موسكو – (رياليست عربي): على ضوء الزيارة الرسمية التي قام بها نائب رئيس الوزراء الصربي (ألكسندر فولين) إلى طهران لتعزيز العلاقات الثنائية بين إيران ودولة صربيا الواقعة في غرب البلقان، وذلك بالتزامن مع تنصيب (مسعود بزشكيان) رئيساً جديداً للجمهورية الإيرانية أول أمس 30 يوليو 2024:
- اجتمع (ألكسندر فولين) مع الرئيس الإيراني (مسعود بيزيشكيان) حيث بحث الجانبان في طهران مختلف القضايا التي تهم الجانبين الصربي والإيراني، بعد أن سلم فولين رسالة التهنئة الموجهة من قبل الرئيس الصربي (ألكسندر فوتشيتش) للرئيس الإيراني المنتخب حديثاً.
- وقد شكر الرئيس الإيراني نظيره الصربي على رساله التهنئة، ووصف صربيا بأنها صديقة لإيران في الأوقات الصعبة، كما أكد بيزيشكيان على أهمية الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى رئاسته لمجموعة الصداقة البرلمانية (الصربية – الإيرانية) بين البلدين عندما كان نائباً في برلمان طهران، ولذلك أكد مسعود بزشكيان أن توسيع التعاون البرلماني بين البلدين، كان له أثر فعال في تعزيز العلاقات الشاملة، وسلط الضوء على أهمية تنفيذ الإتفاقيات المبرمة بين البلدين، وفي أقرب وقتٍ ممكنٍ من أجل الإستفادة منها بعد تفعيل العمل بها.
- وأكد الرئيس الإيراني للمبعوث الرئاسي الصربي أن الجمهورية الإيرانية كانت هدفاً مقصوداً لزوبعة من الضجيج إعلامي والدعاية غير الواقعية، فضلاً عن أنها كانت هدفاً للكثير من الضغوطات والعقوبات التي أقرتها عدد من الدول الغربية، من تلك التي تسعى إلى تحقيق مطالب مبالغ فيها بسبب رغبة إيران في الإستقلال، مضيفا أن بلاده (الأمة الإيرانية العظيمة) – (على حدِّ وصف الرئيس مسعود بزشكيان) ستتصدى لأي عدوان، ولا يمكنها أن تظل غير مبالية بالجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون في قطاع غزة.
- من جانبه تحدث نائب رئيس الوزراء الصربي (ألكسندر فولين)، فأكد لمستضيفه الرئيس الإيراني أنه رغم وقوع جمهورية صربيا وسط دول القارة الأوروبية تقريباً، شرقاً وغرباً، إلا أنها لم تتماشى مع سياسات وأفعال الدول الأوروبية الأخرى التي تعزز معاداة إيران، مشدداً على رغبة بلاده صربيا في تعزيز العلاقات مع إيران في المجالات الإقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها من المجالات التي تهم الجانبين الصربي والإيراني.
- وقد شارك المبعوث الرئيس الصربي نائب رئيس وزراء جمهورية صربيا (ألكسندر فولين) إلى جانب الرئيس الإيراني (مسعود بزشكيان) في حفل تنصيب الأخير رئيساً لجمهورية إيران.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين و الخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف دول منطقة البلقان ودول الإتحاد اليوغسلافي السابق وعلى رأسها جمهورية صربيا، مثل الخبيرة الصربية المختصىة بالشؤون الإيرانية (تاتيانا كيكتش) والتي تتابع شؤون جمهورية إيران مع دول منطقة البلقان، أن إيران باتت تعتبر بأن صربيا حليفاً نادراً لها في الوقت الحالي بسبب تدهور العلاقات مع أغلب الدول الأوروبية، حيث تقوم هذه العلاقة على الدعم السياسي المتبادل، إذ تقدر جمهورية صربيا عدم اعتراف إيران بكوسوفو، في حين تقدر إيران رفض جمهورية صربيا إدانة سجل إيران في مجال حقوق الإنسان وبرنامجها النووي.
