إنه في الثلاثاء الماضي الموافق 7 إبريل 2020 وبناءا على دعوة البروفيسور ياكوفليف ألكسندروفيتش أستاذ الإقتصاد بالمدرسة العليا للإقتصاد بموسكو، قام البروفيسور والخبير الإقتصادي الياباني د/ إيفاو أوهاشي مستشار اليابان لدي جمعية المناطق الصناعية في روسيا – بإلقاء محاضرة لطلاب الدراسات العليا بقسم الدراسات العليا عن الإقتصاد الروسي ودور الدولة في تنمية هذا الإقتصاد – وهل الدولة الروسية في وضعها الراهن مشجعة للإستثمار الأجنبي المباشر داخل روسيا أم هناك عقبات يتوجب حلها.
ومن أهم النقاط التي أشار إليها في تحليله ما يلي:-
التعاون القائم مؤخرا ما بين البلدين على وجه الخصوص منذ عام 2016 فيما يتعلق بخطة التعاون الاقتصادي القائمة على ثمان نقاط ومن ضمنها مجال تحسين البيئة، الطاقة، والرعاية الصحية، والبنى التحتية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تطوير الإنتاجية، تطوير التكنولوجيا المشتركة، وتطوير الشرق الروسي، ودعم التفاعل ما بين الشعبين الروسي والياباني.
وفي هذا الصدد، قد استخدم خليط ما بين الأساليب الكمية “رسومات بيانية سواء حكومية، أو من خلال البنك الدولي، وغيره من المنظمات الإقتصادية الدولية” والكيفية “من خلال الأدبيات التي سردها في طرحه المتعمق”، وبعض الدراسات المقارنة الخاصة بدول أسيوية أخرى استطاعات من وجهة نظر رجال الأعمال والخبراء الإقتصاديين اليابانيين، أن تتخطى روسيا في جذب الإستثمارات الأجنبية وخصوصا اليابانية منها، ومنها دول مثل الشرق الصيني، وبورما، والفلبين، وتايلاند، وسنغافورة، واندونيسيا ثم الهند من خلال المحاور البحرية الإقتصادية البحرية التي تعاونت فيها مع اليابان.
وأن البيزنس ليس له هوية سياسية، ودلل على هذا بالتنافس والخلافات ما بين اليابان والصين واليابان وكوريا الجنوبية، ولكن في نفس الوقت حجم الشراكة والتعاون التجاري في أفضل حالاته، وحتى لو كان هناك نزاع روسي ياباني على بعض الجزر، إلا ان هذه الخلافات يمكن ان تزول من خلال الشراكة الإقتصادية القوية.
وبكل تاكيد أشاد بتجربة الصين الكونية “طريق واحد حزام واحد – طريق الحرير” والتي أشار في إجابته على بعض الأسئلة، أن هذه الفكرة كانت روسية بالأساس وتمتد لنهاية القرن التاسع عشر، وهي التي ألهمت الصينيين للقيام بها.
أيضا تحدث أن لا يزال شرق روسيا يحتاج لمزيد من البنى التحتية والإهتمام على مستوى الميكرو، وان توجه القيادة الروسية مؤخرا لتنمية فلادوفستك، وما حولها مثل إقليم سخالين المقابل للجار الياباني، يعد من أهم ما تحتاج إليه روسيا في الوقت الراهن، وان روسيا لا زالت في احتياج للتعاون و”الإتصال” بشكل اعمق مع الجار الآسيوي “دول جنوب وشرق آسيا”، والتي يمكن أن تمثل دفعة أكبر وتظور أكبر للاقتصاد الروسي، ربما ربما قد يزيد عن الجار الأوروبي.
إيفاو أوهاشي
وهذا ما أشرنا إليه فعلا مع البروفيسور/ إيفاو – حين تذكرت واقعة مع سفير سنغافورة لدى مصر في سبتمبر 2018، والذي انتقد غياب روسيا اقتصاديا عن التعاون مع دول شرق آسيا، وهذا يضر بمصالح روسيا في المقام الأول تجاريًا، وحتى استراتيجيًا، لأنها تترك فراغا للدول الأوروبية وأمريكا لكي تحل محلها، في هذا الموقع الإستراتيجي المهم في العالم، وهذا الإقليم ربما هو من يقود عجلة الإقتصاد عالميا في المستقبل مع العملاق الصيني، وطبعا اليابان لتحكمه فيما يزيد عن 50% من الصناعة والنقل البحري عالميا.
