موسكو – (رياليست عربي): قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يومي 18 و19 أغسطس الجاري 2024، بزيارة مهمة للغاية إلى أذربيجان ،حيث ناقش خلالها مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف في باكو مختلف القضايا المتعلقة بمواصلة تطوير العلاقات الثنائية والشراكة الإستراتيجية والتحالف الإقليمي بين البلدين، بالإضافة إلى القضايا الدولية والإقليمية الراهنة، وأهمها التطورات العسكرية في الحرب (الروسية – الأوكرانية)، وهو الأمر الذي أعلن عنه الكرملين الروسي رسمياً ضمن البيان المشترك الصادر عقب الزيارة، والتي شهدت التوقيع على عدد من الوثائق الحكومية الدولية وغيرها من الوثائق الأخرى الثنائية.
- أشاد الرئيس فلاديمير بوتين بمستوى العلاقات الروسية الأذربيجانية، مشدداً على أن المباحثات في الإطار الموسع تعد فرصة لتحديد خطوات تطوير العلاقات بين موسكو و باكو خلال المرحلة القادمة.
- تؤكد المعلومات التي رشحت من قبل المسؤولين الروس في الكرملين أن الرئيس بوتين قد ناقش بشكل مطول مبادرته للسلام مع أوكرانيا والتي أعلنها بتاريخ 14 يونيو 2024، والتي تنص على القيام بوقف فوري لإطلاق النار من قبل الجانبين (الروسي – والأوكراني) وبدء المفاوضات بين كييف وموسكو بمجرد انسحاب القوات الأوكرانية من أراضي مناطق روسيا الجديدة.
- ودعا الرئيس بوتين في مبادرته قادة كييف لإعلان تخليهم عن طموحهم الهادف للإنضمام إلى حلف الناتو، وتنفيذ عملية نزع طوعي للسلاح، وتفكيك البنى التنظيمية (النازية) في أوكرانيا على حد وصفه، وقبول وضعية الحياد وعدم الإنحياز لأي تكتل سياسي أو عسكري، وإخلاء أوكرانيا من أي تواجد لأي نوع من الأسلحة النووية، كما دعا الدول الغربية إلى رفع العقوبات المفروضة على روسيا.
- وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالحضور الواسع لأذربيجان في الإقتصاد الروسي، وأشاد بالإتفاقات المبرمة عام 2022 والتي يتم تنفيذها، وهو الأمر الذي أسهم بتطوير الخطوات المستقبلية لعلاقات البلدين، فيما أشاد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف من جانبه بهذه العلاقات الثنائية المتنامية، مشيراً إلى وتيرة تطورها ودورها الكبير في إرساء الأمن والإستقرار، ومنع التوترات في منطقة دول حوض بحر قزوين وكذلك في دول منطقة القوقاز، فضلاً عن فضاء الإتحاد السوفييتي السابق.
- وقد ضمَّ الوفد الروسي نائب رئيس الديوان الرئاسي (مكسيم أوريشكين)، ومساعدي الرئيس الروسي (يوري أوشاكوف) و (رسلان إيدلغيرييف)، ونائب رئيس الوزراء (ألكسندر نوفاك)، ومعالي وزير الخارجية (سيرجي لافروف)، ووزير التنمية الإقتصادية (مكسيم ريشتنيكوف) وغيرهم من المسؤولين.
- وقد تلقت وزارة الإقتصاد الأذربيجانية خلال هذه الزيارة عروضاً من شركات روسية مختلفة وذلك لتنفيذ 24 مشروعاً في منطقة قره باخ (ناغورني كارباخ)، وفي منطقة (زانجيزور) الشرقية، حيث تمثل أذربيجان نحو 0.4 بالمئة من إجمالي تجارة روسيا الخارجية وفقاً لبيانات الجمارك الروسية، فيما تحتل روسيا المرتبة الثالثة بين أكبر شركاء أذربيجان التجاريين بعد إيطاليا و تركيا.
- وقد ازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2023 بنسبة 17.5بالمئة مقارنة بالعام الذي قبله ليصل إلى 4.358 مليار دولار، وخلال النصف الأول من العام الجاري بين يناير ويوليو 2024، نمت التجارة البينية بنسبة 5.2 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2023، حيث تجاوزت حصة التبادلات بالعملات الوطنية بين البلدين من يناير حتى مايو من العام الجاري مستوى 73 بالمئة.
