إن فيروس كورونا المستجد يقودنا إلي الاختلاط بالواقع الحديث لعالم يتسم بالعولمة والترابط علي نحو كامل – ويشير بقوة إلي الحاجة إلي استجابة مُنسقة عالمياً. وتشير المجهولات العديدة التي نشأت في الأذهان من حيث – هل ستستمر الأزمة طوال العام، أم ستكون موسمية؟ – لقد بات من المستحيل تقدير مدته وتأثيرها، علي عكس الأشياء الأخرى التي تهدد أمننا الذي يشكله الفيروس علي حياتنا الفردية وعلي أمننا الشخصي أكثر وضوحاً كل يوم، ولكن ما بدأ يظهر هو الأثر الذي سيخلفه علي أمننا الجماعي من خلال تأثيره علي الموارد والتدفقات التجارية والتأهب العسكري وربما حتى استقرار النظام في بعض بلدان العالم. إن النظام الدولي هذه الأيام يعتمد علي الربط العالمي المعزز من خلال زيادة القدرة علي الحركة البدنية. وهو يعمل علي أفضل نحو عندما يتفاعل العرض والطلب بحرية وتكون سلاسل السلع الأساسية غير مقيدة. ولكن الفيروس الجديد ألقي الرمال علي هذه التروس؛ فأدخل عناصر غير متوقعة لا تستطيع أي دولة أن تسيطر عليها.
استشهدت نشرة مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الأمن القومي والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب بالتهديدات من مجموعة من جماعات الكراهية تستهدف الأقليات, وتكشف كيف أن نظريات المؤامرة حول أصول الفيروس واستجابة الحكومة من المحتمل أن تغذي العنف المحتمل. كما تتوقع أن تكون المساحات الحيوية في الوقت الحالي، مثل المستشفيات ومتاجر البقالة، أهدافاً محتملة، بالإضافة إلى ضباط الشرطة الذين ينفذون أوامر الإقامة في المنزل. وهذه الوثيقة التي حصلت عليها شبكة سي إن إن الإخبارية من أربع صفحات هي الأخيرة في سلسلة من التحذيرات من مجتمع الأمن القومي بشأن التهديد الذي تمثله الجماعات المتطرفة مع انفجار فيروس كورونا المُستجد في مختلف أنحاء البلاد وترفعه إلى الحياة اليومية.
واليوم، أصبحت التهديدات الأكبر في الواقع تهديدات خلوية. والتهديدات الأكبر التي يواجهها القرن الحادي والعشرين ليست تلك التي نستطيع الدفاع عنها ضد استخدام الجيوش الدائمة أو الأسلحة المتطورة. ولهذا السبب فإن لجان الدفاع عن النفس تعمل على تغيير العالم ومؤسساته الدفاعية الرئيسية. ولكن ما إذا كان هذا التغيير من الممكن أن يحدث بالسرعة وحجم احتياجات العالم محل شك. ويرجع هذا إلى أن صعود “مناهضة العولمة”، والذي تحركه الشعبية الشديدة السرعة التي تتمتع بها سياسات اليمين المتطرف، هدد بتفكيك البنية الأمنية العالمية في مرحلة ما بعد الحرب، حتى قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في التاسع عشر من سبتمبر/تشرين أول. وأدت الاتجاهات السياسية والاقتصادية المثيرة للخلاف في هذا التحول إلى الضعف السريع للمؤسسات والتحالفات والاتفاقات التي أنشئت لتجنب الخلافات الدبلوماسية من التحول إلى صراعات تامة النضج. ولهذا السبب نشهد اليوم استجابة عالمية مفككة.
إن هذا الافتقار إلى التنسيق ضد وباء عالمي يشكل واحداً من أكبر التحديات التي يواجهها العالم اليوم. ذلك أن التهديدات الأعظم التي تواجه القرن الحادي والعشرين منهجية شاملة: ولدرء هذه التهديدات، يتعين علينا أن نعيد النظر في طبيعة الأمن القومي ذاته. إن سياسة الأمن الوطني الأكثر استجابة للشواغل الأمنية المعاصرة لابد أن تعالج القوى التي تقوض المؤسسات والقواعد العالمية التي تشكل الأساس للأمن العالمي. إن سياسة الأمن الوطني التي تطورت الآن لابد أن تحل مجموعة من الثنائيات المتقاطعة التي تقيد الرفاهة الوطنية بدلاً من تشجيعها.
فأولاً، لابد من إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، وخاصة في عالم حيث يحتاج المزيد من الناس إلى الحماية من الدولة وليس الحماية من قِبَل الدولة.
ثانياً، يتعين علينا أن نتحرك من ديناميكية التخطيط التفاعلي التي تركز على التهديدات والمخاطر إلى ديناميكية استباقية تعمل على بناء الانسجام والاندماج والمرونة والهدوء والرفاهية ــ وهي الديناميكية التي تتعامل مع التهديدات ليس باعتبارها أشياء يمكن التغلب عليها بل باعتبارها أموراً ينبغي منعها.
وثالثاً، يتعين علينا أن نستبدل عقلية “السيطرة” التي تعالج مشاكل الشعوب بالنسبة لهم بنهج “التمكين” الذي يمكن الأفراد والمجتمعات من تولي زمام حياتهم وآفاقهم ــ بقدر أقل من فرض القواعد والمزيد من التشجيع.
ورابعاً، من الأهمية بمكان أن يعمل نموذج “التدخل” في تصميم السياسات العامة على تخفيف حدة وفقاً لنموذج “المنع” الذي يؤكد على الحذر الاستباقي وليس ردود الفعل الدرامية.
محمد ثابت حسنين، باحث في العلوم السياسية- خاص وكالة “رياليست”