الشيء الذي لفت نظرنا في السيد إيفاو حياديته وموضوعيته كباحث اقتصادي محترم، وذلك عندما تم سؤاله بشكل مباشر عن أزمة “كورونا” ودخولنا لركود اقتصادي جديد بعد 2009، وما هي الوصفة التي يجب ان نتبعها للخروج بأمان من هذه الأزمة الإقتصادية العالمية، وقد اجاب بكل مصداقية “على الدول ان تجد الحل داخليا على مستوى الميكرو، وتدعو كل المهتمين والمختصين للتعاون لإيجاد حل مناسب للخروج من الأزمة، ثم بعد ذلك على مستوى الماكرو أن تتعاون الدول مع بعضها البعض أيضا لإيجاد مخرج من الوباء ومن الركود الإقتصادي، اي أن التحالفات الإقتصادية في هذا الوقت مهمة جدا.
كما قال: “أما بالنسبة لكورونا فلم أجد أفضل من دولة (الصين) لأحييها والتي استخدمت حتى الجيش الصيني لفرض الحظر التام والسيطرة على المرض، وبالتالي إتمام فعالية العلاج وخرجت آمنة وقوية من هذا الوباء، بل وتساعد الدول الأخرى في القضاء عليه” وكما رأينا بالفعل احتفلت مدينة (وهان) الصينية منذ يومين بإعادة افتتاحها مرة أخرى، بعد إنحسار الوباء منها بشكل تام، بالرغم من ان الصين كانت الأكثر تعرضا عالميا لهذا الوباء، وخرجت منه ثم تصدرت أمريكا المشهد بما يقارب مائة وخمسين ألف مصاب وفقا لآخر الإحصائيات.
جدير بالذكر ان البروفيسور فلانتين كتاسونوف كان له لقاءات شديدة النجاح عبر شاشة روسيا اليوم والتي استعرض فيها بعض كتبه، والتي صدرت في الخمس سنوات السابقة، وتكلم فيها بشكل رائع عن نظام الإقراض العالمي وخطورته، البترودولار، الأزمة الإقتصادية العالمية 2007-2009، حيث سلط الضوء على نقاط لم يشر اليها لا في الإعلام العربي ولا الغربي، بل وشكك في جدوى تدريس مادة الإقتصاد في الجامعات عبر العالم نظريا، لأنه لا يعطي الطلاب الصورة كاملة، حتى يفهموا كيف يدار الإقتصاد فعليا على المستويين الميكرو والماكرو.
تناول في الحلقة لماذا يتم استخدام الحروب كأحد اساليب علاج الركود الإقتصادي وإزالة الإختلالات الإقتصادية، ودلل على ذلك بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وما حققته للولايات المتحدة من مكاسب جراء ذلك، وقسم الإقتصاد لنوعين (الأول) حقيقي يسعى إليه الشخصيات الوطنية، واقتصاد اخر هو الإقتصاد المالي، وهو غير حقيقي يخدم النخب المالية فقط، واعطانا مثال ومقارنة بين الرئيس كيندي والذي قتل من قبل أنصار الإقتصاد المالي غير الحقيقي في نظام الإحتيطاي الفيدرالي، عندما أراد ان يحيل الإقتصاد في أمريكا الى اقتصاد حقيقي، وقال ان ربما (ترامب) يريد ان يكرر ما يقوم به كيندي، وان هذا يمثل حرب أهلية إقتصادية أمريكية في الوقت الحالي؟؟؟!!!
وسيصبح اقتصاد امريكا ان فشل أن يصبح إقتصادا حقيقيا، كـعملاق بأرجل من طين، سيعتمد فقط على طابعة الأموال للاحتياطي الفيدرالي، ومنتجات هولليوود الفنية، وتجارة السلاح.