كما تمَّ تسجيل أكثر من 1400 شركة بمشاركة روسية في أذربيجان، منها حوالي 300 شركة برأس مال روسي كامل 100بالمئة، أما الباقي فعلى شكل مشاريع مشتركة. ومن الشركات الروسية التي تنشط في أذربيجان شركات كبرى مثل (غازبروم) و(لوك أويل) و(بنك في تي بي) و(أفتوفاز)، كما يجري تنفيذ عدد من المشاريع الرائدة مثل إنتاج وتجميع شاحنات (كاماز) و(أورال) الروسية في أذربيجان،وهوالأمر الذي سيستيح لروسيا تصدير هذه الشاحنات بغض النظر عن القيود التي فرضت ضدَّ روسيا الإتحادية في وقتٍ من الأوقات بسبب العقوبات الغربية المفروضة.
- أما من الجانب الأذربيجاني، فإن باكو تنفذ العديد من المشاريع الإستثمارية في روسيا، أبرزها بناء وتشغيل مصنع لإنتاج الفواكه والخضروات المعلبة ومصنع للشاي، وقد بلغ حجم إستثمارات باكو في الإقتصاد الروسي مليار دولار، فيما تجاوز حجم إستثمارات موسكو في أذربيجان قرابة 8.7 مليار دولار، أهمها في مجال النفط والغاز حيث ترتبط موسكو مع باكو بعلاقات وطيدة منذ عام 1997، وتقوم أذربيجان بتصدير النفط إلى أوروبا عبر الأراضي الروسية من خلال خط أنابيب الغاز الروسي (باكو – نوفوروسيسك) مع الشحن اللاحق لها من ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود.
- وفي العام 2019، بلغ حجم النفط الذي تم نقله عبر خط الأنابيب ما حجمه 900 ألف طن، وانخفضت الإمدادات في العام 2020 إلى 613 ألف طن، وفي العام 2021 ارتفعت الإمدادات إلى 1.1 مليون طن، وفي العام 2022 بلغ حجم الإمدادات 0.6 مليون طن. أما فيما يتعلق بالتعاون في مجال الغاز، فقد بدأت إمدادات الغاز الروسي إلى أذربيجان منذ تاريخ 15 نوفمبر في العام 2022 بموجب إتفاقية جديدة لشراء وبيع الوقود الأزرق، حيث قامت موسكو وفقاً للإتفاق الموقع مع باكو بتزويد أذربيجان بما يصل إلى مليار متر مكعب من الغاز حتى بداية شهر مارس 2023، وذلك من خلال شركة (غازبروم) الروسية التي تعمل في أذربيجان.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات الروسية مع دول فضاء الإتحاد السوفييتي السابق، وعلى رأسها جمهورية أذرربيجان، مثل الخبير الروسي (أرتور أفاكوف) وهو الخبير ضمن الجامعة الأكاديمية الحكومية في موسكو للعلوم الإنسانية، أن أهم ما بحثه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أذربيجان هو العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. حيث كان واضحاً للقادة الأذربيجانيين أن موسكو ستلعب دورها السابق في جنوب القوقاز، ولكن ليس في هذا الوقت، لأن جزءاً كبيراً من القوات الروسية بدأ ينتشر في مناطق عسكرية أخرى قرب الحدود مع أوكرانيا، وهو الأمر الذي يراقبه اللاعبون الدوليون في القوقاز مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا وأذربيجان نفسها، وجميعهم يحاولون استغلال الوضع لمصالحهم، وخير مثال على هذا الأمر هو تمكن القوات العسكرية الأذربيجانية من السيطرة على كامل أراضي إقليم قره باخ (كاراباخ).
