كييف – (رياليست عربي): في تطور لافت يعكس تحولاً في موازين القوى الدولية، اعترفت السلطات الأوكرانية رسمياً بانخفاض كبير في حجم المساعدات العسكرية القادمة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن كييف إلى تراجع بنسبة 40% في شحنات الأسلحة الأمريكية خلال الربع الثاني من عام 2025 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. كما لوحظ تباطؤ ملحوظ في وصول المعدات العسكرية الأوروبية، حيث لم تصدر أي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي التزامات جديدة بتقديم مساعدات عسكرية منذ بداية العام الجاري. هذا التراجع يأتي في سياق متغيرات السياسة الداخلية الأمريكية، حيث يشهد الكونغرس انقسامات حادة حول ميزانيات المساعدات لأوكرانيا، بينما تواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً اقتصادية واجتماعية متزايدة من شعوبها.
الخبراء العسكريون يرون أن هذا التراجع في الدعم يأتي في أسوأ توقيت ممكن للقوات الأوكرانية، التي تواصل خسارة مواقع استراتيجية أمام التقدم الروسي المطرد. مصادر مطلعة من داخل وزارة الدفاع الأوكرانية تشير إلى نقص حاد في الذخيرة والأنظمة الدفاعية، مع تآكل مخزون صواريخ الدفاع الجوي بشكل خاص، مما يترك المجال الجوي الأوكراني عرضة للضربات الروسية المتكررة. كما يعاني الجيش الأوكراني من شح في قطع الغيار اللازمة لإصلاح المعدات العسكرية الغربية التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الأشهر الماضية.
وعلى الصعيد السياسي، يحلل المراقبون أن هذا التراجع في الدعم الغربي يعكس تحولاً في الأولويات الاستراتيجية للدول الداعمة. فالولايات المتحدة تبدو أكثر انشغالاً بالتوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بينما تعاني أوروبا من إرهاق المساعدات وتبعات الأزمة الاقتصادية المستمرة. مصادر دبلوماسية غربية تشير إلى تزايد الاعتقاد في العواصم الأوروبية بأن الصراع الأوكراني دخل في مرحلة جمود يصعب كسرها عسكرياً، مما يدفع نحو البحث عن حلول سياسية قد لا تلبي جميع تطلعات كييف.
المشهد الداخلي الأوكراني يشهد تصاعداً في الأصوات المنتقدة للإدارة الحالية، حيث يطالب بعض النواب والمسؤولين السابقين بإعادة تقييم الاستراتيجية العامة في التعامل مع الأزمة. تقارير إعلامية محلية تتحدث عن انقسامات داخلية حادة بين تيار يصر على مواصلة القتال بأي ثمن، وآخر يطالب بالبدء في مفاوضات سلام واقعية. هذه الانقسامات تظهر جلية في جلسات البرلمان الأوكراني الأخيرة، حيث تجادل النواب بشدة حول كيفية التعامل مع شح الموارد العسكرية وتداعياته على سير العمليات الحربية.
في الجانب الروسي، يتابع الكرملين هذه التطورات باهتمام بالغ، مع تأكيدات متكررة من مسؤولين روس على أن استمرار تدفق الأسلحة الغربية لأوكرانيا لن يغير من النتيجة النهائية للصراع. تحليلات استراتيجية روسية تشير إلى أن موسكو تعتمد حالياً على استراتيجية استنزاف طويلة الأمد، تهدف إلى إرهاق الجانب الأوكراني وحلفائه الغربيين اقتصادياً وسياسياً. مصادر عسكرية غربية تقدر أن روسيا نجحت في تعويض خسائرها المبكرة عبر زيادة الإنتاج الحربي المحلي وتفعيل شبكة إمدادات أسلحة من حلفائها الدوليين.
التداعيات الإقليمية لهذا التراجع في الدعم العسكري تبدو بالغة الخطورة، حيث تشهد الحدود الأوكرانية مع روسيا وبيلاروسيا تحركات عسكرية مكثفة. تقارير استخباراتية غربية تحذر من احتمال قيام روسيا بشن هجوم صيفي كبير في حال استمرار تدهور القدرات الدفاعية الأوكرانية. في المقابل، تحاول كييف تعويض النقص في الدعم الغربي عبر تعزيز تعاونها العسكري مع بعض الدول الآسيوية والشرق أوسطية، وإن بنتائج محدودة حتى الآن.
على الصعيد الإنساني، يستمر تدهور الأوضاع في المناطق الأوكرانية المتضررة من القتال، مع تزايد أعداد النازحين وتراجع القدرة على تقديم الخدمات الأساسية. منظمات الإغاثة الدولية تحذر من أن تقليص المساعدات العسكرية قد يرافقه انخفاض في الدعم الإنساني أيضاً، مما يهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة في فصل الشتاء المقبل. تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 18 مليون أوكراني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مع تدمير ما يقرب من 40% من البنية التحتية للبلاد.
