوروا أن الخطر القادم ما بعد الشيوعية، التي كسرت في وجهة نظرهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، هو المد الأخضر (الإسلام)، وأنهم يجب أن يستعدوا له، ونسوا أن المسلمين حاليا حوالي 2 مليار مسلم وبحلول 2070 سيصبح تعداد المسلمين هو الغالب في العالم.
وبالرغم من مبادرة الحوار من قبل الرئيس الإيراني السابق والمثقف السيد، محمد خاتمي، والتي حاول فيها الرد على دعوات الصراع ما بين الثقافات والحضارات، وأن التعاون والشراكة أفضل للبشرية من الصراع.
إلا أن الغرب لا زال يتمسك بعنجهيته وعنصريته وكراهيته تجاه المسلمين والعرب والجنوب، وأنه لو هناك حوار وشراكة، فإنها يجب أن تكون وفقاً لنموذجه وأخلاقياته المشوهة، والتي نواجهها يومياً من نشر لكل ما يدمر الأسرة والسلوك الفطري البشري واستبداله بسلوك شاذ وملتو بدعوى احترام الحريات الفردية – هذا المعول الذي حتماً سيهدم الغرب.
استمرار الغباء الغربي والسويدي تجاه المسلمين
وبالرغم من الضجة التي حدثت من حوالي ثلاثة أسابيع و اعتذار الحكومة السويدية عما بدر منها، وافقت السلطات مرة أخرى على حرق المصحف بل وحرق علم العراق، ومن قبل نفس الشخص، ضاربين بعرض الحائط ما يمكن أن يحدث لهذه الدولة من قبل العالم الإسلامي – حيث يمثل العالم الإسلامي أكبر سوق لهذه الدول الغربية.
وفي آخر إحصائيات صادرة عن البنك الدولي فإن حجم التجارة ما بين الغرب والعالم الإسلامي بلغ حوالي 1.3 تريليون دولار وفقاً لإحصائيات عام 2018 اي يقترب من 20% من حجم سلع وخدمات الغرب وهذا رقم كبير جداً.
السويد ليست الدولة الأولى في الكراهية
فكما تبين أعلاه أن أمريكا هي سيدة الكراهية – تليها بريطانيا وتاريخها معروف مع المسلمين والعرب خصوصاً القضية الفلسطينية وهي كما قال عنها الزعيم (عبد الناصر) الشيطان الأعظم ولا تزال تدعم الكيان الصهيوني وتقمع المسلمين في داخلها ومؤخراً أغلقت بعض المراكز الإسلامية – فرنسا ماكرون التي أعادت نشر الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام – السويد وجيرانها من الدول الاسكندنافية (فنلندا والنرويج) والذين قبلوا بالتجسس على (روسيا والصين) حسب تسريبات سنودن وفقاً لضغوط أمريكية والنرويج التي أطلق فيها متطرف مواطن نرويجي النار على مسجد للمسلمين في النرويج.
ما جرى من قبل الناتو ودوله والمتعاطفين معه في كل من العراق وأفغانستان والصومال وليبيا وكذلك ما حدث في سوريا واليمن وما حدث في باكستان تجاه عمران خان عندما قرر الاتجاه شرقاً – وطبعاً ما يحدث في السودان أكبر دليل على الفتنة التي يصنعها الغرب في مجتمعاتنا من فتنة وتقسيم مع وجود بعض ضعاف النفوس لدينا سواء من انظمة حاكمة واو مجموعة سياسية نافذة ترتبط مصالحها به.
أيضاً كل ما يتم حاليا يشتتنا عن قبلتنا ووجهتنا الأساسية (فلسطين) واستمرار أقصى حالات التهجير والإبعاد والتنكيل الممنهج وبدعم أمريكي من هذا الكيان الغاصب ضد أهالينا في فلسطين المحتلة والتي لو حلت مشكلتها وتحققت دولتها لاستفاق
ما هو العقاب القانوني للدول الداعمة لجرائم الكراهية؟
لدينا سابقتين في هذا الصدد بموجب القانون الدولي (الأولى) محاكم نورمبرج الخاصة بتعذيب اليهود في ألمانيا، والتي صنفت كجريمة عنصرية وكراهية واستوجبت تعويضات كبيرة مالية لا زالت تدفع من قبل الحكومة الألمانية سنوياً للكيان الصهيوني.