- ويضيف الخبير الروسي، أن حكومة باكو تدرك جيداً أن بإمكان موسكو حالياً، عندما ينتهي الصراع (الروسي –الأوكراني) بطريقة أو بأخرى، زيادة نفوذها الموجود أصلاً في المنطقة، ومع ذلك فإن رئيس أذربيجان إلهام علييف، يحاول وضع أساس للتعاون المستقبلي مع الكرملين الروسي، والدليل على ذلك هو أن حكومة باكو، ما زالت تؤكد بأن حكومة يريفان في أرمينيا هي التي لا تريد التوقيع على معاهدة سلام مع باكو، وهي التي عادت لتواصل بناء ترسانتها استعداداً للحرب مع الأذربيجانيين مرةً أخرى.
- ويؤكد الخبير الروسي (آرتور أفاكوف) أن روسيا ستستعيد قوتها الكاملة في جنوب القوقاز، وستغير الوضع هناك، وسيكون من المفيد لباكو تأمين موقعها الجديد ضد أي تغيير، لأن موسكو تتصرف بطريقة برغماتية واضحة،نظراً لأنها باتت مجبرة حالياً بأن تتكيف مع الظروف التي نتجت عن تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية).
- فيما يرى خبير روسي آخر، هو الخبير السياسي (إيغور كوروتشينكو)، المدير العام لمعهد بحر قزوين للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن السلام في منطقة ما وراء القوقاز هو عنصر أساسي بالنسبة لروسيا، جنباً إلى جنب مع شركائها الإقليميين، من أجل إنشاء محور (جيوسياسي إقليمي) أمني وعسكري بين الشمال والجنوب، لأن الأمر لا يتعلق فقط بمجرد مشروع للنقل يحمل نفس الإسم أي يحمل إسم (الشمال والجنوب)، بل هو قوس مستدام على طريق الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي إلى دول آسيا الوسطى، حيث تحتاج روسيا للوصول المستقر إلى إيران.
- ويضيف الخبير كوروتشينكو، أنه ونظراً لغياب الحدود المشتركة بين روسيا وأرمينيا وميل أرمينيا إلى الإتجاه الأوروبي الأطلسي، فإن بناء مثل هذا المحور يبدو متعذراً وصعباً للغاية، ولا يوجد أمام روسيا سوى أذربيجان، خاصةً وأن موسكو وباكو وطهران تلتزم بالموقف المبدئي القائل بأن جميع القضايا الإشكالية في جنوب القوقاز يجب أن يتم حلها حصرياً من خلال جهود دول المنطقة. بينما ترى حكومة يريفان في أرمينيا، وتبليسي في جورجيا، وبسبب ظروف معينة، أنه يمكن حل هذه الخلافات بشكل مختلف وفقاً لتوجهاتهم الخاصة، ولذلك بدأت السلطات الأرمينية تلهث وراء تنويع أساليب السياسة الخارجية ليريفان، التي تنطوي على إشراك قوى من خارج المنطقة، مثل إشراك دول من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، في أجندة منطقة القوقاز. وفي الوقت نفسه تقوم حكومة يريفان، على عكس حكومة تبليسي، بإرسال إشارات لموسكو بأنها لا ترفض المشاركة في المنصة التشاورية (3+3)، والتي تضم أيضاً كلاً من (روسيا، إيران، تركيا، مقابل أرمينيا، أذربيجان، جورجيا).
- ولهذا السبب، وكما يرى مختلف الخبراء في وزارة الخارجية الروسية وضمن الإدارة الرئاسية في الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أراد خلال زيارته الأخيرة أن يتفق مع قادة أذربيجان خلال لقائهما على مجموعة من الخطوات (الأمنية والعسكرية) الإستراتيجية لتعزيز الإستقرار الإقليمي على أساس مبادئ و بنود صيغة (3+3)، حيث من الممكن إعطاء أرمينيا أسباباً تجعلها تؤمن بالإمكانات الداخلية لبناء السلام في منطقة جنوب القوقاز، وذلك لكي تضعف لدى حكومة يريفان قابلية إغوائها من قبل بعض عواصم الغرب بسبب قلقها الدائم، وهو الأمر الذي يمكن لحكومة باكو في أذربيجان حالياً أن تساعد روسيا في تحقيقه، رغم التناقض السياسي والأمني والعسكري واختلاف التوجهات بين حكومة يريفان في أرمينيا وحكومة باكو في أذربيجان التي زارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الوقت الحرج بالذات الذي تعيشه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.