- وعلى الرغم من القيود الحالية التي نتجت بسبب العقوبات الغربية على إيران، إلا أن جمهورية صربيا تستعد لتأمين معاملة تفضيلية للشركات الإيرانية في بلغراد، مقابل تأمين معاملة تفضيلية للشركات الصربية في طهران في حالة رفع العقوبات أو تخفيفها في نهاية المطاف.
- وتضيف الخبيرة الصربية، أن العلاقات تاريخياً بين بلغراد وطهران كانت ودية للغاية، ففي ذروة الحرب الباردة، انتهجت يوغوسلافيا سياسة خارجية غير منحازة، حيث كانت إيران واحدة من شركائها التجاريين الرئيسيين في آسيا، إذ بلغ حجم التبادل التجاري السنوي نحو 800 مليون دولار، حيث زار الزعيم اليوغوسلافي (جوزيف بروز تيتو) إيران أربع مرات وتمتع بعلاقات ودية للغاية مع الشاه الإيراني (محمد رضا بهلوي)، خاصةً عندما دعا الأخير الزعيم تيتو في عام 1971 إلى وليمة وسط الصحراء الإيرانية للإحتفال بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية.
- وتتابع الخبيرة الصربية المختصىة بالشؤون الإيرانية (تاتيانا كيكتش) أن العلاقات بين طهران وبلغراد تضررت فيما بعد أثناء الحرب البوسنية في الفترة الواقعة بين عامي 1992-1995، عندما دعمت إيران البوسنيين ضد القوات الصربية، وعانت بلغراد من الضرر الذي لحق بسمعتها بسبب الفظائع التي ارتكبها قادة صرب البوسنة ضد المسلمين البوسنيين (البوشناق)، حيث أعربت طهران عن امتعاضها من المذابح التي شنتها الوحدات الصربية ضدَ المسلمين، وأبرزها مذبحة (بريشتينيتسا) والتي اعتبرها الإيرانيون في ذلك البلد، جريمة إنسانية لا تغتفر.
- لكن السنوات الأخيرة، أعادت العلاقات بين صربيا وإيران إلى ما كانت عليه، حيث بدأت طهران وبلغراد معاً بتأسيس علاقات ودية بينهما، وقد نجح موقف طهران من قضية كوسوفو في كسب حسن النية داخل مؤسسات بلغراد، وعلى النقيض من العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، فقد رفضت إيران الإعتراف بكوسوفو، لأنها ما زالت تنظر إلى بريشتينا باعتبارها موقعاً متقدماً للعسكرة الأمريكية.
- وتسلط الخبيرة الصربية الضوء على لقاءات المسؤولين بين البلدين، فتؤكد الخبيرة (تاتيانا كيكتش) أن نشاطات السيد (ألكسندر فولين) مكملة لسلسلة من الإجتماعات رفيعة المستوى بين البلدين، ففي أبريل 2021، زار وزير خارجية صربيا آنذاك (نيكولا سيليكوفيتش) إيران، وأعرب عن امتنانه لطهران لموقفها بشأن كوسوفو ومناقشة سبل تعزيز التجارة الثنائية. كما ردَّ وزير الخارجية الإيراني (حسين أمير عبد اللهيان) على هذه الخطوة بزيارة بلغراد خلال شهر ديسمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، يزور المسؤولون الصرب رفيعو المستوى طهران بشكل دوري، بما في ذلك نائب وزير الخارجية (جوران أليكسيتش)، والذي وصل إلى طهران خلال شهر أغسطس 2023.
- ورغم قوة العلاقات السياسية بين طهران وبلغراد، إلا أن العلاقات الإقتصادية ما زالت متواضعة، حيث لا يتجاوز حجم التجارة السنوية 50 مليون يورو،إذ تتوخى صربيا الحذر بشأن توسيع التجارة التي قد تؤدي إلى فرض عقوبات ضدَّ مسؤولي حكومة بلغراد. ومع ذلك، فقد زادت جمهورية صربيا وارداتها النفطية من إيران، وذلك بعد أن قامت شركة (NIS) وهي عملاقة النفط الصربي الفرعية المملوكة لشركة (غازبروم) الروسية، بمضاعفة وارداتها من النفط الخام الإيراني الثقيل.
