باريس – (رياليست عربي). أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، تعيين سيباستيان لوكورنو رئيساً للوزراء بعد أيام فقط من استقالته، في محاولة لإنهاء الشلل السياسي الذي أصاب البلاد واستعادة الدعم البرلماني لتمرير موازنة عام 2026.
وأُعلن القرار بعد أسبوع من الجمود الحكومي الذي أصاب مؤسسات الدولة بالشلل، في خطوة اعتبرها المراقبون مغامرة سياسية جديدة لماكرون (47 عاماً) الذي يواجه تصاعداً غير مسبوقاً للضغوط من مختلف التيارات السياسية.
وطالبت أحزاب المعارضة الرئيس إما بالدعوة إلى انتخابات مبكرة أو الاستقالة، متهمة إياه بتعميق أسوأ أزمة مؤسسية في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وقال لوكورنو (38 عاماً) في منشور على منصة «إكس» إنه يقبل المنصب «بدافع الواجب»، متعهداً بتقديم مشروع موازنة قابل للتنفيذ بحلول الاثنين. وأضاف: «يجب أن نضع حداً لهذه الأزمة السياسية التي ترهق الفرنسيين ولعدم الاستقرار الذي يضر بصورة فرنسا ومصالحها».
حكومة ضعيفة وتحالفات هشة
التقى ماكرون في وقت سابق زعماء الأحزاب التقليدية لمحاولة بناء توافق، لكن الأحزاب اليسارية هاجمت قراره بالإبقاء على شخصية وسطية موالية له بدلاً من تعيين ممثل عنها، ما يشير إلى أن الحكومة الجديدة قد تواجه الهشاشة نفسها التي عانت منها الحكومات السابقة.
وحذر محللون من أنه إذا استمر الجمود في البرلمان، فقد يضطر ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة — وهو سيناريو قد يصب في مصلحة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة جوردان بارديلا، الذي أعلن فوراً تقديم مذكرة بحجب الثقة عن الحكومة.
انعكاسات اقتصادية وسياسية
تسببت الأزمة المستمرة في تراجع ثقة المستثمرين وإضعاف النمو الاقتصادي. وقدّر بنك فرنسا أن الضبابية السياسية قد تخفّض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% هذا العام، فيما حذّر وزير المالية برونو لو مير من أن «الأزمة تقوّض ثقة الشركات وتضر بالاقتصاد».
وتسعى حكومة ماكرون الوسطية منذ فقدان أغلبيتها المطلقة في 2022 إلى فرض الانضباط المالي، إذ تمثل موازنة 2026 محوراً رئيسياً في خطته لخفض العجز من 5.4% إلى أقل من السقف الأوروبي البالغ 3%، لكن المفاوضات ما زالت متوترة ومعقدة.
فبينما يطالب اليسار بزيادة الضرائب على الأثرياء وإلغاء إصلاح نظام التقاعد لعام 2023، يصرّ اليمين المحافظ على مزيد من خفض الإنفاق العام.
وخلال المحادثات، عرض ماكرون تأجيل رفع سن التقاعد إلى 64 عاماً حتى عام 2028، إلا أن زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه اعتبرت العرض «غير كافٍ».
اختبار جديد للجمهورية الخامسة
تعكس إعادة تعيين لوكورنو تبدّل خمسة رؤساء وزراء خلال أقل من عامين، ما يشير إلى تزايد هشاشة النظام السياسي الفرنسي الذي كان يُنظر إليه طويلاً كأحد أعمدة الاستقرار في أوروبا.
ويرى مراقبون أن بقاء الحكومة الجديدة وقدرتها على تمرير الموازنة وتجنب انهيار سياسي جديد يعتمد على تحالفات هشة وإرادة رئيس تتآكل سريعاً وسط انقسام متعمق في المجتمع الفرنسي.