تكلم أيضا عن موضوع طباعة الدولارات دون انتاج حقيقي، ولكن حتى مع ارتفاع الدين الداخلى لأكثر من 800% في أمريكا، وحوالي (300%) في أوروبا، وكذلك الصين، لكن لم يستتبع ذلك القيام بحرب كبرى، ولكن انخرطت أمريكا في حروب صغيرة وتأجيج صراعات لمساعدة اقتصادياتها مرة أخرى.
ثم تكلم عن المساهمين في الإحتياطي الفيدرالي، واصدار 6 تريلليون دولار، تخصص (2) منها للشعب الأمريكي والإقتصاد الحقيقي داخل أمريكيا، والباقي (4) تريلليون للمساهمين في الإحتياطي الفيدرالي خارج أمريكا، للعب في سوق البورصات والأصول وسوق الطاقة والتي سينخفض سعرها، ثم يشتريها مساهمو الإحتياطي الفيدرالي، ولكن لم يحن الوقت بعد؟؟؟؟!!!!
وان دخول الأموال الكبيرة في السوق سيشكل فقاعات مالية على حسب زعمه (تضخم كبير)، على الإنسان/الدول أن تختار بين الصواب والخطأ أثناء وبعد أزمة كورونا – وستنهار منظومة العلاقات الدولية بموجب المهام العالمية في تقارير نادي روما/نادي الكبار – والذي يسعى لتقليص السكان، وتراجع الصناعة في الإقتصاد “مجتمعات ما بعد الصناعة”، وتآكل السيادة الدولية، وتشكيل الحكومة العالمية من وجهة نظر مساهمي الإحتياطي الفيدرالي.
وهنا لي عدة نقاط أختلف فيها مع تحليل البروفيسور كتاسونوف:-
حيث أن الحرب على الإرهاب التي شنتها امريكا في 2001 بعد تمثيلية تدمير مبني التجارة العالمي في منهاتين كبدت الإقتصاد العالمي الى الآن ما يقرب من (11 تريلليون دولار) وحدها، والتي من شأنها عرضت الإقتصاد الأمريكي لهذا العجز الرهيب في 2007، طبعا مع شيطنة آلهة الإقراض مساهمي الاحتياطي الفيدرالي، والتلاعب بأسعار الليبور العالمية والتي افلست دولا اوروبية وأسيوية، ووضعتها في وضع اقتصادي متدني، عدا الصين لأن البنك المركزي الصيني تحت إرادة الدولة، وليس مستقلا في سياساته النقدية.
ولن ننسى وضع (أيسلندا) والتي أصبح كل مواطن فيها مدين بحوالي (25 الف دولار) إلى البنوك بسبب إخضاع غالبية البنوك في العالم للاحتياطي الفيدرالي، وتقويم عملاتها بالدولار، فهل سيقبل المواطن الأمريكي والأوروبي أو أي مواطن لديه معرفة مرة أخرى عبء هذه الديون الرهيبة، ويصبح عبدا لآلهة الإقراض مرة أخرى؟ وخصوصا مع تطور دور الإعلام حاليا، ووجود منصات تواصل اجتماعي، لا تقتنع بما تروج له الحكومات، هل سنفاجأ بحركة أكبر داخل أمريكا وأوروبا تشبه حركة (إحتلوا) بسبب برامج التقشف والبطالة والعجز والفقر الشديد، الذي سيضرب البلاد مرة أخرى؟!!
وهل تعد ترامب شخصا ناجحا اقتصاديا بعد خروجه مما يقرب من 11 إتفاقية دولية لمحاربة البطالة داخل امريكا، وأنه في حربه التجارية مع الصين أيضا إزدادت البطالة وإزداد العجز لتوقف الصين عن شراء سلع زراعية وصناعية في ولايات تابعة للحزب الجمهوري أي لـ ترامب، ولم يتم تطبيق أي اتفاق بسبب وصمه للصين بأنها السبب في وباء كورونا، شتان ما بين (كيندي) الرئيس المحترم، وبين رجل لا يفرق بين اقتصاد دولة والبزنس الشخصي، وهل مع انهيار أسعار النفط بسبب (الوباء المفتعل) وتواطئه مع محمد بن سلمان، ستقدر دول الخليج على إنقاذ الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى، كما حدث في 2008 عندما طلب بوش الإبن منهم مجتمعين ضخ (4 تريلليون دولار) في الخزانة الأمريكية!!