- وتؤكد التقارير الإقتصادية التي نشرتها المؤسسات النفطية في كل من طهران وبلغراد، أن تجارة النفط بين الجانبين قد تؤخذ بالتطور قدماً، حيث ارتفعت قيمة الواردات النفطية من 126 ألف طن في عام 2021 إلى 267 ألف طن في عام 2022، وفقاً لموقع شركة (NIS) نفسها على شبكة الإنترنت، وهو الأمر الذي أرضى المسؤولين الإيرانيين والمسؤولين الصرب، ومن خلفهم المسؤولين الروس أيضاً.
- ونظراً لامتثال معظم البنوك الصربية للعقوبات الغربية المفروضة على إيران، فقد أعاق هذا الإلتزام الصربي تطور العلاقات الإقتصادية بين البلدين، أكثر فأكثر، لأنه ومنذ أن أصبحت جمهورية صربيا مرشحة للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي في عام 2012، بدأت بلغراد تعمل بحذر ضمن تعاملاتها الاقتصادية مع طهران، وخاصةً بعد إنسحاب إدارة الرئيس ترامب من الإتفاق النووي لعام 2015 في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على طهران.
- ولكن، وبالرغم من ذلك، فقد شهدت الآونة الأخيرة، بعض الإنفتاح لدى المسؤولين الصرب لاستكشاف علاقات إقتصادية أوثق مع إيران، ففي 29 يوليو 2024 أكد السيد (صمد حسن زاده) رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في إيران، استعداد بلاده لتعزيز العلاقات التجارية مع جمهورية صربيا، حيث أكد المسؤول الإيراني للسفير الصربي المعين حديثاً في طهران، أي سعادة السفير المفوض فوق العادة (ديمير كوفاسيفيتش)، وجود رغبة حقيقية وجدية لدى طهران في إقامة مركز للمعارض التجارية في جمهورية صربيا،وذلك للمساهمة في التعريف بشركات البلدين.
- · وأعرب رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في إيران (صمد حسن زاده) للسفير الصربي الجديد، عن خيبة أمله إزاء عدم تنفيذ الإتفاق المبرم في عام 2021 بين طهران وبلغراد، والذي كان يقضي بإنشاء لجنة إقتصادية مشتركة بين البلدين، كما حثَّ المسؤول الإيراني ضيفه السفير الصربي على إعادة النظر في إتفاقية التجارة الحرة التي لم ترد عليها بلغراد بعد.
- أما من الجانب الصربي: فقد أكد السفير (ديمير كوفاسيفيتش) أن هناك التزام جدي حالياً من قبل جمهورية صربيا لتعزيز التعاون التجاري مع إيران، حيث دعا إلى تشكيل مجلس تجاري لاستكشاف الفرص الإقتصادية والتجارية والصناعية والمالية والزراعية بين البلدين، وبشكلٍ كاملٍ، كما تعهد بأن تعمل السفارة الصربية في طهران على تحقيق الأهداف التي حددتها الدولتان، وأولها إحياء الإتفاقيات القائمة، ومعالجة العوائق التي حالت دون تنفيذ بعض الإتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين.
- وتختم الخبيرة الصربية المختصىة بالشؤون الإيرانية (تاتيانا كيكتش) أن السياسية الصربية المتبعة حالياً من قبل حكومة بلغراد مع إيران، لا تختلف كثيراً عن السياسية الصربية المتبعة مع دول أخرى صديقة لجمهورية صربيا مثل روسيا الإتحادية، فعلى الرغم من وجود الكثير من العقوبات الغربية المفروضة على إيران، تماماً كما هي مفروضة على روسيا الإتحادية، إلا أن هذا الأمر لم يعق تطوير التعاون بين بلغراد وموسكو، تماماً كما أنه لن يعيق التعاون بين بلغراد وطهران، وهو ما يؤكد أن القيادة الصربية ستبقى ماضية في سياسة الوسطية بين الشرق والغرب، ولكن بحذر شديد.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.