والسابقة الثانية هي سابقة محاكم رواندا والتي قضت بالحبس والتعويض لكل من تورط في جرائم عنصرية من قبل التوتسي ضد الهوتو والتي خلفت مليون قتيل في رواندا في تسعينيات القرن الماضي.
وتلك الحالتين للرد على من يقول لا توجد سوابق قانونية دولية ضد الكراهية – وعليه إحالة السويد الى المحكمة الجنائية الدولية لتصبح عبرة.
ما يتوجب علينا القيام به
كحكومات وكيانات – لا بد من قطع العلاقات الاقتصادية مع السويد ومحاصرتها اقتصادياً – المال هو من سيذل هؤلاء، والضغط على الأمم المتحدة بتجريم حرق الكتب السماوية وسن مادة جديدة في القانون الدولي تستوجب المقاضاة ودفع تعويضات واتخاذ إجراءات تصعيدية ضد أي دولة تقوم بذلك – بالرغم أن الأمم المتحدة للأسف لم تعد مؤخراً مكاناً يعبر عن الرأي الجمعي في العالم لأن دولة المقر تسيطر عليها – والأزمة الأوكرانية وقبلها الأزمة السورية والفلسطينية أكبر شاهد على هذا الغرب الغير محترم وتحكم دول المقر في المنظمات هذه.
توجه دول العالم الإسلامي نحو القوى الجديدة الصين وروسيا ودول آسيان لأن لديهم بدائل لكل ما نشتريه من الغرب وأيضاً لديهم احترام ومصداقية ولنتذكر ماذا فعل الرئيس المحترم بوتين بالقرآن الكريم في زيارته لداغستان عندما تلقى المصحف كهدية من مفتي داغستان وكيف انتقد ماكرون بعد إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول في 2019.
أما كأفراد – فلدينا مواقع التواصل الاجتماعي ونقترح وسم معين (ملاحقة السويد دولياً) وتسليم هذا المتطرف الذي حرق القرآن، وأيضاً مراسلة كل سفارات السويد والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأمريكا وكندا وكذلك الدخول على صفحاتهم من خلال رسائل استهجان ولوم وتقريظ وأنهم دولاً مزدوجة المعايير وأنه يتوجب عليهم احترام دياناتنا وثقافتنا.
أنا اقترح مقاطعة كل المنتجات الأوروبية لأن السويد ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي وعلينا مقاطعة منتجاتها كافة ولدينا بدائل في العالم الجديد (الصين وروسيا وماليزيا وإندونيسيا والهند وإيران وتركيا وباكستان وكذلك البرازيل ودول أمريكا اللاتينية).
وفي النهاية، كمسلمين – علينا البعد كل البعد عن الفتنة، نحن حوالي 2 مليار مسلم حالياً الغالبية من الطائفتين الأكبر سنة وشيعة فلنجعل من مناسبة رأس سنة هجرية جديد 1445 عام الوحدة الإسلامية ولنبتعد عن التناقضات السطحية الخاضعة للبحث العلمي في التاريخ الاسلامي هل كانت الهجرة في محرم أم في ربيع الأول لأنه هذا ما رأيت على مواقع التواصل الاجتماعي وكل فريق يتشبث برأيه دون بحث علمي مقنع.
أيضاً علينا كمسلمين وأنا اقترح كباحث أن نقوم بعمل بحث استقصائي عما أنفقه المسلمون على الفتنة بين السنة والشيعة وسنصدم من عظمة المبالغ التي ستطال تريليونات من الدولارات واكبر أمثلة كانت العراق وسوريا واليمن، ولصالح من كانت هذه الفتنة هل جاءت في صالحنا أم في صالح الغرب والكيان الصهيوني؟
دعونا نبني على المصالحة الأخيرة بين كبار طرفي الأمة (إيران والسعودية) مرحلة جديدة مبنية على الحب والتعاون والثقة فلدينا فرصة سانحة وهي مخاض نظام عالمي جديد، ولا بد لـ 2 مليار مسلم أن يكون لهم دورا في هذا العالم الجديد.
“واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”
خاص وكالة رياليست – الأستاذ أحمد مصطفى – رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة – مصر.