كان البروفيسور متحفظا في كلامه فيما يخص تجارة المخدرات في العالم التي تديرها إحدى العائلات الأمريكية النافذة، والذي أقر في أحد برامجه السابقة أن أموال بارونات المخدرات أنقذت البنوك من الإفلاس، بعد توسط المخابرات الأمريكية لبارونات المخدرات لكي يدخلوا مجالس ادارات البنوك، بشرط ضخ اموال داخل الإقتصاد في هذه البنوك، ولكي تحدث أكبر عملية غسيل اموال في التاريخ في ذلك الوقت في 2008، وأشار الى تقارير نشرت في الصحافة البريطانية وقتها مثل (الجارديان والأوبزرفير) وشهادة مسئول الأمم المتحدة نفسه “السيد/أنطونيو ماريا كوستا” عن هذا الموضوع.
لا أعتقد ان منظومة العلاقات الدولية ستنهار لأن وجود الصين بمبادراتها الجديدة (طريق الحرير) وقوتها الإقتصادية وعلاقاتها مع اوروبا التي تزداد يوما فيوما، كأبر شريك تجاري لها في العالم، وبحجم تبادلات تجارية تصل لأكثر من مليار يورو يومياً، بموجب إحصائيات البنك الأوروبي، وأيضا مع بزوغ فكرة “نظام عالمي جديد” يمكن فيه التسريع بإحلال اليوان واليورو مكان الدولار، أو ربما قبول الصين التعامل على أساس العملات الوطنية مع دول العالم الأخرى وهذا ما حدث مع روسيا مؤخرا بموجب حالة الضعف الإقتصادي الأمريكي الشديد الحالي، ستكون هي البديل لمقرارات نادي روما للكبار، وطلبيات الكمامات الطبية المطلوبة من الصين تشهد على تفوق الصين، وكذلك دخول الصين في كل الدورات الإنتاجية العالمية بما لايقل عن 25% كما ذكرنا سابقا.
اما بالنسبة لتقليل حجم سكان الأرض، وهذا أمر مثير للسخرية لمن قام بتصنيع فيروس كورونا – يرجى العلم انه مع الحظر المفروض عالميا أصبح “الجنس والإنترنت” هما وسيلتا الترفيه الوحيدتان لدى البشر في العالم، وبالتالي ستزداد نسبة الحمل والإنجاب بعد أزمة كورونا، وعكس ما خطط له سابقا.
وكذلك فكرة مجتمعات ما بعد الصناعة – اعتقد ان هذه الفكرة لا تروق للدول الصناعية الكبرى وعلى راسها الصين وألمانيا واليابان وفرنسا وكندا، لأنه مع زيادة نسبة البطالة داخل الدول لعدم وجود صناعة وزراعة، وزيادة الإنفاق العام على البطالة مثلا، فإلى أي مدى يمكن ان تستمر أي دولة مهما كانت قوتها على هذه الحال؟!!
ولكن في النهاية يتفق الباحثان (إيفاو وكتاسونوف) على تعاظم دور الصين، والثناء عليها جدير بالذكر ان الميزان التجاري وبالأرقام يؤكد تفوق الصين إقتصاديا في العالم سواء مع الإتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة وبفارق كبير، وفكرة أن كل دولة يجب ان تفكر في إيجاد المخرج المناسب للخروج من الأزمة الإقتصادية من الآن، والتي حلت بالفعل علينا مع أزمة وباء كورونا والتي جعلت الإتحاد الأوروبي يقترح فكرة “سندات كورونا” لإنقاذ الدول الأوروبية التي ستتعرض لأزمات لإنقاذها من الإعسار المالي.
في النهاية وعلى كل حال سنرى ما سيئول إليه الوضع الإقتصادي العالمي بعد هذه انحسار هذا الوباء – وهل البشر هم الأهم أم أصحاب المصالح؟!!
أحمد مصطفى- خبير في الاقتصاد السياسي، خاص لوكالة أنباء “رياليست”